ما بين «الخطبة الموحدة» .. و «الخطبة المقروءة» .. و «الخطبة الجاهزة لخمس سنوات قادمة» .. دارت وزارة الأوقاف فى فلك تجديد الخطاب الدينى ولا تزال تسبح .. وكما هى العادة انقسم العلماء تجاه المبادرة الجديدة التى أطلقتها وزارة الأوقاف ما بين مؤيد ومعارض. ◄ الأوقاف: خطة علمية لتصحيح المفاهيم الخاطئة وترسيخ القيم والانتماء للوطن ◄ المعارضون: الموضوعات «القوالب» غالبا ما تكون مكررة ويملها السامع والخطيب وزارة الأوقاف من جانبها دافعت عن دعواها بأنها تهدف إلى تشكيل الوعى المستنير وترسيخ الانتماء الوطني، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، وتحفيز الرغبة فى العمل والإنجاز والإسهام الحضارى وإعلاء وترسيخ القيم الأخلاقية .. وحددت لخطبة الجمعة 270 موضوعا على مدار خمس سنوات، بمعدل 54 موضوعًا سنويًا. ويرى علماء وأئمة الوزارة أنه لا يوجد مانع شرعى فى تحديد موضوعات خطبة الجمعة باعتبارها إحدى وسائل تجديد الخطاب الديني. بينما أكد المعارضون لتلك المبادرة الجديدة أن الثابت لا يعبر عن المتغير، فالأحداث متجددة متغيرة يوما بعد يوم فكيف تلاحقها خطبة أعدت قبلها بسنوات، ثم إن الموضوعات المحددة غالبا ما تكون مكررة يملها السامع والخطيب معا. خطة شاملة للتطوير ووحدت وزارة الأوقاف، بصفتها المسئولة عن الخطاب الدعوى فى المساجد، موضوع الخطبة، وطالبت الأئمة والدعاة بضرورة الالتزام بالموضوع الموحد، ورغم هذه الجهود، كان من المهم وضع خطة شاملة لتطوير موضوعات الخطبة، لتصحيح المفاهيم وتوعية الشباب، وبناء الشخصية القادرة على الحوار والتعايش السلمي، والتفاعل الإيجابى مع قضايا الوطن، وذلك من خلال لجنة علمية شكلتها الأوقاف، ضمت نخبة من علماء الدين والنفس والاجتماع، وانتهت اللجنة من وضع خطة تشمل 54 موضوعا للعام الأول، و270 موضوعا لمدة خمس سنوات قادمة. إعادة تشكيل الوعي وتهدف الملامح الأولية للخطة الدعوية للأوقاف إلى إعادة تشكيل الوعى المستنير وترسيخ الانتماء الوطني، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، وتحفيز الرغبة فى العمل والإنجاز والإسهام الحضاري، وإعلاء وترسيخ القيم الأخلاقية، وبناء الشخصية السوية الواعية القادرة على التعايش السلمى مع النفس والآخر. أما وسائل تنفيذ الخطة فتتمثل فى خطبة الجمعة، والدروس والندوات والمحاضرات، والتناول الإعلامى مسموعًا ومرئيًا، والتناول الصحفى من خلال المقالات والحوارات والتحقيقات، والنشر والتواصل الإلكتروني. وكذلك التأليف والترجمة والنشر، بحيث يكون موضوع خطبة الجمعة هو قضية الأسبوع الفكرية بما يصاحبها ويدور حولها من بعض مقالات الكتاب ورؤى المفكرين والمثقفين وتناول وسائل الإعلام المختلفة، وبما يخلق أو يشكل وعيًا عامًا بالقضية، ويسهم مع الزمن فى إعادة تشكيل الوعى العام وبناء الشخصية الوطنية السوية الواعية المتسامحة القادرة على التعامل مع الواقع والتعايش السلمى مع الذات ومع الآخر، وعلى الإسهام الحضارى المتميز وخدمة الإنسانية من خلال العمل المتميز بالإبداع والإتقان. وردا على تخوف بعض المعارضين لمبادرة الأوقاف من تحديد موضوعات مسبقة لخطبة الجمعة وما قد يحدث من مستجدات على الساحة تستلزم تغيير موضوع الخطبة، فقد أكدت الوزارة أنها لن تغفل أمر الطوارئ والمستجدات والمتغيرات، بحيث سيتم تخصيص الخطبة الثانية لمعالجتها فى حدود ما تقتضيه وتحتمه طبيعة كل ظرف على حدة، كما ستتم معالجة هذه المستجدات والقضايا الطارئة أيضًا من خلال الندوات والدروس والقوافل المتنوعة ووسائل الإعلام المختلفة، والأهم من ذلك أنها لن تكون قيدًا على التفكير أو الإبداع ، ذلك أن الأمر فى الشأن الدعوى أوسع من خطبة الجمعة بكثير، فهناك الدروس اليومية، والندوات والمحاضرات والقوافل الدعوية بالمساجد والمدارس ومراكز الشباب وقصور الثقافة والتجمعات المختلفة عمالية وغيرها، إضافة إلى وسائل الإعلام المتعددة مقروءة ومسموعة ومرئية، مما يتيح مساحة واسعة للاجتهاد والإبداع، فتجمع الخطة بين تشكيل الوعى المطلوب ومساحة الاجتهاد الواسعة. محاور أساسية وأوضحت الأوقاف أن الموضوعات التى انتهت منها اللجنة، شملت عدة محاور هي: الأخلاق، القيم الوطنية، قضايا التطرف والإرهاب، العمل والإنتاج، المعاملات، بناء الأسرة، الشباب، المرأة، دور ذوى الاحتياجات الخاصة فى بناء المجتمع، التعليم والتثقيف والتربية، الإيمانيات، المناسبات الدينية، القضايا العامة، ويتم حاليا توزيع الموضوعات على الخطتين قصيرة ومتوسطة المدي، وإرسال الخطة متكاملة لأعضاء اللجنة، لوضع لمساتهم وملاحظاتهم الأخيرة عليها، تمهيدا لبدء اللجان العلمية فى كتابة الموضوعات، بمشاركة نخبة من خيرة الأساتذة، من علماء الدين وعلماء النفس والاجتماع، وسيتم عقد اجتماع للجنة الرئيسية لمراجعتها. ضرورة لتصحيح المفاهيم من جانبه، يؤكد الدكتور نبيل السمالوطي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر، أن قضية تحديد موضوع رئيسى لخطبة الجمعة أمر مهم، باعتبار أن حقائق الإٍسلام يجب أن تكون معلومة للجميع، سواء فى مجال العبادات أو المعاملات أو العلاقات، أو القضايا الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك حقوق الإنسان والحريات وحرمة الدماء، والتسامح والعدالة وغيرها، فهذه قضايا من أسس الإسلام، من حيث العقيدة والشريعة والأخلاق والسيرة والحضارة والتاريخ الإسلامي، ولابد من العمل على تصحيح المفاهيم، من خلال مواجهة الدخلاء على الدعوة، وكذلك أصحاب الأفكار المتطرفة، الذين يشوهون صورة الإسلام، ولذلك من المهم تحديد قضية عامة لخطبة الجمعة، ويتم توضيح العناصر والآيات والأحاديث التى تساعد الأئمة على توصيل هذه القضايا للناس، وأن يجتهد الأئمة من خلال البحث والاطلاع فى عرض هذه القضايا، هذا بجانب أن يكون هناك جزء خاص فى الخطبة، يتناول قضايا المجتمع فى محيط المسجد، وهذا الجزء من الخطبة، يكون طبقا للظروف التى تناسب رواد المسجد. خطوة فى طريق التجديد وفى سياق متصل، يوضح الدكتور بكر زكى عوض، عميد كلية أصول الدين السابق، أن الغاية من توحيد الخطبة إنشاء وحدة ثقافية موجهة عبر المنابر، وكذلك منع الخروج عن السياسة العامة لوزارة الأوقاف، والتى تراعى عند الاختيار القضايا التى تتعلق بالواقع الاجتماعى أو المشكلات المعاصرة، كما أن هذه الخطة مانعة أيضا من استقطاب المنابر لتحقيق اتجاهات سياسية معينة، أو اتجاهات دعوية موجهة، كما أن توحيد الخطبة يساعد شباب الدعاة على اختيار موضوعات قد لا توجد لديهم مراجع عنها، وبالتالى فتوحيد الخطبة يقدم الموضوع بعناصره ومادته العلمية، ومن استطاع أن يأخذ العنوان، ويعبر عنه من عنده فلا حرج فى هذا، ولكن من تعذر عليه، اعتمد على المادة التى تقدمها الوزارة، كما أنها تساعد على تقارب الزمن بين سائر الخطباء، بعد أن كان بعضهم يؤدى الخطبة لمدة ساعة أو أكثر، الأمر الذى أدى إلى تبرم بعض المصلين، وقد روعى فى مضمون الخطبة أن تكون فى حدود 15 دقيقة، والخطبة الثانية فى حدود خمس دقائق، وأما عن الرغبة فى التنوع فإن الفرصة متاحة للأئمة من يوم السبت إلى يوم الخميس، من خلال الدروس بين المغرب والعشاء. رأى معارض من جانبه، يرى الدكتور مختار مرزوق عبد الرحيم، عميد كلية أصول الدين السابق بأسيوط، أن ما تردد بأن الأوقاف تريد أن تجعل هناك خطة متكاملة، لبضع سنين فى تناول موضوعات معينة، يلتزم بها الأئمة، هذا أمر ربما يكون صحيا، إذا كان على سبيل الاختيار والإرشاد، وليس على سبيل الإجبار، لأنه من المعلوم أن البلاغة هى مراعاة مقتضى الحال، وكما يقولون لكل مقام مقال، فكيف يكون الأمر ملزما لعدة سنوات، مع أن الأحداث تتغير كل يوم، والخطيب فى حاجة ماسة إلى أن تترك له الحرية، لكى يجيب على أسئلة الناس، وعن القضايا التى تثار كل يوم، ولذلك فمن الأفضل أن نترك الإمام يتكلم بحرية، ويختار الموضوعات التى تناسب المجتمع، حتى يُبدع فى القراءة والبحث والعرض، لأننا نريد أئمة علماء، ومن الملاحظات فى خطبة الجمعة الموحدة، أن الوزارة تغير الخطبة أو بندا من بنودها، إذا ما جد جديد، فما بالنا إذا ما كان الحال سيبقى لعدة أعوام، إننا إذا احتكمنا لجمهور الأزهريين، سوف نجد أنهم يرفضون تقييدهم بتلك الموضوعات المحددة، التى غالبا ما تكون مكررة يملها السامع والخطيب. ويواصل عبدالرحيم: ومن هنا فإنى أرى ألا تسير الوزارة فى هذا الأمر، بل يجب أن تترك الحرية لخطباء المساجد فى الدفاع عن دين الله عز وجل، وهذا هو الأجدى فى نظري.