يعد الفن الشعبي حصيلة ثقافية متراكمة عبر العصور ونموذجا حيا علي ما أنجزته الشعوب علي مر الدهر,أهميته تكمن في تميزه بالأصالة التي لها صفة الاستمرارية لأنها تمثل في جوهرها تفاعل الشعب ووحدته ومسايرته لأحداث الت الأراجوز اريخ علي طول وتنوع مظاهر حضارته. والفن الشعبي ليس فنا للاميين أو الريفيين من أبناء الوطن وليس من إنتاج شخص بعينه أو أناس بذاتهم بل هو مرآة صادقة تعكس وجه أشرف أبو السعود المجتمعات دون افتعال أو زيف وهو فن للجماعة وهويته هي هوية الجماعة. والاراجوز فن قديم استخدمه مبدعوه للتعبير عن مواقف سياسية أو اجتماعية أو طرح عظة أو عبرة من خلال تمثيل مسرحي أبطاله من العرائس ويحمل لمسات فكاهية, ويظهر إبداع لاعب العرائس في اختيار تصميمات عرائسه وطريقة تحريكها واختيار السيناريو والحوار,والكلمة أصلها تركي مشتقة من كلمة قرة قوز وتعني ذو العين السوداء وترمز إلي النظرة السوداوية للحياة إذ يتعمد لاعب الأراجوز رصد مآسي الحياة في مسرحياته. الأسبوع الماضي احتضنت القاهرة أعمال الملتقي العربي لفنون الدمي وخيال الظل في دورته الثالثة والتي حملت شعار دور فنون الدمي في الفضاءات المفتوحة بالتعاون مع البيت الفني للمسرح ومسرح القاهرة للعرائس بحضور ومشاركة ما يقرب من200 فنان من مصر والدول العربية بين مدرب ومتدرب ومحاضر موزعين علي خمس ورش تدريبية. أوضح إسماعيل عبد الله أمين عام الهيئة العربية للمسرح أن الدورة الثالثة من الملتقي العربي لفنون العرائس الذي أطلقته الهيئة العربية للمسرح عام2013 يسعي إلي وضع الفنون الشعبية العربية والمرتبطة بفنون العرائس والفرجة الشعبية علي طاولة البحث والعمل علي إيجاد آليات عملية لتفعيلها وإعادة إنتاجها لتصبح وسيلة فنية تساهم في التنمية والتنوير والعمل علي محاولة التوصل إلي جملة تعريفات تتعلق بهذه الفنون ووضعها في السياق العلمي مع تعريف توضيحي لكافة الفنون المرتبطة وتقسيماتها التاريخية والجغرافية والتقنية في الوطن العربي. من جانبه أشار غنام غنام مسئول الإعلام والنشر إلي أن الملتقي حرص علي إيجاد مناخ ايجابي للتفاعل مع واقع هذه الفنون في المجتمعات العربية ومحاولة إبراز الثراء الفني لتلك الفنون واستعادة مكانتها في المشهد الثقافي العربي وحمايتها من الاندثار بالعمل علي توثيقها, مؤكدا أن مسرح الدمي من أكثر المسارح جذبا لكل الفئات العمرية فهو كوسيط بشري يقدم فرجة من نوع خاص لها سماتها ومميزاتها ونصوصها التي تكتب خصيصا لتراعي خصوصية الدمية وأساليب تحريكها وفق مهارات شديدة الدقة والمرونة إذ تعتبر من الموروثات التي تعكس الخطابات السردية للحكي الشعبي والأساطير التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالموروثات الشعبية. يضيف غنام أن إقامة الملتقي في مصر التي شهدت ميلاد عروس النيل أقدم الدمي التي عرفها التاريخ هو خطوة فعالة وجادة علي طريق استعادة ريادة فنون الدمي في الوطن العربي فمصر ظلت البوتقة التي تنصهر فيها فنون الدمي عبر الزمان وتاريخ إنشاء فرقة ومسرح القاهرة للعرائس بالبيت الفني للمسرح التابع لقطاع شئون الإنتاج الثقافي خلال خمسينيات القرن الماضي والذي يعد من أقدم المسارح الحكومية في الوطن العربي في هذا المجال لأكبر دليل علي دور وزارة الثقافة المصرية التاريخي في دعم فنون الدمي والعرائس,والملتقي في جوهره يعد محاولة جادة من عقول مستنيرة لاستعادة منابع الفن الخالصة حيث كان الإبداع لصيقا بالشعوب وبقضاياها وهو ما نسعي لتحقيقه في هذه المرحلة الفارقة من تاريخنا من خلال قوي الثقافة التنويرية الناعمة. ويقول انتهي الملتقي إلي جملة من التوصيات المهمة والتي جاء في مقدمتها ضرورة تضافر الجهود المؤسسية الرسمية الأهلية المعنية بالثقافة العربية للاهتمام بهذا الفن خاصة وانه يخاطب بالدرجة الأولي أولادنا مستقبل هذه الأمة والعمل علي توثيق جهود وإنجازات العرائسيين بجميع الدول العربية من خلال فريق بحثي مؤهل لذلك وتأسيس شعب متخصصة في مجال مسرح العرائس في المعاهد الفنية ودعم البحث والنشر في مجال فنون العرائس وإصدار مجلة متخصصة في هذا المجال والتوصية بأهمية تنظيم السوق العربية لفنون الدمي والعرائس ومختلف فنون الفرجة الشعبية لنقل تفعيل هذه الفنون إلي مستوي جديد من العلاقة الفعالة مع الجمهور, وتسمية يوم في العام يكون يوما عربيا لفنون الدمي والعرائس وفنون الفرجة الشعبية يتم الاحتفال به في كل الدول العربية. وعن واقع مسرح العرائس وخيال الظل في الوطن العربي لخص عدنان سلوم المتخصص في مسرح الطفل والعرائس والمنسق الفني للملتقي هذا الواقع بقوله: هناك شقان متعلقان بهذا الأمر, الشق الأول الواقع العملي أي أسلوب العمل وعدد العروض وهو يعاني من ضعف شديد وإهمال بالغ ربما لان المؤسسات والمجتمع لم يعطيانه الاهتمام الكافي مع العلم انه لو وجد الاهتمام المناسب لما وصلنا إلي ما وصلنا اليه من انتشار للأفكار المشوشة والظلام الفكري الذي ضرب عقول بعض شبابنا في الوطن العربي لان هذا الفن ببساطة قادر علي اناره العقول وتحفيز التفاعل المجتمعي مع قضايا ومشكلات الوطن بشكل ايجابي يخدم أهداف الدفاع عن مقدراتنا الدينية والأخلاقية ضد الأفكار المتطرفة التي تحوم حوله, الشق الثاني يتمثل في واقع العاملين بهذا المجال فهم للأسف لا يعرفون بعضهم البعض علي المستوي الداخلي للدول أو علي المستوي الخارجي بمعني أنهم منعزلون عن بعضهم بعضا داخليا وخارجيا وهو أمر يعجل بصورة سريعة باندثار هذا الفن الجميل لذا كان الملتقي حريصا علي ربط الماضي بالحاضر وإيجاد مناخ فني عام هدفه التعرف علي الإبداعات المختلفة للفنانين العرب في هذا المجال. ويدلل الفنان عدنان سلوم علي مدي أهمية الفنون الشعبية بان التاريخ نقل أن خيال الظل كان يمثل لسان حال أبناء الشام أبان الحكم العثماني لدرجة أن السلطان أصدر أوامره بمنعه تماما لأنه كان يؤلب الجماهير ضد سياسة الباب العالي ولعل اشهر مثال علي ذلك الراحل أبو خليل القباني مؤسس المسرح السوري في القرن الثامن عشر والذي أحدث ثورة هائلة بهذا الفن جعلت السلطان يأمر بحرق مسرحه واتهامه بالسخرية من الوالي وكان يطلق عليه مرقص الصبيان. الملتقي في دورتة الثالثة تبني فكرة تفعيل مقترح مشروع تقدمت به لإعداد الدليل المختصر لفنون العرائس في البلاد العربية للاتفاق حول مختلف المفاهيم والمصطلحات وتوحيدها بصورة علمية حيث يتضمن تعريفا بمختلف أشكال العرائس وتقنية عملها ومنشأها التاريخي. كما حرص الملتقي علي تكريم عم صابر المصري مصطفي عثمان مصطفي شيخ فن الأراجوز في مصر والفنان الفلسطيني عادل الترتير شيخ صندوق العجب صندوق الدنيا. في نفس الوقت أطلق الملتقي نوعا جديدا من التكريم سمي بمنصة الإبداع ومن خلاله يتم التعرف علي رواد وكبار فناني العرائس بمصر من خلال مسيرتهم في هذا المجال ومنحهم شهادات تقدير عن مجمل مسيرتهم الإبداعية والفنية وهم: الفنان جمال الموجي والحائز علي جائزة الدولة التشجيعية في الفنون عام1996, والفنان محمد عبد الله الذي قدم العديد من الأعمال الفنية التي ارتبط نجاحها باسمه خاصة دور دبدوب, والمبدع محمد المغربي رائد مسرح القاهرة للعرائس في مجال عرائس القفاز, والمبدع رفعت الشربيني احد النحاتين الأوائل الذين عملوا بالمسرح, والفنان محمد كشك مؤسس مدرسة العرائس بمسرح القاهرة للعرائس, والمبدع الفنان مصطفي رجب رائد فن عرائس العصي والقفاز. كما اكد الفنان عدنان سلوم ان الملتقي اهتم بتدريب المشاركين من مصر والدول العربية علي خمس ورش شملت ورشة تصنيع وتقنيات صندوق العجب للفنان الفلسطيني عادل الترتير احد رواد ومؤسسي الحركة المسرحية في فلسطين وأقيمت بقاعة العجب بمسرح العرائس,وورشة تقنيات خيال الظل للمخرج ومحرك العرائس التونسي الأسعد المحواشي في قاعة صلاح عبد الصبور بمسرح الطليعة,وورشة تصنيع الاراجوز وتكنيك الأداء لفنان العرائس المصري ناصف عزمي وأقيمت بقاعة الاراجوز بمسرح العرائس,وورشة صناعة عرائس الخيط والتحريك لعبد السلام عبدو مدير دائرة الطفل بالمسرح الوطني الفلسطيني والتي أقيمت بقاعة التحريك بمسرح العرائس, وورشة الحكاية والعلاقة مع المتلقي للراوي المتجول الجزائي ماحي الصديق(مسلم صديق)وأقيمت في قاعة زكي طليمات بمسرح الطليعة. تقول الكاتبة المصرية ثريا عبد البديع المتخصصة في أدب الطفل تعرفت علي فاعليات الملتقي قبل أن تبدأ وأنا أتصفح مواقع التواصل الاجتماعي وقررت علي الفور المشاركة فيه وقمت بطرح عدد من الأفكار لتطوير أعمال الملتقي لاسيما وانه جاء في وقت حرج ليسد نقصا حادا في هذا الفن مازلنا نعاني منه علي مستوي الوطن العربي. قررت الالتحاق بورشة الحكاية والعلاقة مع الملتقي للمبدع الجزائري ماحي الصديق لأنني وجدتها فرصة جيدة للاحتكاك بخبرات ومعارف الآخرين في فن الحكاية, في هذه الورشة تعرفنا علي أساليب جديدة في فن الحكي والرواية ومهارات الراوي التي يجب أن يتحلي بها مثل القدرة علي التحكم في مخارج الأصوات وإجادة استخدام لغة الجسد ومهارات التفاعل مع الجماهير وأساليب التعامل مع الفئات العمرية المختلفة لجمهور المتلقين والقدرة علي التكيف مع المكان,في هذه الورشة قررت التخلي مؤقتا عن التعامل مع الورق والاتجاه ناحية تنمية مهاراتي في فن الحكاية الحية لأنني اكتشفت أن القصة المكتوبة تعاني من مشكلات عديدة أهمها انخفاض معدلات القراءة بين أبناء الوطن العربي بينما استطاع فن الحكي تجاوز هذه العقبة والنفاذ بسهوله ويسر إلي عقول وقلوب الجماهير والتأثير فيهم بشكل أكثر حميمية وبأقل تكاليف. وبنبرة يملؤها الحزن تقول الكاتبة ثريا عبد البديع للأسف لاحظت أن فن الحكواتي أو الراوي قد أصبح مندثرا في مصر والوطن العربي لأنه فن مزعج ومثير للجدل من وجهه نظر بعض المسئولين. وتؤكد حقيقة مهمة هي أن الفنون الشعبية قادرة علي مقاومه الجهل والإرهاب وتفشي المفاهيم المغلوطة والملتبسة إذا ما أحسن استخدامها ورعايتها بالشكل اللائق بحيث يمكن لها أن تنتشر في المدن والأقاليم والنجوع لتثقيف الأطفال والشباب وتحصينهم ضد الأفكار الدخيلة عليهم بأسلوب جميل ومشوق ينفذ إلي قلوبهم بيسر وسهولة وينمي فيهم الملكات الفنية بعيدا عن وسائل التواصل الاجتماعي التي تحمل داخلها مضامين قد لا تكون ملائمة لهم أو لمعتقداتهم وعاداتهم وتقاليدهم.