«السينما هى الاحتيال الأجمل فى العالم» هكذا وصفها المخرج الفرنسى جان لوك جودار٬ فثمة علاقة واضحة تجمع بين هوليوود وواشنطن فيما يحدث فى الأولى من صناعة أفلام ترتبط إلى حد كبير بالسياسة الأمريكية مما جعلها خادمة للقرار السياسي, وأيضا من يسعى للجلوس على مقعد الرئاسة يستمد جزءا كبيرا من شعبيته من تأييد نجوم هوليوود له خاصة كانوا من نجوم الصف الأول، لذا فإن منصب الرئيس لا يتجاهل أبدا «قوة هوليوود الناعمة» التى لا تأتى بأصواتها منفردة بل تؤثر فى توجهات محبيهم بشكل ما، وفى بعض الأحيان تعد سلاحا قويا لجمع الأموال اللازمة لتمويل الحملات الانتخابية, فيكفى القول إن هوليوود تحتل المرتبة الثالثة عشرة بين الأوساط المانحة لتبرعات انتخابات الرئاسة الأمريكية لهذا العام بمبلغ 27 مليون دولار. ولا يخفى على الجميع أن المرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون هى الأوفر حظا فى جذب أصوات نجوم هوليوود وخاصة من النساء باعتبارها ستكون، إذا فازت، أول امرأة ترأس الولاياتالمتحدةالأمريكية, فالمذيعة الأشهر أوبرا وينفرى كانت على رأس الداعمين لهيلاري, ومن المعروف أن أوبرا كان لها دور كبير فى حملة الرئيس أوباما الانتخابية عام 2008, أوبرا استطاعت جمع ثلاثة ملايين دولار لحملته فى إحدى الولايات, هذا بجانب استضافتها لأوباما فى برنامجها الشهير الذى نجحت من خلاله فى استقطاب أصوات النساء والأمريكيين السود. قائمة الداعمين لهيلارى ضمت أيضا صاحبة الأوسكار الممثلة الشهيرة ميريل ستريب, النجمة جينيفر لوبيز, المطربة العالمة ليدى جاجا, شاكيرا, مادونا, كيم كاردشيان, أما الرجال فكان على رأسهم نجم الأوسكار والناشط البيئى ليوناردو ديكابريو, جورج كلوني, مورجان فريمان وغيرهم. ومن المعروف أن دعم نجوم هوليوود للحزب الديمقراطى ليس بالتقليد الجديد على عاصمة السينما الأمريكية التى درجت طوال تاريخها على ميلها نحو الديمقراطيين فى حين أن غالبية أشهر السياسيين المنبثقين من أوساطها ينتمون للحزب الجمهوري. فإلى جانب النجم الهوليوودى وحاكم ولاية كاليفورنيا السابق أرنولد شوارزنجر، كان هناك الممثل رونالد ريجان الذى تولى منصب حاكم ولاية كاليفورنيا، ثم رشحه الحزب الجمهورى لرئاسة الولاياتالمتحدة وفاز بها فى عام 1980, وحينما وصل الممثل الهوليوودى شبه المغمور إلى المكتب البيضاوى نقل معه إغواءات صناعة السينما، ومنها برنامجه ل «حرب النجوم» (الذى يحاكى سلسلة أفلام من الخيال العلمى بهذا العنوان) وحينما أراد أن يوجه رسالة قوية للسوفييت هددهم بأن يرسل إليهم «رامبو» (سلسلة أفلام بهذا العنوان بطلها النجم سيلفستر ستالون). قبله بعقدين وصل إلى رئاسة الولاياتالمتحدة «نجم» سياسى بمواصفات هوليوودية, انتخب الأمريكيون فى ستينيات القرن الماضى جون كينيدى الذى لم يكن يعى تماما ماهى الكاريزما حتى أرسله والده لحضور عشاء مع النجم الشهير جارى كوبر ليعرف كيف يتصرف وكيف يبدو مثل النجوم, وعندها ولدت أسطورة جون كيندي. وبالرجوع إلى علاقة هوليوود والديمقراطيين سنجد أنها لم تكن دائما مفروشة بالورود, فالمرشح الديمقراطى الذى يخالف توجهات نجوم هوليوود الليبرالية لابد أن يدفع الثمن غاليا، ومن بين أبرز الخاسرين لدعم هوليوود المرشح الديمقراطى آل جور فى انتخابات عام 2000 ونائبه جو ليبرمان وهى الإنتخابات التى فاز فيها الجمهورى جورج بوش, فالسيناتور ليبرمان وجه إنتقادات شديدة لصناعة السينما واتهمها بإفساد الثقافة الأمريكية والتأثير سلبيا على سلوك الأطفال, الأمر الذى إنعكس على الحزب الديمقراطى سلبيا فى تلك الانتخابات. ويبدو أن هذا الخطأ قد وقع فيه المرشح الجمهورى للانتخابات الحالية دونالد ترامب الذى لا ينفك الدخول فى صراع دائم مع نجوم هوليوود ويتعمد استفزازهم بتصريحاته المثيرة للجدل وعنصريته ضد المهاجرين سواء من المكسيك أو الأرجنتين وباقى الدول المحيطة بها، وتعهده بالتصدى لهذه الهجرة ومنعها، وهو الأمر الذى دفع أكثر من مائة من أشهر وألمع الفنانين إلى التوقيع على وثيقة «الاتحاد ضد الكراهية» لمنع ترشح ترامب لهذه الانتخابات. الأمر نفسه إعترض عليه المغنى العالمى ريكى مارتن وقال إن تصريحاته ضد المهاجرين من أصل لاتينى تجعل الدم يغلى فى عروقه، أما جورج كلونى فقد وصفه ب «الفاشى والمعادى للأجانب»، فى حين أخرج المخرج اليسارى مايكل مور فيلما مناهضا لترامب بعنوان «مايكل مور فى بلاد ترامب» ينتقد فيه سياسات المرشح الجمهورى بطريقة ساخرة, أما جونى ديب الممثل الأمريكى الشهيرفقد صرح بأنه إذا تم انتخاب ترامب رئيسا لأمريكا فستكون إنتخابات تاريخية ترى آخر رئيس للولايات المتحدة!