اخيرا.. عاد جون كيرى وزير الخارجية الامريكية ليعترف بعدالة موقف موسكو تجاه الازمة السورية من حيث ترحيبه بمشاركة روسياوايران فى الجهود الراهنة لحل الازمة واستعداده للحوار مع الرئيس السورى بشار الاسد ، الذى قال ان رحيله الان ليس ضروريا وهو ما سبق وطرحته روسيا فى اكثر من مناسبة. واذا اضفنا الى ذلك ما قاله حول ضرورة تكثيف الجهود المشتركة لمواجهة »داعش« فانه يكون قد اقترب كثيرا مما يطرحه الرئيس فلاديمير بوتين حول تشكيل ائتلاف مضاد للارهاب واعتماد »اعلان جنيف 2012« الية مناسبة لتسوية سلمية لهذه الازمة. وكان كيرى قد اعلن عن ذلك فى اعقاب لقائه مع نظيره البريطانى فيليب هاموند فى لندن حين قال بضرورة «المفاوضات وانها ما يبحث عنه»، فيما اعرب عن امله فى «التوصل الى مساعدة روسيا وإيران وغيرها من البلدان ذات التأثير فى هذه القضية». واضاف كيرى «نحن مستعدون للمحادثات. فهل الأسد مستعد للتفاوض؟ وهل روسيا مستعدة لإقناعه بالجلوس وراء طاولة المفاوضات؟». ومضى الوزير الامريكى ليؤكد «الحاجة الملحة فى الوقت الحالى لتوحيد جهود مختلف البلدان من أجل تسوية النزاع، مشيرا إلى ضرورة استئناف بذل الجهود للبحث عن حل سياسى فى سوريا»، وجدد موقف بلاده القائل إن لا مستقبل للأسد فى سوريا، إلا أنه أضاف أن رحيله ليس بالضرورة فوريا. وقال «إن هذا الأمر يمكن تحقيقه من خلال اجتماع جميع الأطراف للتوصل إلى تفاهم بشأن كيفية تحقيق ذلك بأفضل صورة». وقد جاء ذلك مواكبا لما اعلنت عنه موسكو حول المكالمة الهاتفية التى استمرت لما يقرب من الساعة بين وزيرى دفاع روسيا سيرجى شويجو والولاياتالمتحدة اشتون كارتر وانها كشفت عن تقارب بل وتطابق المواقف تجاه مكافحة الارهاب فى المنطقة، فضلا عما يقال بشأن الاستعداد لعقد جولة جديدة من الحوار فى اطار «موسكو-3» استعدادا ل«جنيف-3»، فى توقيت اكدت فيه القيادة الروسية ثوابت مواقفها بهذا الشأن ومنها ان مصير الاسد رهن ارادة الشعب السورى وهو وحده الذى يملك حق اتخاذ قراره بشأنه وانها تهتم اكثر بضرورة ضمان امن واستقرار سوريا والحيلولة دون انتشار اخطار «داعش». وكان الكرملين قد اعلن كذلك عن استعداده للنظر فى اية طلبات تتقدم بها القيادة السورية حول مشاركة قوات روسية فى العمليات العسكرية مع أفراد القوات المسلحة السورية ضد «داعش»، تعليقا على ما اعلنه وليد المعلم وزير الخارجية السورية عن «أن بلاده ستطلب إرسال قوات روسية لتقاتل عند الضرورة الى جانب قواتها ضد الإرهاب»، وان دمشق تتواصل مع الدول التى دعمت سورياكروسيا وإيران، حسبما نشرت وكالة «سبوتنيك» الروسية. وكشف المعلم عن موافقة دمشق على مبادرة الرئيس بوتين بشان تشكيل جبهة ائتلافية مضادة للارهاب وهى المبادرة التى كان الرئيس الروسى اعلنها وطرح خلالها مشاركة المملكة العربية السعودية وتركيا والاردن وآخرين. وفى ذات السياق اعربت موسكو عن استعدادها لتقديم أية معلومات تطلبها واشنطن بشأن التعاون العسكرى التقنى بين روسياوسوريا.وقالت ماريا زاخاروفا الناطقة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية «أن الولاياتالمتحدة التى تعرب فى الآونة الأخيرة عن قلقها من تعزيز الوجود العسكرى الروسى المزعوم فى سوريا ومن طابع المساعدات العسكرية الروسية لدمشق، تعتمد فى تقييماتها بالدرجة الأولى على معلومات صحفية سبق ان قدمتها الاجهزة الامريكية بنفسها الى وسائل الإعلام الامريكية والعالمية». واضافت زاخاروفا «لقد قلنا لشركائنا الأمريكيين مرارا ردا على أسئلتهم حول طابع مساعداتنا العسكرية التقنية لسوريا.. إننا مستعدون لتقديم أى معلومات تهمهم عبر القنوات المخصصة لذلك، لكى يتمكن الخبراء العسكريون من كلا الطرفين من بحث جميع المسائل ذات الاهتمام المشترك». فيما اشارت الى «ضرورة ادراك ابعاد الخطر الذى يمثله «داعش»، واستحالة مكافحة هذا الخطر بصورة فعالة، إلا فى صفوف جبهة موحدة»، فيما اكدت استحالة تحقيق مثل هذه الاهداف «بدون مشاركة الحكومة السورية الشرعية». وعادت زاخاروفا لتؤكد ان «الهدف الرئيسى الذى تسعى روسيا لتحقيقه فى سوريا يكمن ليس فى دعم الرئيس بشار الأسد بل فى دعم سوريا فى حربها ضد تنظيم «داعش» والتنظيمات الإرهابية الأخرى التى تهدد الأمن القومى للاتحاد الأوروبي»، محذرة من مغبة ان «داعش» ليست مجرد تنظيم ارهابى فى منطقة بعينها، بل مشروع دولة اعلنت نواياها حول اقامة الخلافة الاسلامية فى كل المساحة الجغرافية التى تمتد من باكستان وحتى البرتغال بكل مؤسساتها المدنية والعسكرية. وكانت موسكو قد حذرت ايضا من تسلل الكثير من عناصر «داعش» بين صفوف اللاجئين الذين يتدفقون على البلدان الاوروبية ما تعتبره »قنابل« موقوتة على طريق تفاقم المشكلة لاحقا. وتمضى موسكو الى ما هو ابعد حين تكشف عن وجود زهاء الفين واربعمائة من مواطنى روسيا يشاركون حاليا فى نشاط هذا التنظيم، فى الوقت الذى كشفت فيه مصادر امنية اخرى عن وجود ما يزيد على سبعة آلاف آخرين من مواطنى بلدان الفضاء السوفيتى السابق ما يهدد لاحقا الامن القومى لروسيا حسب تأكيدات المصادر الرسمية. وكان الجنرال سيرجى سميرنوف النائب الأول لمدير هيئة الأمن الفيدرالية الروسية قد اعلن عن ذلك فى ختام اجتماعات الهيئة الإقليمية لمكافحة الإرهاب التابعة لمنظمة شنغهاى للتعاون فى طشقند حول ان ما يتوفر لدى روسيا من معلومات يقول بوجود تحديات خارجية، وفيما دعا إلى توسيع التحالف الدولى لمكافحة الإرهاب من خلال إقامة حوار سياسى وبدعم من الأممالمتحدة، مؤكدا فى ذات الوقت أن استخبارات روسيا ودول منظمة شنغهاى وأوروبا والولاياتالمتحدة تحاول مواصلة التعاون بهذا الشأن رغم وجود «تحديات خارجية». وأكد سميرنوف «أن بعض الدول تحاول اليوم الامتناع عن التعاون فى مجال مكافحة الإرهاب، لكن هذا التعاون مستمر وإن كان على مستوى غير كاف، خاصة مع الولاياتالمتحدة». وفى ايجازها الصحفى الاسبوعى الدورى كشفت زاخاروفا عن تواصل المشاورات بين موسكو وأعضاء مجلس الأمن الدولى من أجل صياغة مشروع قرار حول التصدى للهجرة غير الشرعية عبر أراضى ليبيا فى البحر الأبيض المتوسط. وقالت «ان هدفنا الأساسى يتمثل فى أن يتطابق نص القرار بأكبر دقة مع القانون الدولى الذى ينظم هذا المجال». وبينما اكدت مصادر الكرملين ان الرئيس بوتين سوف يلقى خطابا فى الجمعية العامة للامم المتحدة فى 28 من سبتمبر الحالى يوجز فيه الموقف من تنظيم «داعش» والجهود الرامية الى تسوية الازمة السورية، كشف السفير الروسى فى لبنان ألكسندر زاسبكين عن بعض مكونات هذه المبادرة استنادا الى ما سبق واجرته روسيا من مشاورات مع الدول الفاعلة والمؤثرة على الساحة السورية. وقالت قناة »روسيا اليوم« الناطقة بالعربية »ان زاسبكين اوضح فى حديث تليفزيونى أن المبادرة تتكون من ثلاث مراحل الأولى منها تنص على ضرورة توحيد جميع الأطراف لضرب تنظيم «داعش» الإرهابى فى سوريا تحضيرا للاتفاق السياسى لحل الأزمة، والثانية على المستوى الخارجى تدعو القوى الإقليمية والدولية المؤثرة للضغط على المجموعات المسلحة من أجل القبول بالحل السياسي، بينما تقتضى المرحلة الثالثة توحيد الجهود الإقليمية والدولية لوقف تمويل المجموعات المسلحة ومنع عبور المسلحين عبر حدود الدول المجاورة لسوريا. وأشار زاسبكين الى أن موسكو ستطرح أيضا «تشكيل جبهة لمواجهة الإرهاب تشمل جميع الأطراف الإقليمية بما فيها دول الخليج خلال اجتماع مجلس الأمن على المستوى الوزارى الذى تترأسه روسيا فى 30 من الشهر الحالى». ولعل ذلك كله يؤكد سلفا انه لا حل للازمة السورية بدون مشاركة موسكو ، فضلا عن منطقية موقفها من استحالة حسم هذا الصراع عسكريا، وانه لا بديل عن التعامل فى الوقت الراهن مع الحكومة السورية الشرعية وترك مصير الاسد ليقرره شعبه، وبما يتفق مع مفردات اعلان جنيف الصادر فى 30 يونيو 2012 بتوافق روسى امريكى اوروبى مع ممثلى الحكومة والمعارضة. وذلك يؤكد ضمنا ما سبق واعلنه الكرملين حول انه لا حل لاى من القضايا الساخنة فى العالم دون التوافق مع موسكو وذلك ما سبق وأثبتته الاحداث من خلال التوصل الى الاتفاق النووى مع ايران، وقبل ذلك درء مخطط الادارة الامريكية حول ضرب سوريا وتنحية الاسد بالقوة على غرار ما سبق وفعلته قوات الناتو فى ليبيا، وارغامها على التحول الى التفاوض مع الاسد حول تصفية الاسلحة الكيماوية وانضمام سوريا الى معاهدة حظر الانتشار.