اليوم.. الأوقاف تفتتح 5 مساجد في المحافظات    سعر الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصري اليوم    ارتفاع أسعار الذهب الجمعة 21 يونيو 2024    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الجمعة 21 يونيو    اليوم.. مصر للطيران تنظم 8 رحلات جوية للسعودية لإعادة الحجاح    لحظة تحطم طائرة مسيّرة في مصفاة نفط بمنطقة كراسنودار الروسية (فيديو)    جدل في جيش الاحتلال بعد تصريحات متتابعة عن "القضاء على حماس"    مارتنيز يشتبك مع أفراد الشرطة المتواجدة في افتتاح كوبا أمريكا 2024 (فيديو)    موعد مباراة فرنسا وهولندا في الجولة الثانية من يورو 2024.. والقنوات الناقلة    حالة الطقس المتوقعة غدًا السبت 22 يونيو |إنفوجراف    تامر حبيب يوجه رسالة لمخرج وأبطال «ولاد رزق 3» بعد مشاهدته بدور العرض السينمائي    ترامب: لن أرسل قوات أمريكية إلى أوكرانيا    بكام الفراخ البيضاء؟ أسعار الدواجن والبيض في الشرقية اليوم الجمعة 21 يونيو 2024    حلمي طولان: ممدوح عباس مساند حقيقي لمجلس لبيب.. وصفقة عبد الله السعيد الأفضل في يناير    موقف الأهلي من المشاركة في بطولة كأس الأفروآسيوية    استشهاد 14 فلسطينياً جراء ضربات جوية إسرائيلية على قطاع غزة    في تغير مفاجئ، ترامب يغازل طلاب الجامعات الأجانب بمكافأة العمر    تعامد الشمس في معبد الكرنك: رمزية وتأثيرات على الحضارة المصرية القديمة    تسريبات صوتية.. أزمة جديدة بين حسام حبيب وشيرين    طريقة عمل كيكة المهلبية، تحلية سريعة التحضير    صراع الصدارة والقاع.. موعد مباراة الأهلي والداخلية في الدوري الممتاز    بوتين: ليس لنا أهداف قرب خاركوف ومهاجمة قواتنا القريبة منها ستكلف كييف ثمنا باهظا    «قندوسي» ينتظر تحديد مصيره مع الأهلي.. و«كولر» لا يُمانع على احترافه    تباين أداء مؤشرات الأسهم اليابانية في الجلسة الصباحية    الأوقاف تفتتح 5 مساجد.. اليوم الجمعة    هدايا عيد الأب 2024.. تعرف على أجمل الأفكار    طقس اليوم شديد الحرارة على أغلب الأنحاء.. والعظمى بالقاهرة 38    منظمة الصحة العالمية تحذر من أدوية مغشوشة لمرض السكري    الزعتر البري.. فوائده في مكافحة السرطان واستخدامه في التحنيط عند الفراعنة    تطوير عقار جديد يدمر خلايا السرطان ذاتيا.. تفاصيل    زيلينسكي يعلن العمل على تحويل أوكرانيا إلى الطاقة الشمسية    «أنا سبب المشكلة».. شوبير يكشف مفاجأة بشأن الصلح بين الخطيب وتركي آل الشيخ    ووكر: يجب أن نرفع القبعة للهدف الذي استقبله شباك منتخبنا إنجلترا    أميرة بهي الدين: تنبأت بعدم بقاء الإخوان بالسلطة الإ عام واحد فقط    القس دوماديوس.. قصة كاهن أغضب الكنيسة ومنعه البابا من الظهور بالإعلام    مشاجرة إمام عاشور داخل مول الشيخ زايد تشعل السوشيال ميديا.. التفاصيل الكاملة    بداية الكوبا وقمة أوروبية.. جدول مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة    إصابة 4 أشخاص من أسرة واحدة بتسمم غذائي في بنها    بلا مشقة بالغة.. هبة عوف: الاستطاعة الصحية شرط أساسي للحج    مطرانية مغاغة والعدوة للأقباط الأرثوذكس تنعى عروس المنيا وتوجه رسالة إلى خطيبها    تجار البشر.. ضحايا فريضة الحج أنموذجًا    ننشر نص خطبة اليوم الجمعة    أنت وجنينك في خطر، تحذير شديد اللهجة للحوامل بسبب الموجة الحارة    أسامة قابيل يكشف حقيقة وجود أعمال سحرية على عرفات    مصطفى بكري يكشف موعد إعلان التشكيل الوزاري الجديد    البطريرك يلتقي عميد كلية اللاهوت بالجامعة الكاثوليكية في ليون    الحبس وغرامة مليون جنيه عقوبة الغش والتدليس للحصول على بطاقة ائتمان    القس دوماديوس يرد على الكنيسة القبطية: "ذهابى للدير وسام على صدرى"    وحيد أبوه وأمه.. غرق شاب بقارب صيد أثناء عمله في أسيوط    مصرع شخص إثر حادث مرورى بدمياط    تامر أمين عن وفاة الطفل «يحيى» بعد نشر صورته في الحج: «ربنا يكفينا شر العين» (فيديو)    سعر الحديد والاسمنت بسوق مواد البناء في عطلة الأسبوع الجمعة 21 يونيو 2024    الاحتلال يعلن اعتراض هدف جوى أطلق من لبنان    «مش بتاع ستات بس».. أحمد سعد يثير الجدل بسبب تصريحاته حول ارتداء الحلق (فيديو)    شاهد.. فرقة "أعز الناس" تشعل ستوديو منى الشاذلى بأغنية للعندليب    إزالة 11 حالة تعدي على الأراضي الزراعية ومخالفات البناء بالغربية    لعدم الاحتفاظ بالشهادة الصحية.. تحرير 17 محضرًا تموينيًا ب شمال سيناء    عاجل - "الإفتاء" تحسم الجدل.. هل يجوز أداء العمرة بعد الحج مباشرة؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هؤلاء الأشرار الظرفاء...
نشر في الأهرام اليومي يوم 20 - 08 - 2016

إذا كان الشر ينتصر دائما وأبدا فى الحياة وبين الدول.. ولكنه يخسر وينهزم فى النهاية .. ولكن فقط على شاشة السينما!
وإذا نظرنا إلى قبيلة الشر فى مشوارهم فى السينما المصرية.. نجد أصنافا وألوانا ونماذج عجيبة وغريبة.. بعضها محبوب.. وآخر ظرف.. والبعض الآخر مكروه إلى آخر الدنيا.
تعالوا نقلب معا صفحات أشرار السينما المصرية:
ماذا قدموا؟
وماذا فعلوا؟
وماذا كانت نهايتهم.. الفنية طبعا.. على الشاشة الفضية؟
وقد طلبت من النافذ الكبير كمال رمزى أن يحدثنا من خلال كتابه الرائع دراسات فى السينما المصرية .. عن ملف أشرار مصر .. هو يقول:
فى الصفحة الأولى من ملف الأشرار، تطالعنا صور كل من عباس فارس ، صاحب وجه غليظ التقاطيع ، ينذر بالخطر خصوصا اذا تجهم، وصوت غريب يأتى من أعماق غامضة، غائرة، أقرب إلى الأزيز، فى فيلم »نشيد الأمل« لأحمد بدرخان 1937، يتزوج بأم كلثوم التى تكتشف أنه موغل فى الإجرام، بعد خروجه من السجن، يجد أنها غدت فنانة ذائعة الصيت، فيبدأ فى ابتزازها بكل قسوة، بل وينتزع منها ابنتها بحكم محكمة ، وفى نظراته تتجسد شراهة لا يحدها حدود، وتوحى بأنه من الممكن أن يرتكب جريمة قتل فورا. وهو ما يقدم عليه فعلا ، ففى مشاجرة تندلع بينه وآخر ،تنطلق شراسته، فيطعن خصمه الذى يفارق الحياة، وبلا تردد يحاول قتل والدة ابنته بإطلاق الرصاص عليها ، لكنه يلقى حتفه على يد الشرطة.
قدم عباس فارس الأدوار الإجرامية فيما يقرب من عشرة أفلام ، ربما كان أفضلها فى »الوحش« لصلاح أبو سيف 1954، حيث يظهر كباشا اقطاعي، نهم إلى المال والسلطة، يتعاون مع الوحش ، محمود المليجى لإرهاب الفلاحين ، لكن فى لحظة الاختبار، عندما تضيق الشرطة الخناق على الوحش ، تتبدى خسة الباشا الذى يقرر التخلى عن مخلبه وشريكه، ويدرك »الوحش« المدجج بالسلاح ، ما ينويه الباشا، يتبادل كل منهما نظرات مفعمة بمعان أكثر بلاغة من أى حوار، محمود المليجي، بارد الأعصاب، يهم بإطلاق الرصاص، بينما عباس فارس المجرد من السلاح، يبدو كذئب جريح ، وقع فى مأزق ، إن وجهه يتقلص من الخوف، ولكن عينيه تشيان بالغضب والرجاء أنه من أجمل أدواره.
تمتعت شخصية الباشا الشرير فى »الوحش« ببعد اجتماعى يفسر إجرامه تفسيرا اقتصاديا وسياسيا، فلأنه يعبر عن نظام ظالم ، ولأنه إقطاعى يقهر الفلاحين ، فإن من المنطقى أن يكون على هذا النحو من الإجرام، وأن يضع يده فى يد الوحش، وهذه الشخصية التى جسدها عباس فارس، بمهارة، تختلف عن الشخصيات الأخرى التى مثلها، والتى يأتى الشر فيها من مناطق مجهولة ، بلا تفسير واضح ، كما هى الحال بالنسبة لأحد رواد الشر على الشاشة، عبد العزيز خليل.
ثانيهما هو عبد العزيز خليل، الأكثر رسوخا ورصانة، يمكنك أن تتذكره بشاربه الكث، بطرفيه المبرومين وجلبابه البلدى الأنيق، وصوته المتعدد الألوان، الذى يشبه فحيح الثعبان تارة، ويعلو لينذر بالخطر تارة أخري، يمكنك أن تستحضر صورته بوضوح اذا تذكرت فيلم »العزيمة« لكمال سليم 1939، وأكاد أقول إنه أفضل من قام بدور الجزار على شاشة السينما العربية ، فهو عندما يتحسس الذبيحة بكفه ويربت عليها مرتين، وحينما يسن السكين بالمبرد ، يوحى بأنه جزار ابن جزار ، فى الفيلم يظهر كعجوز يعشق فتاة الحارة الجميلة ، فاطمة رشدي، بل ويشتهيها، يعبر عن رغبته بعينين مترعتين بأشواق جامحة ، وهو فى سبيل الحصول عليها، لا يتورع عن فعل أى شيء ان ميزة عبد العزيز خليل، انه أعطى للشرير طابعا محليا ، بالغ الصدق.
أما زكى رستم ، المتمرس ، فإنه يتسم بقوة الشخصية ، جسد الشر فى مختلف الطبقات والمهن، الفلاح، قاسى القلب، فى فيلم »زينب« الصامت لمحمد كريم 1930، الباشا الارستقراطي، الذى يعصر قلب زوجته بقفاز من حرير فى نهر الحب لعز الدين ذو الفقار 1960، النشال، بلطجى الشوارع فى فيلم »عائشة« لجمال مدكور 1953 ورئيس عصابة اجرامية فى فيلم »النمر« لحسين فوزى 1952، والتاجر المتلاعب بأقوات الشعب فى فيلم »السوق السوداء« لكامل التلمسانى 1946، وريس العمال الذى يحرق المصنع ويستولى عليه ويلجأ إلى القتل فى فيلم »بائعة الخبز« لحسن الإمام 1953.
وقد تبدلت أقنعة الشر عند زكى رستم، ولكنه حافظ على شخصيته الخاصة، لم يذب فى الشخصيات التى أداها، ولم يطمس معالمها أيضا، ولكنه حقق توازنا فريدا بين خصوصيته وخصوصيتها، معتمدا على صدقه الداخلى ، فضلا عن اقتصاد فى التعبير عن الانفعالات، فنظرة واحدة من عينيه كفيلة بتجسيد أكثر من انفعال، فعندما يواجه فاتن حمامة فى »نهر الحب« بمعرفته لخيانتها، لا يرتفع صوته ، ولكنه ، وهو يضغط على حروف كلامه، ينظر إليها بعينين تفيضان بالغضب والزراية والأسي.
هذه الوجوه الثلاثة، أرست قواعد الشر. أو التعبير عن الشر إن شئنا الدقة. على الشاشة ، وفتحت الطرق لمن سيأتى بعدها.
المليجى وفريد شوقى ومحمود إسماعيل
تحمل الموجة الثانية ثلاثة وجوه جديدة : محمود المليجي، فريد شوقى ومحمود إسماعيل.
محمود المليجى أعطى لأدوار الشر شحنة جديدة ، فإذا كان الشر، فى الموجة الأولي، تمثل فى الأفعال، وايقاع الأذى بالآخرين خصوصا الأبرياء، فإن محمود المليجي، وان سبح فى التيار ذاته، إلا
انه فى بعض الأفلام، جسد إجرام من يهيمن على روح وعقل و وجدان الآخرين، فى فيلم »لك يوم يا ظالم« لصلاح أبو سيف 1950، قبل وبعد أن يقتل صديقه، يستدرج زوجته شيئا فشيئا حتى يستولى عليها تماما ، تصبح مسلوبة الإرادة، لا تقوى على مواجهته، وفى فيلم »المنزل رقم 13« لكمال الشيخ 1952، يقوم بدور طبيب نفسانى ، يتمكن من السيطرة الكاملة على أحد أصدقائه، عن طريق التنويم المغناطيسي، ويوحى له بأنه قام بجريمة قتل ، ويكاد الطبيب يسيطر على خطيبة صديقه أيضا، وبصرف النظر عن مسار الأحداث، فإن المهم أن محمود المليجي، أبرز جانبا جديدا من الشر، يتمثل فى السطو على وعى وإرادة ضحاياه.
المليجى ، من مدرسة السهل الممتنع، فهو يؤدى أدواره ببساطة، بلا عناء، معتمدا، فى أدوار الإجرام، على عينيه الجاحظتين، اللتين تلتمعان ببريق الخطر، عندما ينفث سمومه، أو يتقدم بخطوات لا تعرف التردد، ليرتكب جرائمه.
وكما قام محمود المليجى بأدوار رؤساء العصابات ، الخارجين عن القانون، بشتى بيئاتهم. الصعيد ، المدن، السواحل، الصحاري.
قام فريد شوقى أيضا ، بالأدوار ذاتها، ولكن فريد شوقي، الأرحب فكرا والأعمق ذكاء ولا أقول الأكبر موهبة، اختار أدوار ذات بعد إنسانى ، فالمجرم، كما يمثله فى العديد من أفلامه، ليس مجرد شرير مصمت، ولكن بداية ضحية، حاصرته الظروف، وجنت عليه المقادير وتعرض لضغوط مجتمع ظالم ، فتحول مع الأيام إلى مجرم، يدافع عن بقائه بأنيابه ومخالبه، فأفلام مثل »جعلونى مجرما« لعاطف سالم 1954، و »سلطان« لنيازى مصطفى 1958، على سبيل المثال، تفسر شخصية المجرم تفسيرا اجتماعيا واقتصاديا صحيحا.
تنوع الشخصيات التى جسدها فريد شوقى وتطوراتها من الخير إلى الشر، أو من الاستسلام إلى التمرد، ان شئت الدقة، منحته فرصة الاجتهاد الخلاق فى التعبير عما يعتمل فى داخله من انفعالات حادة متضاربة ، جعلته يحظى بالاستمرار وطول البقاء.
على العكس من فريد شوقى ، حاصر محمود اسماعيل . ممثل ومؤلف ومخرج .نفسه فى نمط رئيس عصابة، غالبا لتهريب المخدرات، وفى عام 1956، حقق نجاحا كبيرا ، عندما قام بدور رئيس العصابة العنيف، المقاتل بقلب كجلمود صخر ، وذلك فى فيلمى »سمارة« و »زنوبة« اللذين أخرجهما حسن الصيفى ، عن سيناريو محمود اسماعيل ، فى الفيلمين، كما فى أفلام لاحقة ، مثل توحة و »بياعة الورد« و »عفريت سمارة« يؤدى محمود اسماعيل الدور ذاته بالأسلوب ذاته: مجرم ، يسرى الشر فى عروقه ، لا يرمش له جفن مهما تدهورت الأمور ، يتحدث بطريقة أولاد البلد، فى المناطق الشعبية، متأنق، يشذب شاربه فى شكل خط مستقيم فوق الشفة العليا، ويرتدى جاكتة كاروهات يتدلى من جيبها العلوى منديل أبيض من الحرير ، ويستخدم مبسما من العاج الأسود فى تدخين سجائره.
لكن، لأن محمود اسماعيل لم يطور الشخصية التى ظهر بها من فيلم لآخر، لم يحظ بالاستمرار وطول البقاء الذى حظى به زميلا جيله محمود المليجى وفريد شوقي.
أشرار.. لكن ظرفاء!
لكن بعض الأشرار على الشاشة استطاعوا التسلل الى شغاف القلوب ، احبهم الجمهور بل وهام بهم واستطاع المشاهدون أن يفصلوا بين سلوكهم وتصرفاتهم فى الافلام وطابعهم الخاص المميز فى الأداء التمثيلى بعبارة اخرى كان للابداع الفردى عند كل منهم اكبر الأثر فى انطلاق شعبيتهم واستمرارها حتى الآن على الرغم من رحيلهم عن دنيانا.
من هؤلاء الظرفاء الأشرار : استيفان روستي، محمد كمال المصرى الشهير بشرفنطح ،رياض القصبجى، توفيق الدقن ، عبد الفتاح القصري.
محمد كمال المصرى الذى اختار لنفسه ذلك الاسم العجيب (شرفنطح) ظهر فى عشرات الافلام خلال الأربعينيات والخمسينيات بملامح شخصية متقاربة فهو العجوز الداهية الأنانى اللئيم المتآمر واسع الحيلة الذى يتمسكن ويتماوت فى الوقت الملائم ويستأسد ويتوحش فى الموعد المناسب قد يوحى جسمه الضئيل بالضعف، ويستطيع تعبئة صوته بالوهن، ولكن عينيه خصوصا عندما يتمكن تشعان عزيمة.
انتقل شرفنطح مع نجيب الريحانى من المسرح الى السينما ليقدم معه فيلمين جميلين »سلامة فى خير« 1937 و«سى عمر» 1941 وهما من اخراج احد رواد السينما العربية نيازى مصطفي
فى فيلم «سلامة فى خير» يعمل كمدرس فى مدرسة ابتدائية فى المشاهد الأولى تندلع معركة كلامية بينه وبين نجيب الريحانى فشرفنطح يسكن فى الشقة التى تعلو شقة الريحاني، وفيما يبدو انه يصنع الكفتة ذلك انه يدق الهون على نحو يزعج الريحانى الذى يقف اسفل السلم زاعقا شاتما بينما يقف محمد كمال المصرى اعلى السلم مؤنبا متكبرا ويهم الريحاني، بالصعود له للاشتباك معه، لكن شرفنطح يهدده بيد الهون فيتراجع الريحانى فورا وهنا تتجلى فى عينى شرفنطح نظرة انتصار شرسة سرعان ما تتبدد وتحل محلها نظرة خوف عندما يستجمع الريحانى شجاعته ويبدو كما لو انه قرر الصعود له.
وفى المشاهد الاخيرة يزور الريحانى بعدما اصبح بديلا لأحد الأمراء المدرسة التى يعمل بها محمد كمال المصرى وفورا يتشكك شرفنطح فى حقيقة الأمير ومن فوق النظارة المنخفضة عند أرنبة الأنف يرشق شرفنطح غريمه بنظرات تحاول بقوة أن تسبر غور الأمير المزيف وعندما يكتشف الحقيقة يبتسم ابتسامة ظفر منتشية، وينطلق بلا تردد معلنا السر.
احدى الصفات الدقيقة التى وصف بها شرفنطح هى »فلن نجيب الريحاني« أو شرير نجيب الريحانى فطاقته الابداعية تصل إلى ارفع مستوياتها مع الريحانى فى سى عمر يختلس شرفنطح عائدات عزبة الغائب عمر، وعندما يتظاهر الريحانى بأنه عمر يتشكك شرفنطح كالعادة فى حقيقته، فلا يكف عن ملاحقته وادخاله فى اختبار تلو الآخر ولأن شرفنطح اصلا ضابط شرطة ، فإنه اخيرا يعرف حقيقته ويتحول الى جلاد بلا قلب وها هو فى مشهد من اجمل المشاهد الكوميدية فى السينما العربية يملى عليه شروطه الظالمة ويرضخ الريحانى الذى ما ان يفكر فى الرفض والتمرد حتى يزيد شرفنطح من تنمره ويهدده قائلا تلك الجملة التى اصبحت شهيرة سأفضحك الا اذا وهنا يتراجع الريحانى ويستمسك بحبال الأمل مذعنا قائلا: »جميلة الا اذا أنا موافق على الا اذا ، يا أستاذ«
ولكن محمد كمال المصرى بأدائه البسيط الساحر وبملامح وجهه اللينة، المعبرة وبصوته الخشن، واضح النبرات وبالتناغم القائم بينه والريحانى منح السينما العربية فى احدى فتراتها وفى بعض افلامها مذاقا خاصا وبرحيله غاب احد ألوان الشر الجميل ان صح التعبير!
المتحدث هنا مازال هو الناقد كمال رمزي:
اما رياض القصبجى رجل العصابات الشهير ضخم الجثة منتفخ الوجه فإنه تألق مع اسماعيل ياسين واصبح ملازما له وخصما لدودا يزعجه ويطارده من عمل لآخر العلاقة بينهما فى افلامهما تنقسم الى قسمين احدهما الافلام المدنية والآخر الافلام العسكرية.
فى الافلام المدنية تصل شرور رياض القصبجى الى ذروتها حين يتآمر بلا ضمير ضد غريمه الطيب الى الحد الذى يضعه فى مستشفى للأمراض العقلية، فى »اسماعيل ياسين فى مستشفى المجانين« لعباس كامل 1958.
ولكن الملامح الداخلية لرياض القصبجى تتغير فى الافلام العسكرية مثل اسماعيل ياسين فى الجيش 1955 وفى »الأسطول« 1956 وفى »البوليس« 1956 واسماعيل ياسين »بوليس سري« 1951، وجميعها من اخراج فطين عبد الوهاب.
فى هذه الافلام يظهر رياض القصبجى كشاويش يتسم بانضباط عسكرى صارم لابد ان يصطدم بالمجند الجديد بطئ الاستيعاب ضعيف البنية اسماعيل ياسين وقد يغالى رياض القصبجى فى صرامته التى تبلغ حد القسوة والى درجة وضع المجند المتسيب فى السجن والطريف تلك الاشارات الى لقاءاتهما فى افلام سابقة فمثلا فى اسماعيل ياسين فى الأسطول وبينما يتفقد الشاويش عطية رياض القصبجى طابور المجندين الجدد يتوقف عند اسماعيل ياسين ليتأمله بضيق وتوجس سائلا أين رآه من قبل ويجيب سمعة: فى الجيش.!
رياض القصبجي، كان نمطا مميزا، وشغل حيزا لايستهان به فى الكثير من الافلام المصرية، وكما كان محمد كمال المصرى هو شرير نجيب الريحاني، وكان رياض القصبجى بلا منازع، شرير اسماعيل ياسين.
استيفان روستى أظرف الاشرار!
يحدثنا هنا كمال رمزى عن: الحبات الثلاث التى تزين عقد الأشرار الظرفاء هى استيفان روستى وعبد الفتاح القصرى وتوفيق الدقن.
استيفان روستى الشرير حتى أطراف اصابعه وشعر رأسه، صاحب اسلوب شديد التميز ، يتذوق طعم الكلمات وهى خارجة من فمه، ولا عجب فى هذا ذلك انه فى معظم الأحيان يشارك فى كتابة حواره، أو يضع فيه لمساته الخاصة، لذلك فإن الكثير من تعبيراته لاتزال متداولة حتى الآن! مثل جملة: نشنت يا فالح ، التى قالها فى فيلم »زنوبة« لحسن الصيفى 1956، عندما اصابته رصاصة قاتلة، عن طريق الخطأ من زعيم عصابته محمود اسماعيل.!
المهن الشريرة التى قام بها استيفان متعددة منها تاجر المخدرات، مهرب الذهب، الذراع اليمنى لرئيس عصابة سرقة خزائن، القواد، مزيف النقود، وصاحب الملاهى الليلية المنحرف.
وهو لايرتدى الجلباب البلدى كما يفعل بقية الأشرار أحيانا فهو شرير عصري، متأنق ، لايرتفع صوته ابدا، ناعم يستدرج ضحاياه برقة، يجيد التظاهر بالدماثة لطيف، عندما يريد ويخفى اهدافه الشريرة تحت قناع من الصدق والبراءة.
قلما يدخل استيفان روستى فى معارك بدنية، فالشر عنده يتحقق عن طريق العقل والذكاء الخارق، بخطة محكمة، تعتمد غالبا المؤامرة.
أما عبد الفتاح القصري، فإن صورته فى الأذهان ترتبط بصورة ابن البلد المعلم الطيب الذى لايخلو من سذاجة إلا أن قدراته على تجسيد أدوار الشر وصلت الى آفاق بعيدة، فى فيلمين بالتحديد » السوق السوداء« لكامل التلمسانى 1945 ومن قبل ولكن على نحو كوميدى فى فيلم «سى عمر» الذى لايزال عالقا بالأذهان حتى الآن.
فى «سى عمر» يستدرج نجيب الريحانى الى مغارته، ويحاول اقناعه بالعمل معه كنشال، ويرفض نجيب الريحانى او يشرع فى الرفض، ويأتى اثنان من رجال عبد الفتاح القصري، بينهما خلافات حادة، يحاول أن يحلها بالحسني، أى بالكلام ، وما يفشل يبدأ فى ضربهما بلا رحمة ، ضربا عنيفا جنونيا ، فتسيل الدماء من أنفيهما مما يخيف الريحانى الذى يزداد رعبه عندما ينتبه الى العصا والشوم والسلاسل المعلقة على الحائط ويصل الرعب الى قمته عندما يخطره عبد الفتاح القصرى ببساطة لا تخلو من تحذير ، ان الشاكوش الخشبى الكبير المعلق على الحائط ، من أثمن الموروثات التى ورثها عن جده وأنها تستخدم للتربية والتأديب عند اللزم حينئذ يسقط فى يد الريحانى الذى لا يستسلم فحسب بل ويبدى حماسا شديدا للانخراط فى اعمال النشل، ان هذا الدور سمح لعبد الفتاح القصرى ان ينضم الى طابور الأشرار الظرفاء.
توفيق الدقن الشرير القصير المكير!
أخيرا، يأتى دور توفيق الدقن: صاحب حنجرة قوية، وصوت شديد التميز كان سببا فى إطلاق وترسيخ شهرته عندما قدم دور سلطان فى المسلسل الاذاعى الشهير »سمارة« ابان الخمسينيات.
توفيق الدقن، ليس مجرد ظاهرة صوتية، على الرغم من انه ملأ مشاهد الكثير من أفلامه بالصخب والضجيج ولكنه أصلا، ممثل كبير عظيم الشأن والشنشان برع فى دور الشرير التابع، المتخاذل تماما أمام سيده كما فى »الفتوة« لصلاح ابو سيف 1957، المفترس فى الوقت ذاته لمن هو أضعف منه ، انه المنكسر الذليل امام زكى رستم فى فيلم »الفتوة« المتكبر المغرور أمام فريد شوقي.
وعلى نحو مماثل فى فيلم «ليل وقضبان» لأشرف فهمى 1973 يتملق مأمور السجن محمود مرسى ، ويتفانى فى اثبات ولائه وفى الوقت ذاته يضطهد سجينا مسكينا يؤدى دوره محمود ياسين ويحاول اذلاله والتنكيل به. وتتجلى قدرات الدقن فى التعبير الصامت ، بملامح الوجه ، فى مشهد انتظاره لرنين التليفون فى حجرة معاون السجن، أمام المأمور لقد وشى توفيق الدقن بالعلاقة بين زوجة المأمور والنزيل محمود ياسين ، ولأن المأمور لايصدق أو لا يريد أن يصدق فإنه يزعم لزوجته بأنه سافر الى القاهرة ، وهاهو مع الواشى ينتظر رنين التليفون حيث ستدعى الزوجة انقطاع الكهرباء عن الفيلا، وأنها تريد حضور السجين كى يعيد التيار، وتتوالى الثوانى لتحدث أثرها على وجه توفيق الدقن الذى تتفصد حبات العرق من جبهته لتسيل على خديه، بل تزداد التجاعيد حول فمه ويتغضن جلده، انه يتصدع ويكاد يتهاوى منهارا!
توفيق الدقن، فى دور الشرير التعس الضعيف ينجح فى إثارة مزيج من الزراية والشفقة ولكن عندما ينكشف ضعفه خصوصا فى المعارك البدنية التى يولى فيها الأدبار، تتكشف طاقته الكوميدية فيبدو الشر كشئ قابل للهزيمة.
..............
..............
هل لدينا الآن من يقف كتفا بكتف مع استيفان روستى ، شرفنطح ،رياض القصبجى ، توفيق الدقن ، عبد الفتاح القصرى فى الشر الظريف.. أو فى الظرف الشرير؟
الجواب لا بالطبع!{
Email:[email protected]
هذه صفحات مجهولة من صفحات الاهرام عبر مشوار صحفى طوله نحو 140 سنة.. للاجيال الصحفية التى تبشر بخير كثير فى رحلة الشقاء والمعاناه وحب مصر
لمزيد من مقالات عزت السعدنى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.