أقام المجلس الأعلى للثقافة الأسبوع الماضى طوال يومى الإثنين والثلاثاء احتفالية دولية بمرور خمسين عاما على رحيل شيخ النقاد محمد مندور، تحت عنوان: «محمد مندور بين الفكر الأدبى والفكر السياسى»، بمشاركة نحو 60 باحثا ومفكرا من مصر والدول العربية، واستمرت على مدار يومين بمقر المجلس الأعلى للثقافة. بدأ حفل الافتتاح بمقر المجلس فى تمام الساعة الحادية عشرة صباحا، بكلمة حلمى النمنم وزير الثقافة معبرا عن سعادته بالاحتفال بأهم النقاد فى الثقافة المصرية و العربية قال فيها إن مندور كان ناقدا أدبيا و سياسيا وصحفيا عظيما أيضاً. وأضاف أن الناقد يجب ألا ينشغل فقط بالأعمال الأدبية ولكن يعمل على نقد كل التخصصات, وهو ما كان واضحا فى شخصية محمد مندور الذى لقب بشيخ النقاد.ثم جاءت كلمة د. أمل الصبان الأمين العام مستحضرة القيم التى مثلها هذا الناقد العظيم, مثل «قيم التنوير والليبرالية والحرية والإبداع, فقد جاء جيل مندور ليرسخ القيم التى أرساها جيل الرواد مثل طه حسين وعباس محمود العقاد وغيرهم من قادة التنوير والحداثة فى مجتمعاتنا العربية التى بدأت مبكرا لكنها تعثرت مع الاحتلال الأجنبي» ثم تلتها كلمة أسرة د. محمد مندور و ألقاها د. طارق مندور نجل شيخ النقاد، فوجه الشكر لوزير الثقافة والكاتب الراحل فؤاد قنديل الذى سعى لإقامة هذه الاحتفالية. كما تحدث عن تاريخ حياة مندور منذ طفولته ومشاركته فى المظاهرات ضد الاحتلال، وكتاباته فى مختلف المجلات, مثل مجلة الثقافة, ومطالبته بالديمقراطية الاجتماعية والعدل الاجتماعي. وأشار إلى أن محمد مندور هو أول من طرح فكرة مجلس الدولة، وإلى أنه جمع فى ترجماته بين الكتابات الفرنسية والإنجليزية التى كانت تعبر عن المنظور الديمقراطى لمندور وفكره، مستعرضا الكثير من مقالات مندور وكتاباته. واختتمت الجلسة الافتتاحية بكلمة اللجنة المنظمة للاحتفالية وألقاها شعبان يوسف قائلا إننا نحتفل بقيمة سياسية وفكرية كبيرة, فمندور كتب فى النقد القديم والحديث وتعددت معاركه الأدبية مع الكثير من مفكرى العصر أمثال عباس العقاد وطه حسين. ثم بدأت الجلسات لليوم الأول بالجلسة الأولى برئاسة د. صلاح فضل وشارك فيها د. فتحى أبو العينين بورقة بحثية بعنوان «محمد مندور: من النقد التحليلى إلى النقد الأيديولوجى والانخراط فى العمل السياسي» موضحا أن مندور كان طموحا إلى صياغة نظرية جديدة فى حقل النقد الأدبى تتمايز عن نظريات السابقين، سواء القدامى أو المعاصرين، وكان «النقد الأيديولوجي» هو الذى يستحوذ على جهده النظري. كما شارك أيضا د. كريم مروة بورقة بحثية بعنوان «فى الحديث عن محمد مندور السياسي» موضحا أن مندور منذ شبابه الباكر كان منخرطا بوعى فطرى أو بتأثير من عائلته، فى العمل السياسي.. إلا أن أهمية مندور هى أنه فى نضاله من أجل إصلاح المجتمع فى مصر، ووضع الأسس التى تجعل استقلال بلده استقلالا متكامل الجوانب. وشارك د. محمد عبد المطلب بورقة بعنوان «محمد مندور والقراءة الثقافية للنص» حدد فيها المسارات النقدية لمندور وهى ثلاثة «القراءة التحليلية» - «النقد الوصفى التحليلي» - «النقد الإيديولوجي». ثم جاءت فعاليات الجلسة الثانية برئاسة د. حلمى شعراوى قدم فيها د. أحمد بهاء الدين شعبان ورقة بحثية بعنوان «الأفكار السياسية والانحيازات الاجتماعية» مؤكدا أن مندور لم يكتف بدوره التنويرى الضخم، ولا بجهوده العلمية الواسعة لترسيخ المفاهيم المتقدمة للنقد الموضوعى فى مجالات الأدب والفن والإبداع، وإنما خاض غمار السياسة أو ما يُطلق عليه «السياسة العملية». وقدم د. جمال شقرة ورقة بحثية بعنوان «محمد مندور والفكر السياسي» موضحاً أن مندور عاصر وانفعل بمعارك سياسية واجتماعية مهمة مثل انفجار 23 يوليو والتحولات التى أعقبتها فى الستينيات. ثم قدم د. يوسف أبو العدوس بحثا بعنوان «محمد مندور ناقدا» مؤكدا أن محمد مندور جمع بين أصالة التراث و عمق الثقافة الأوروبى و كان له دور كبير فى نقل الأفكار النقدية من الأدب الأوروبى و بخاصة الفرنسى إلى الأدب العربي. ثم جاءت فعاليات الجلسة الثالثة برئاسة د. محمد شاهين وقدم فيها كل من شوكت المصرى عن «محمد مندور ناقدا.. قراءة فى كتَّاب الشعر المصرى بعد شوقي»، وعبدالسلام الشاذلى عن «قراءة مندور للتراث فى ضوء النظريات الأدبية المعاصرة»، وقدمت هويدا صالح بحثاً بعنوان «مندور المثقف التنويريً» أكدت فيه أن مندور لا يعتبر علما من أعلام الفكر التنويرى المصرى والعربى فقط بل هو ناقد فذ جمع بين العقلانية والوطنية والرؤية الاجتماعية والإنسانية المتقدمة. وخلال جلسات اليوم الثاني, طالب د. جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق وزارة الثقافة بالتعاون مع أسرة مندور لإخراج الأعمال الكاملة التى لم تنشر من قبل, معربا عن أسفه لعدم وجود أعمال كاملة بالمعنى الحقيقى للمبدعين والمثقفين أمثال مندور وصلاح عبدالصبور وغيرهم الكثيرون الذين يستحقون أن تجمع أعمالهم لكى ينتفع ويتعلم منها الجميع. وقال خلال حضوره المائدة المستديرة ضمن فعاليات اليوم الثانى للاحتفال إن الإصلاح هو أجمل الصفات التى اتسم بها مندور, وهو لا يمتلك من الراديكالية ما يكفى لاحتسابه من اليسار.وأضاف إنه كان متأثرا بفرنسا ولكنه لم يكن ينتمى للشيوعية أو أى توجه سياسى عقائدي. وتحدث د. محمد شاهين خلال المائدة عن علاقة مندور بالماركسية, فقال إنه كان واعيا أيضا بالتاريخية الجديدة وكان يهدف الى المزج بين الجمالية والفكر السياسى دون سيطرة الأفكار الجامدة, وإن مندور عندما ذكر تعدد الأصوات كان على حق حتى لا يحصر نفسه فى نطاق أو حيز ضيق. وقال د. أنور مغيث مدير المركز القومى للترجمة إن مندور كان مهموما بالمشكلات الواقعية للمواطن المصرى وكذلك بالمشكلات الفكرية للوطن, ولهذا تعددت إسهاماته فى مجال السياسة فى سياقها المعارض والنضالي.وأوضح خلال إدارته للجلسة الرابعة إن ترجمات مندور تعبر عن هموم مجتمعة, وإلى جانب ترجماته الإبداعية مثل مدام بوفارى لفلوبير, وكانت له ترجمات فى الأدب, مثل «دفاع عن الأدب» وترجمات فى الفكر السياسى مثل «الأخلاق وحقوق الإنسان». وأكدت الكاتبة هدى توفيق إن مفكرنا أصبح بفضل كفاحه المستمر وإخلاصه لرسالته من أبرز أعلام الفكر والأدب والنقد فى عالمنا العربى كله. وقالت خلال الجلسة الرابعة فى كلمتها حول النقد القصصى عند مندور فى كتابه النقدى «نماذج بشرية», إنه قدم نماذج عديدة فى الأدب, مثل لير وهاملت ودون كيشوت, تلك النماذج التى يقدمها ليستخرج منها المعانى والقيم والأفكار التى هى من ايجاد الأدباء والمفكرين والتى تضع دليلا يشرح تطور العقل والفكر الإنسانى من اليونان القديمة حتى الآداب الحديثة. وكشف الناقد عمر شهريار, فى كلمته حول مفهوم النقد عند مندور, عن الرؤى التقدمية التى كان يعتنقها والتى أسهمت فى استعداده للتعاطى مع كل ما هو جديد فى الأدب والنقد وعدم الحجر على المجددين, إلى الحد الذى دفعه للسخرية من موقف العقاد ضد قصيدة التفعيلة حيث اعتبر مندور قرار العقاد بإحالة قصيدة التفعيلة إلى لجنة النثر «نكتة الموسم». وقال الناقد عبدالرحمن العلام خلال رئاسته للجلسة الخامسة إنه نادرا ما اجتمعت فى ناقد أدبى ما اجتمع فى شيخ النقاد محمد مندور. فقد ساهمت فى تكوينه الشخصى والنقدى اهتمامات معرفية ونظرية ومنهجية إلى جانب تأثيرات ثقافية وعلمية ولغوية, فضلا عن تجاربه فى الحياة. وأضاف فى كلمته حول «الحاجة إلى مندور: نحو وضع اعتبارى للأدب» إننا نحتاج «لاستلهام ريادة هذا الناقد الفذ فى التفكير المتجدد فى مدى حاجتنا للأدب ومبرراته وفى ما يميز الأدب عن غيره من الخطابات الأخري». وأشارت الكاتبة سلوى بكر إلى الطبعة الثانية لكتابه الذى صدر فى عام 1958 ويضم مجموعة من المقالات والدراسات ترجمها عن الفرنسية وهى أعمال تتعلق بالثقافة الاخلاقية, فأوضحت فى كلمتها حول «من الحكيم القديم إلى المواطن الحديث: مندور مترجما - أن ترجمته هذه النصوص تتضح فيها منابع الجانب الأخلاقى لفكرة الالتزام فى الأدب وتأثيره على المجتمع والانحياز لعوالم الفقراء. واستكمل سيد محمود فى ورقته البحثية حول «مندور وانتفاضة العمال والطلبة فى 1946» الموضوع الذى أثاره فى الذكرى الأربعين للراحل بشأن الدور الذى لعبه فى توثيق العلاقة بين الطليعة الوفدية وتنظيم «طليعة العمال» اليسارى ودوره فى العمل على ايجاد جبهة وطنية وقوى أخرى أثناء انتفاضة العمال والطلبة فى عام 1946. وقال عبدالرحمن حجازى فى الجلسة السادسة إن مندور بدأ عمله النقدى بمراجعة ما أنجزه الجيل السابق, إذ أنه نظر فى أحوال النقد الأدبى فى مصر الذى يغلب عليه الدعاية الرخيصة يقوم بها نقاد محترفون, فهب مندور واقفا ممسكا «ميزانه الجديد» الذى سيزن به الأعمال الأدبية. وأضاف أن مندور عندما سئل عن تعريف النقد الأدبى فى كلمات قليلة وصفه بأنه فن تمييز الأساليب. وقالت الكاتبة عزة كامل، فى كلمتها حول «مندور ورؤيته فى التطوير الثقافى» إن رؤيته لا تقتصر على كونها رؤية المثقف والناقد الأكاديمى الذى يخاطب الجماهير من منبر عال, بل إنه كان ممارسا ومناضلا فى العمل السياسى منذ أربعينات القرن الماضى مما جعله يستطيع الوصول الى نتائج حاسمة.