فى غضون زيارته لمصر منذ أيام، خلال انعقاد الدورة الحادية عشرة للجنة المصرية - الكويتية المشتركة، قال وزير الخارجية الكويتى، الشيخ صباح خالد الصباح، إن حجم استثمارات الكويت فى القطاعين العام والخاص داخل السوق المصرية بلغ 15 مليار دولار، وأن هناك ألفا وعشرين شركة كويتية تعمل فى مجالات التجارة والاستثمار فى مصر. وأكد أن رحلات الطيران بين البلدين وصلت 70 رحلة أسبوعيا، وأن 700 ألف مصرى مقيمين بالكويت يسهمون فى مختلف القطاعات ويقومون بمساعدة الكويت فى خططها التنموية، كما أكد أنه منذ العام 1968 وصلت الاتفاقيات المشتركة بين البلدين إلى 90 اتفاقية فى جميع مجالات التعاون. وإذا أضفنا إلى ما قاله الوزير الكويتى حقيقة أن تحويلات المصريين السنوية من الكويت تتجاوز 3.5 مليار دولار، وأن حجم التبادل التجارى بلغ مليارين و876 مليون دولار عام 2014، وأن حجم المساعدات الكويتية الى مصر منذ 30 يونيو 2013 بلغ 4 مليارات دولار، يتضح مدى أهمية الكويت كشريك اقتصادى بالنسبة لمصر. منافع مشتركة وتشير هذه الصورة الإجمالية لأشكال وصور التعاون الاقتصادى بين مصر والكويت إلى أن العلاقات بين البلدين لا تقتصرعلى جانب واحد على نحو ما يجرى التركيز عليه دوما، بأنها تتعلق بالمساعدات من القروص والمنح التى تتلقاها مصر من الكويت، وإنما فى صور وأشكال متعددة للتعاون الاقتصادي، التى تشير إلى فرص وإمكانات واعدة فى ظل ظروف عالمية وكويتية ومصرية جديدة تدفع إلى إعادة تشكيل نمط العلاقات ليجرى التركيز أكثر على الجانب الاقتصادى تحقيقا للمنافع المشتركة، فى ظل حاجة الجانبين لبناء علاقات مؤسسة على الفرص الاقتصادية، وليس فقط على منظومة المساعدات والمواقف الأخوية وقت الأزمات. كما أن هناك كتلة بشرية ضخمة مصرية فى الكويت قدرها الشيخ صباح خالد الصباح بنحو 700 ألف، موزعة – وفق تقرير صادر عن وزارة القوى العاملة والهجرة عام 2013- على مهن: المديرين والأطباء والمهندسين والمحاسبين والقانونيين والمدرسين والمهن الإدارية، بالإضافة إلى عدد كبير من المهن الفنية المرتبطة بقطاع التشييد والبناء التى تتجاوز نسبة 21% من إجمالى العمالة المصرية، وهو ما يعنى مستوى هائلا للتشابك الاجتماعى والاقتصادى لنسبة كبيرة من الأسر المصرية مع الكويت، ومقدارا كبيرا من التشابك بين الأعمال والمصالح الكويتية بالمصريين. وتدفع مؤشرات التبادل التجارى الخاصة بالبلدين بعام 2015 إلى التفاؤل، حيث ارتفع حجم الصادرات المصرية للسوق الكويتى خلال التسعة شهور الأولى من عام 2015 بنسبة 23.5 بالمئة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2014. وبالمقابل ارتفع حجم صادرات الكويت إلى مصر فى الفترة نفسها بنسبة زيادة 77 بالمئة. وبشكل عام، سجل حجم التجارة بين البلدين نسبة زيادة قدرها 32.9 بالمئة. ورغم أن السوق الكويتى صغير نسبيًا إلا أنه يعد ثالث أكبر سوق للصادرات المصرية ضمن الأسواق العربية بعد السعودية والإمارات. وتتمثل أهم الصادرات المصرية للكويت في: الكابلات الكهربائية، والحاصلات الزراعية، والصناعات الغذائية، والملابس، والمنسوجات، والرخام، والجرانيت، أما أهم الصادرات الكويتية إلى مصر فتتمثل في: المشتقات البترولية، والسيارات السياحية، وأجزاء ولوازم السيارات، والملابس المستعملة. مع ذلك، ورغم زيادة حجم التبادل التجارى لا تزال العلاقات الاقتصادية بين البلدين دون مستوى إمكاناتهما الثنائية، فلا يمثل حجم التجارة المصرى مع الكويت سوى نسبة 3.5% من إجمالى تجارة مصر مع العالم والتى تتجاوز 80 مليار دولار، ولا يمثل حجم التجارة الكويتى مع مصر سوى 2.5% من إجمالى تجارة الكويت الخارجية التى تتجاوز 100 مليار دولار. وتتركز التجارة البينية فى صادرات المواد البترولية بقيمة تزيد عن 2.6 مليار دولار من الكويت الى مصر. ثالث مستثمر وتعد الكويت ثالث أكبر مستثمر على مستوى العالم فى مصر، بجملة استثمارات تجاوزت 15 مليار دولار، وتشمل نحو3 مليارات دولار تشكل رصيد استثمارات مباشرة وفق قانون الاستثمار المنفذ عبر الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، وهناك استثمارات كويتية فى شركات مصرية عبر أطر قانونية أخرى فى مجالى البترول والسياحة.. وغيرهما، فضلا عن استثمارات غير مباشرة فى بعض شركات مدرجة فى البورصة المصرية، علاوة على استثمارات متعددة فى قطاع العقار. ويلعب الصندوق الكويتى للتنمية دورا هاما فى تنمية المشروعات داخل مصر، ووفقا لوزارة التعاون الدولى المصرية حصلت مصر على نحو 2.1 مليار دولار قروضا من الصندوق، الذى كان قد أسهم خلال 50 عاما منذ إنشائه عام 1964 فى 40 مشروعا فى مختلف المجالات فى مصر، وقدم 36 قرضا بقيمة 570.8 مليون دينار كويتي، ما يعادل 2.1 مليار دولار لدعم قطاعات حيوية هامة، مثل: الكهرباء والطاقة والصناعة والنقل والمياه والصرف الصحي والغاز الطبيعي ومشروعات القطاع الخاص، الصغيرة والمتوسطة، وبلغت المنح المقدمة من الصندوق خلال نفس الفترة 7 منح بقيمة إجمالية 27 مليون دولار. ويتبنى الصندوق استراتيجية للتعاون مع مصر من خلال برنامج على مدى 4 سنوات، يجدد وفقا لأولويات الحكومة المصرية. مشروعات الصندوق وطبقا للموقع الإليكترونى للصندوق الكويتى للتنمية، وعلى مدى تاريخه دعم الصندوق عشرات المشروعات داخل مصر منها ما تعلق بإعادة فتح قناة السويس فى السبعينيات، وحماية ساحل رشيد، ودعم مشاريع الصندوق الإجتماعى للتنمية، ومشروع ورق طباعة الصحف فى قوص، وتطوير مصانع شركة الحديد والصلب، وتطوير الأبنية التعليمية، وتطوير النقل البحري، ومصنع السماد بطلخا، واستصلاح الأراضي، وتطوير بحيرة ناصر، ومحطة الطاقة بأسيوط ومحطة غرب القاهرة، ومشروع محطة تحلية ومعالجة مياه مدينة الشروق، ومحطة توليد الطاقة بأبو قير، ومشروع نقل وتوزيع الغاز الطبيعي، ومحطة أبو قير الحرارية لتوليد الطاقة، ومحطة العين السخنة، ومحطة بنها، ومشروع توليد الطاقة بجنوب حلوان، ومشروع تحديث أنظمة التحكم والإشارة بسكة حديد بنهاالإسماعيلية بورسعيد، ومشروعات تنمية واستغلال حقل غاز أبو قير البحري، وبرنامج عمليات الصندوق الاجتماعي، ومحطة النوبارية لتوليد الطاقة، وأنابيب الغاز الطبيعي، وإعادة تأهيل وتطوير محطة كهرباء غرب القاهرة، وتنمية صناعة الدواجن. وعلى جانب المبادرات النوعية الجديدة جرى إنشاء مجلس التعاون المصرى - الكويتى المشترك فى فبراير 2015، كهيئة مستقلة تتكون من مجموعة من رجال الأعمال والسياسيين والإعلاميين والمثقفين فى البلدين للإسهام فى تعزيز العلاقات الثنائية، وقد عقد المجلس اجتماعه الأول فى مايو 2015، وعقد اجتماعه الثانى فى ديسمبر من العام نفسه، وتضمن جدول أعماله مناقشة فرص التنمية فى سيناء، ومحور قناة السويس، وعددا من الفرص الاستثمارية الكبرى فى مصر، وخلال الاجتماع الثانى للمجلس أعلن رئيسه محمد جاسم الصقر، عن مبادرة للقيام بتكلفة إصلاح وترميم وتطوير جميع مدارس شبه جزيرة سيناء. ومن المرجح أن يلعب هذا المجلس دورا هاما فى المستقبل، خصوصا مع الاهتمام الرسمى به والتأكيد على تسهيل أعماله من جانب المسؤولين المصريين. وقد حرص الرئيس السيسى على الالتقاء بأعضائه بنفسه. كما عرض الجانب المصرى على المشاركين فى الاجتماع الثانى أكثر من 20 مشروعا صالحا للتنفيذ ومن أهمها: ميناء صيد غرب العريش على مساحة 100 فدان توفر 2000 فرصة عمل، ومجمع مصانع رخام، ومجمع لانتاج السيراميك يوفر أكثر من 2000 فرصة عمل، ومصنع لانتاج الزجاج والكريستال يوفر 600 فرصة عمل، ومشروعات زراعية تتضمن استصلاح أكثر من مائة ألف فدان فى عدة مناطق فى شبه جزيرة سيناء، ومصنع لإنتاج علف الدواجن ومزرعة نموذجية لانتاج الدواجن توفر أكثر من 500 فرصة عمل، ومشروعات سياحية فى جنوبسيناء. التشبيك الاقتصادي وتبقى الحاجة ملحة للارتقاء بعلاقات البلدين إلى آفاق أرحب، والانتقال بها إلى مرحلة جديدة يكون جوهرها الاستثمارات والمشروعات المشتركة، وليس المساعدات والمنح، وتشبيك اقتصادات البلدين فى القطاعات غير النفطية، والاستعداد لإعادة تشكيل أسس وهياكل العلاقة الاقتصادية مع تراجع دور النفط فى الاقتصادات الخليجية، وهو ما يعنى ضرورة البحث عن آفاق جديدة لتطوير العلاقات الاقتصادية. وفى مجال العمالة المصرية هناك حاجة إلى التواؤم مع سوق عمل خليجية تتقلص فيها مجالات العمل والمهن التقليدية وتزداد فيها المنافسات، خصوصا مع اتجاه دول الخليج - تحت ضغط النفقات - إلى تقليص العمالة الوافدة، والاكتفاء بالأكثر كفاءة من بينها، وهو ما يدعو مصر لتكثيف الجهد فى برامج لإعادة تدريب وتأهيل العمالة، وتصدير النوعية الأرقى منها للسوق الكويتي، والخليجى عامة. ومع اتجاه دول الخليج خلال السنوات المقبلة إلى إدخال تغييرات كثيرة فى اقتصاداتها، لمواكبة اقتصادات ما بعد الحقبة النفطية، فإن ذلك يفتح الباب نحو أشكال جديدة من المهن والأعمال، فسوف يجرى تقليص العمالة فى القطاعات التى يمكن أن يقوم بها المواطنون، كما سيؤدى الدخول فى شراكات مع حلفاء دوليين جدد كالصين والهند، إلى تغيير فى الهياكل الانتاجية التقليدية التى سادت خلال الفترة الماضية، وعلى الأرجح سوف تتراجع قطاعات التشييد والبناء، وهى جميعها مجالات كانت كثيفة العمل للمصريين، ومن ثم ضرورة البحث عن مجالات جديدة لتركيز نشاط العمالة المصرية وتدريبها. مبادرات خلاقة هناك إمكانية لأفكار مبدعة جديدة، تتواكب مع التغييرات الحادثة فى مصر، وتوجهات القيادة المصرية نحو المشروعات الكبرى. ومن المجالات التى يمكن أن تسهم فيها الشركات الكويتية: السياحة، ومشروعات تنمية المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، والتى يتم فى اطارها انشاء العديد من المناطق الصناعية لانتاج الاسمدة والكيماويات فضلا عن تطوير عدة موانيء بتلك المنطقة، وهناك مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، وتطوير منطقة الساحل الشمالى الغربي، وتحديث منظومة السكك الحديدية، وإنشاء محطات لتوليد الكهرباء من مصادر تقليدية ومتجددة، وإمكانية التعاون فى تصدير جزء من الكهرباء المولدة من تلك المحطات عبر الربط مع السعودية، على نحو ما طرحه رئيس الوزراء المصرى شريف إسماعيل. ويمكن للجانبين المصرى والكويتى الاستثمار فى مشروعات داخل مصر كثيفة الاستخدام للأيدى العاملة المصرية، يجرى فيها تطبيق أنظمة خاصة للعمل، بحيث يجنى العمال فيها مزايا التشغيل والعمل فى دول الخليج، فيكونون أشبه بالمعارين وهم فى الداخل. وخلال فترة مقبلة تحتاج فيها مصر إلى الدعم الخليجي، قد لا تمكن قدرات دول الخليج من تقديم منح أو مساعدات تلبى الحاجة المصرية، يصبح تشجيع السياحة الكويتية والخليجية إلى مصر بديلا مناسبا للجانبين، وهو أمر يمكن أن يعود على مصر بعائدات كثيرة، بالقياس إلى حجم السياحة الخليجية فى العالم، الأمر الذى يتطلب إعادة تأهيل فى قطاع السياحة المصرى ليناسب الطلب الخليجي.