تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج بكالوريوس الطب والجراحة (الشعبة الفرنسية) جامعة الإسكندرية    حدث في 8 ساعات| تنويه مهم بشأن المتقدمين لشغل وظائف بالطب الشرعي.. وتسيير 12 رحلة جوية لعودة الحجاج    موعد صرف معاشات شهر يوليو 2024 بالزيادة الأخيرة.. كيفية الاستعلام وطرق الصرف    4 شهداء فلسطينيين في قصف طيران ومدفعية الاحتلال لغزة ورفح    المفوضية الأوروبية تقترح موازنة بقيمة 270 مليار يورو لعام 2025    الأهلي يعلن.. تدريبات علاجية واستشفائية لعمر كمال.. ومشاركة وسام أبو علي    كانسيلو يحسم موقفه من العودة لبرشلونة    مركز شباب الكيمان بالأقصر ينظم مبادرة العيد أحلى    فيفا يخطر اتحاد الكرة المصري بإيقاف قيد مودرن فيوتشر    في أول مقابلة له كمدرب.. آرني سلوت: متحمس للتحدي الجديد الذي ينتظرني في ليفربول    مياه القليوبية: هبوط أرضي يعطل خط صرف صحي في ميت غمر وتدابير لحماية مقام الشعراوي    المراجعة النهائية أسئلة وأجوبة اللغة العربية للصف الثالث الثانوي (نصوص نثرية وأدب pdf)    تركي آل الشيخ مشيدًا بنجاح "ولاد رزق 3": فيلم عربي مميز حطم الأرقام القياسية    رنا سماحة تعلق على نجاح أول ليلة عرض لمسرحية «العيال فهمت»    بعد انتهاء أعمال الحج.. علي جمعة يكشف عن آداب زيارة مقام النبي والمسجد النبوي    هل لحم الأضحية يفقد قيمته الغذائية بعد التجميد؟    إجازات شهر يوليو 2024.. تصل إلى 11 يومًا    غيابات جديدة فى مران منتخب فرنسا قبل قمة هولندا وظهور مبابى بدون قناع    حماس: سنعمل على تحرير كامل أرضنا وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس    غيابات الأهلي صداع في رأس كولر أمام الزمالك    حماس: 40 طفلًا قتلهم الجوع بغزة والمجاعة تتفاقم نتيجة حرب الإبادة الجماعية    تداول 74 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحرالأحمر    اللحمة ب 250 جنيهًا عند الجزارة «أم سعيد»    النائب العام يلتقي نظيره الصيني على هامش زيارته للعاصمة الروسية موسكو    رؤساء لجان فى مجلس النواب ل«الشروق»: الحكومة الجديدة تواجه تحديات «جسامًا» تتطلب تغييرات جوهرية بأدائها    الملحن محمد يحيى يشارك لأول مرة كموزع في أغنية تتحبي لعمرو دياب    تفاصيل استراتيجية جديدة لقطاع الصناعية المصرية حتى عام 2027    لا تفوت فرصة التقاط صورة مع كريستيانو رونالدو!    اليوم العالمي ل الأنيميا المنجلية.. 4 أعراض تكشف الإصابة بالمرض    طريقة عمل كفتة الحاتي، مناسبة للأصدقاء في زيارات العيد    الحوثيون: 3 غارات أمريكية بريطانية على الحديدة غرب اليمن    حسن الخاتمة.. وفاة صيدلي من الشرقية أثناء أداء مناسك الحج    مايا مرسي تستقبل رئيس الوكالة الإسبانية للتعاون الإنمائي    منسق قوات الطوارئ الدولية اللبناني: أمريكا زودت إسرائيل ب«إف-15»    هل ينتهي الغياب المتكرر دون إذن إلى فصل الموظف من العمل؟    وزيرة الهجرة: نتابع موقف الحجاج المصريين والتنسيق مع الجهات المعنية بشأن المفقودين وعودة الجثامين    ما حكم ترك طواف الوداع لمن فاجأها الحيض؟.. الإفتاء توضح    النيابة تندب لجنة من حى بولاق أبو العلا لمعاينة العقار المنهار    عيد الأضحى 2024.. "اليخت والبانانا والبارشوت" أبرز الألعاب المائية بشواطئ مطروح    بعد إصابة زملائهم .. 3 لاعبين استغلوا الفرصة وتألقوا في الدوري وخطفوا الأضواء    "الصحة": تنفيذ 129 برنامجا تدريبيا ل10 آلاف من العاملين بالوزارة والهيئات التابعة    3 أبراج فلكية تكره النوم وتفضل استغلال الوقت في أشياء أخرى.. هل أنت منهم؟    يسرا تعود للمسرح بعد غياب 22 سنة    ما هي علامات قبول الحج؟.. عالم أزهري يجيب    تنسيق الثانوية العامة 2024.. تعرف على درجات القبول في جميع المحافظات    ذكرى ميلاد الفنان حسن حسني.. 500 عمل فني رصيد «الجوكر»    في رابع أيام عيد الأضحى.. جهود مكثفة لرفع مستوى النظافة بشوارع وميادين الشرقية    مصرع 11 شخصا جراء الفيضانات وسوء أحوال الطقس في الهند    علي جمعة ينصح: أكثروا في أيام التشريق من الذكر بهذه الكلمات العشر    تعرف على خريطة 10 مشروعات نفذتها مصر لحماية الشواطئ من التغيرات المناخية    صحة الشرقية تعلن تنظيم قافلة طبية بالفرايحة غدا    مصرع وإصابة 6 أشخاص إثر حادث تصادم بين سيارتين ملاكي في أسيوط    بعثة الحج السياحي: 14300 حاج مصري يقيمون بمنطقة العزيزية    "رياضة الشرقية": مليون مواطن احتفلوا بالعيد في مراكز الشباب    محمد رمضان يعلن غيابه عن دراما رمضان 2025 للموسم الثاني على التوالي    استشهاد 7 فلسطينيين فى قصف إسرائيلى على شمال غربى مخيم النصيرات وغزة    لبيك يا رب الحجيج .. شعر: أحمد بيضون    «بايدن» يستنجد ب«المستنجد»!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معونة الشتاء
نشر في الأهرام اليومي يوم 15 - 12 - 2016

لا أدرى كيف تفتق ذهن ناظر المدرسة عن هذه الفكرة المجنونة. إذ أقسم فى ذات صباح ممطر, ونحن واقفون طابور الصباح, برحمة والده أن باب المدرسة سيغلق فى الثامنة صباحاً.
وأن الأمور ستستقر على هذا النحو: من بالداخل سيظل بالداخل ومن بالخارج سيظل بالخارج. وفعلاً نفذ تهديده فى اليوم التالى مباشرة, وكنت أنا أكثر المتضررين من هذا القرار المشؤوم. إذ كان يحضر عشرات من الطلبة ويتعمدون التأخير وعندما يجدون الباب الحديد مغلقا بالقفل والجنزير يقولون فى صوت واحد (بركة يا جامع) ثم يتحركون جماعات.. بعضهم يستقر به المقام فى المقهي.. والبعض الآخر يجوبون الشوارع دون هدف محدد. والبعض الثالث (يركنون) بجوار مدرسة بنات التجارة. إلا أنا.. الدموع تترقرق فى عيني.. كيف أتسكع وأنا ليس معى أى نقود.. ولو كان معى لركبت المواصلات ووصلت إلى المدرسة مبكراً. إننى أتعمد أحياناً أن أتغيب يوم الخميس ومعه يوم الجمعة - الإجازة الرسمية – حتى أعمل فى المحارة أو خلف بناء أو فى حفر المساقى .. أو أى عمل, حتى أستطيع الإنفاق على أخواتى الثلاث ووالدتي.. لكى أساعد فى المعيشة بجانب معاش والدى المحدود, وجنيهات السادات التى تأخذها والدتى الطاعنة فى السن. أقطع يوميا ما يقارب السبعة كيلومترات على الطريق المترب ولكن دائماً أفشل فى الوصول إلى المدرسة فى تمام الثامنة كما يريد حضرة الناظر. القرار مازال ينفذ فماذا أفعل؟ تجرأت وقفزت من فوق السور. قبض على الفراش, أدخلنى إلى حجرة الناظر. دون تفاهم انهال على ضرباً بالخرزانة الطويلة والتى يشاع أنه قد (حمصها) فى الفرن (ونقعها) فى الزيت لعدة أيام من أجل أن تؤلم أكثر. نزلت الدموع تسيل فى صمت. وأنا أتوسل فى صوت واهن.. أننى أريد أن استفيد يا حضرة الناظر حرام أن «أطخ» المشوار جيئة وذهاباً ثم لا أستفيد. فكان فى صباح اليوم التالى أن أصدر الناظر قرارا وأذاعه أيضاً فى الإذاعة المدرسة: أن من يتأخر عن الساعة الثامنة سوف يحجز بجوار البوابة من الداخل ويضرب عشر خرزانات. وكالعادة تضررت أيضاً من هذا القرار, لدرجة أننى ما أن أغادر دارنا النائية فى الكفر وأتسلم الطريق الطويل المترب الملتوى كالثعبان- والذى يوصلنى فى النهاية إلى المركز الذى تقع بأحد أطرافه البعيدة مدرستنا الثانوية – حتى أنفخ فى كفى انتظاراً لاستقبال العشر خرزانات المؤلمة. واستمر الحال هكذا ما يقرب من الشهر ولم يرحم لى أى توسل- أو حتى بُعد المكان الجغرافى أو صقيع الشتاء- فى تخفيض هذه الوجبة الصباحية المؤلمة. حتى فوجئت ذات صباح, وأنا استعد فسيولوجيا ونفسياً وذهنيا وكل ما فيّ يتحفز لتلقى الخرزانات العشر, أن الناظر ليست معه الخرزانة الطويلة الشهيرة. ولكن معه دفتر. عرفت فيما بعد أنه دفتر (معونة الشتاء) وأنه بداية من هذه اللحظة الطالب الذى سيتأخر سيدفع خمسين قرشاً ويأخذ خمس ورقات... الطلبة بدأت تدفع. وأنا مندهش من هذا القرار الارتجالي.... كأن هذا الناظر يتفنن فى تعذيبي. أخرجنى من تأملاتى السوداوية أن الدور قد حان ولابد من الدفع. صرخت فى الناظر وهو واقف أمامى مباشرة وحوله كوكبة من المدرسين الأوائل والوكيل والفراش الأسود. صرخت «دا كلام فاضى ولعب عيال. أقسم لك يا سيدى إننى فى حاجة إلى هذه المعونة. والدى متوفي. أخواتى ثلاث وأنا وأمي. أحضر إلى المدرسة يومياً من الكفر سيراً على الأقدام ثم إنك بذلك تطلب منى المستحيل».
هوى بكفه اليسرى على صدغى الأيمن. رأيت شرراً يتطاير من عيني. أقسم برحمة والده-وحتى الآن ولا أدرى السر وراء هذا القسم ولكنه قسم مخيف ولابد أن ينفذه- أن لابد من أن أُعبط فى حوش المدرسة. هرع الوكيل لإحضار الخرزانة. مدرس أول العربى أمسك بياقة قميصى من الخلف. أحسست أننى مجرم أواجه عصابة. بقفزة واحدة كنت فوق السور, وبقفزة أخرى كنت فى الطريق تماماً. وأنا أصرخ فى الشارع وكل جزء فى جسدى يصرخ: «أتحمل كل شىء إلا معونة الشتاء يا مولاى».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.