أحيانا نشاهد إنسانا يتحدث مع نفسه فنظن أن به بعضا من الجنون لأن عادة الإنسان لا يتحدث إلا مع شخص آخر. هنا فى فرايبورج مسرحية باسم المتحدث مع النفس لنشاهد البطل وهو يتكلم ويتكلم وربما لا نعرف ماذا يدور بينه وبين نفسه إلا أنه فى حالة غضب هى التى يبدو عليها وجهه. يستمر فى الحديث لنراه أحيانا فى صورة حادة وأحيانا بهدوء ونستشعر الراحة فى وجهه وهو يتكلم مع نفسه. الديكور هنا يختلف بصورة بسيطة عبارة عن ما يشير الى قطار أو مقاعد قطار وأحيانا مجرد طريق لا تتبين معالمه وأحيانا مرآة حائط تظهر جانبا من حجرة قديمة، لكن البطل هنا هو ما يركز المخرج عليه بصورة غريبة حتى بعدما التقى بفتاة تقرأ فى كتاب وتحاول أن تخبره بما يحوى الكتاب، فإنه لا يكاد يتفهم أو ربما انشغاله بنفسه أكثر حتى لو أظهر الاهتمام بما تقوله الفتاة. نستشعر أنه يريد أن يقنع نفسه بشيء ما وبالطبع يضج المتفرج أيضا من ارتفاع الصوت وأيضا من خلال تحولات الوجه ثم يعود مرة أخرى إلى حديث هامس وربما هى أول مرة فى المسرح أن يهمس الممثل بحيث لا يستمع إليه أحد من المتفرجين وحينها نجد الإضاءة قد خفت قليلا قليلا لتعاود الظهور مرة أخرى مع فاصل جديد من الحديث مع النفس. الملابس نجدها عادية تماما لا توحى بأى مظهر معين فقط جاكيت أسود وأيضا الفتاة التى تحاول أن تحكى له ملابسها بسيطة للغاية. لكن الملاحظ أن معظم الممثلين تظهر وجوههم بوضوح أكثر مما لدينا لسبب بسيط ولكنى أجده فى معظم المسرحيات وهو طلاء الوجه بلون وردى يبرز الملامح بالنسبة للمتفرج. وهذا فى كل المسرحيات وليس فقط فى المسرحيات الغنائية أو الاستعراضية ولكنه فى معظم المسرحيات حتى الجاد منها لابد أن يكون ثمة طلاء معين يبرز ملامح الوجه أمام المتلقي. ثمه سعادة نستشعرها فى النهاية على وجه البطل بعدما يصير بمفرده مرة أخرى بعد ابتعاد الشابة وكتابها عنه.. نستشعر سعادة ملأت معالم وجهه وببطء شديد تتغير الملامح وهنا لابد من الإشادة بأن ليس كل ممثل يستطيع التحكم فى وجهه بالصورة الكاملة فقط هم قليلون الذين لديهم هذه الكفاءة، هنا الإضاءة تتغير لمساعدة المتلقى المتفرج على الشعور بأن ثمة تغيرا فى حالة البطل لتقوم مع البطل بدور شبه رئيسى فى مشهد النهاية الذى يقول لنا إن الكلام مع النفس ليس شيئا معيبا ولكنه علاج عند بعض الأشخاص الذين من خلال حديثهم مع أنفسهم يتطورون إلى ما يمكن أن يفعلوه ليفيدهم أو ليفيد من حولهم. نحن منذ فترة طويلة نعتبر من يتحدث مع نفسه أنه شخص غير طبيعي.. يتملكه نوع من المرض النفسى وفى الحاضر بالطبع نستشعر أنه يتحدث فى الموبايل، لكن هنا الحديث مع النفس يقدمه العرض كشيء طبيعى من خلاله يعالج الإنسان نفسه.