بدءا من ربطة العنق وساعة اليد والنظارة الطبية وحتي نظرة العين, ووضع اليدين.. وحركة الرأس لليسار أو لليمين والإبتسامة الواسعة أوتقطيب الجبين... كلها عناصر لا يمكن أن نغفلها في تحديد ملامح الشخصية.. وكلها عناصر حاول المرشحون لرئاسة الجمهورية. استغلالها قدر ماسمحت به قدراتهم( البشرية والدعائية) من أجل الوصول لكرسي الرئيس وتحقيق القبول بين جمهور الناخبين, المرشحون اجتهدوا أن يظهروا في الملصقات الإعلانية أعلي البنايات وعلي الحوائط وواجهة المحال أكثر شبابا وإصرارا وثقة وحيوية وأملا,. لعبوا بصورهم وتعبيرات وجوههم وكلمات شعاراتهم علي كل الأوتار..العاطفية والعقلية لدي شعب ينتخب رئيسه لأول مرة ويبحث عن شيء ما يجعله إما أكثر اقتناعا باختياره, أو أكثر ابتعادا عن انتخابه, والغريب أنه قد يجد هذا الشيء في بوستر علي الطريق. قد نغلق التليفزيون, أو نتجاهل الجريدة ولكننا حتما لن نغلق أعيننا ونحن نستقل السيارة, أو نقف طويلا بالإشارة, أو نعبر الطريق أو ننتظر المواصلات, ومن هنا تظهر أهمية الملصقات والبوسترات كوسيلة إعلانية, التعرض لها من الجمهور مضمون علي مدي الأربع وعشرين ساعة, وهو جمهور يتميز بالتنوع العمري والتعليمي والاجتماعي فالشارع للجميع.. فقراء.. وأغنياء.. رجال ونساء.. متعلمين وأميين, ولا أحد منهم لا يهتم بسباق الرئاسة. وجهة نظرنا تأكدت بسؤال سيدة تمثل شخصية مصرية بسيطة عما إذا كانت تهتم بالنظر إلي صورة المرشح في الشوارع ؟ فقالت: طبعا إحنا عينينا علي صورهم في الرايحة والجاية, ورغم أنني أفك الخط بالعافية إلا أنني أستطيع اكتشاف صفات الإنسان من صورته ووقفته وكمان من عينيه لأنها بتفضح اللي جوا البني آدم, وتبين إذا كان طيب وبسيط ولا متكبر علي الغلابة. هذه الكلمات البسيطة العفوية أكدها لنا الدكتور عادل عبد الغفار الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة, شارحا وظيفة البوستر بما يتضمنه من صورة وشعار, فبالإضافة لكونه تذكرة بوجود مرشح ما والإعلان عنه, فهو كذلك وسيلة لتحقيق الاستمالات العاطفية لدي الجمهور المستهدف( الشعب المصري) مضيفا أن الصورة تلعب دور البطولة في إعلانات الشوارع خاصة مع ارتفاع نسبة الأمية( ثلاثة أميين من كل عشرة مواطنين), وباستعراض صور المرشحين نجد أنها لعبت كثيرا علي الوتر العاطفي, فظهر المرشحون بملابس رسمية( البدلة والكرافت) بما يناسب الصورة التخيلية لشخصية رئيس الجمهورية في الأذهان كشخص يمثل واجهة لبلده, وفي صور أخري ظهرت الشخصيات ذاتها وقد تحررت من ربطة العنق وأحيانا من جاكت البدلة واكتفت بالقميص أو البلوفر وهنا تغيرت حركة المرشح ليبدو في وضع أكثر تحررا من القالب الرسمي بنظرته وربما إبتسامته, والهدف هنا توصيل رسالة أنه شخص بسيط يرتدي ملابس عادية دون تكلف, كأي رجل في الشارع المصري. تحديات وأحلام مابين الأحلام والتحدي والقوة والثورة تنوعت شعارات المرشحين للرئاسة.... مما دفعنا أولا لسؤال الدكتور عادل عبد الغفار حول معايير الشعار الناجح ؟ وكانت إجابته: إن الشعار الناجح لابد أن يكون بسيطا في اللغة ومفردات الكلمات, ليسهل حفظه وتداوله علي ألسنة الناس, ولابد أن يلمس الشعار الانتخابي احتياجا معينا لدي الناخبين ليحقق استجابة وتأثرا من جانبهم تجاه المرشح, وأخيرا مهم أن يلائم الشعار المرحلة الراهنة وأن يرتبط بالهدف الرئيسي للحملة. وباستعراض شعارات المرشحين نجد أن حمدين صباحي اختار شعارا عاطفيا يلعب علي وتر أنه قريب للشعب( واحد مننا) أي مثل أي واحد منه, وهو شعار يراعي نفور الشعب من الرئيس المتعالي الذي يعيش في برج عاجي ولا يشعر بمعاناة الناس. لعب كذلك خالد علي, علي الوتر العاطفي في الميل للحلم بالأفضل للمستقبل وكان شعاره( هنحقق حلمنا) يحوي إشارة للتمسك بالأمل. وفي شعاره الآخر( عيش حرية عدالة اجتماعية) محاكاة لشعار الثورة وهي نفس فكرة شعار أبو العز الحريري( الثورة مستمرة) وبعيدا عن الأحلام جاء شعار( إحنا أد التحدي) ليعبر عن شخصية عمرو موسي وثقته العالية بنفسه وبقدرته علي خوض التحديات التي تمر بها البلاد. بينما أراد أحمد شفيق أن يذكر الناس بتاريخه وربما إنجازاته في وظائفه المختلفة فقال( الأفعال وليس الكلام). ثم خرج في شعار آخرمن دائرة ذاته الشخصية إلي دائرة الوطن والشعب, فقال:( مصر للجميع وبالجميع). وهي إشارة أيضا لرغبته في لم شتات القوي السياسية علي الساحة. واستخدم أبو الفتوح كلمات وصفية في شعاره( مصر القوية) وهو يحتمل عدة معان للقوة في الماضي أو الوقت الحالي أو المستقبل. بينما اختار الدكتور محمد سليم العوا شعارا يعكس جزءا كبيرا من شخصيته كرجل قانون ومحام وأيضا كمفكر إسلامي( بالعدل تحيا مصر). أما مرشح الإخوان الدكتور محمد مرسي فقد اختار أن يكون شعاره مقتبسا من برنامجه( النهضة إرادة شعب). العاطفة الدينية لم تغب عن بوسترات المرشحين كلمات وأقوال تغازل العاطفة الدينية لدي شعب يغلب عليه التدين, ورغم التوجه اليساري لحمدين إلا أنه حرص علي أن يبدأ بوستره الإعلاني بالآية القرآنية وما النصر إلا من عند الله واضعا اسمه أسفلها مباشرة. أما أبو الفتوح فاختار الإستعانة بكلمات للصحابي الجليل أبو بكر الصديق عندما بويع بالخلافة إذ قال:(فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني) ومع بعض التحريف اللفظي جاءت كلمات أبو الفتوح( إذا أحسنت فدعموني وإذا أخطأت فقوموني) وهو نفس المنهج الذي انتهجه الفاروق عمر بن الخطاب. وما من شك في أن مثل هذه الكلمات توجد الثقة والاطمئنان في نفوس من يقرأها بأنه سيكون أمام حاكم يمكن مراجعته لا إله لا يستطيع أحد محاسبته. بينما ظهرت العاطفة الوطنية في خلفية بوسترات مرسي التي بدت كعلم مصر بألوانه الثلاث المعروفة.