سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تركيا.. كيف نجحت في توظيف الفن لتنشيط السياحة؟
30 مليون سائح و30 مليار دولار في تركيا.. وحزب العدالة والتنمية الاسلامي لا يضع قيودا علي السياحة الشاطئية
بداية نوضح.. نحن من الذين يحبون النجاح ويفرحون لاصحاب هذا النجاح.. من يحرز هدفا بلغة أهل كرة القدم لابد أن نصفق له..لابد أن نتفق علي تشجيع اللعبة الحلوة. ولا أحد يختلف علي أن تركيا في السنوات الأخيرة أحرزت أهدافا كثيرة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.. وبمعني آخر حققت نجاحا كبيرا يجب أن نفرح له ونقدره ونحترمه ونحاول علي الأقل تقليده.. يعني بصراحة تركيا بتلعب حلو. ونحن مع الغيرة في تحقيق النجاح.. لابد أن تتملكنا الغيرة الايجابية لتحقيق نجاح مماثل.. وإذا حددنا كلامنا اليوم حول النجاح التركي في السياحة فاننا بلا شك سنقول إن تركيا الإسلامية في ظل حزب العدالة والتنمية حققت نجاحا كبيرا وأحرزت أهدافا كثيرة.. لدرجة أنها أصبحت في قائمة الدول العشر الكبري سياحيا في العالم وتحديدا في المركز السابع, فقد بلغ عدد السائحين الوافدين إليها نحو30 مليون سائح وتقترب العائدات من30 مليار دولار. إلي هذا الحد وصل النجاح التركي في السياحة!! ولهذا يجب أن تكون الغيرة عند المصريين من الأتراك مشروعة في مجال السياحة لأن ما تمتلكه مصر من مقومات سياحية لا يقل أبدا عن تركيا إن لم يكن يزيد بل هو بالتأكيد يزيد علي مقومات تركيا السياحية( أقصي ما وصلت إليه مصر في2010 كان14.7 مليون سائح و12.5 مليار دولار). فما أسباب ذلك؟ بالطبع الأسباب كثيرة من الناحية السياحية والاقتصادية والإمكانات والبنية الأساسية من طرق ومطارات وخدمات في مجال الفنادق والسياحة والطيران بشكل عام فضلا عن قضية أساسية وهي قضية الترويج والتسويق السياحي لتركيا في العالم من خلال حملات ناجحة إعلامية وإعلانية رائعة انتشرت في كل العالم وبشكل حديث ومتحرك وركزت علي السياحة الشاطئية رغم وجود حزب العدالة والتنمية ذي التوجهات الإسلامية. ذلك لأن الأتراك مقتنعون بأن هذه السياحة الشاطئية هي الأساس في حركة السياحة العالمية( من75 إلي80%) في حين لا تشكل السياحة الثقافية إلا نحو15% فقط وبالتالي اهتم الاتراك بهذه السياحة ولم يتحدثوا في ظل وجود حزب العدالة والتنمية عن أي قيود علي السياحة الشاطئيةبعكس ما آثاره البعض في مصر بعد الثورة. إذا هي مجموعة من العوامل أدت إلي هذا التفوق التركي في عالم السياحة وجعلها في قائمة الدول الكبار سياحيا.. لكنني اليوم أتحدث عن قضية إضافية جديدة شكلت قوة كبري ناعمة في الترويج والتسويق السياحي لتركيا في السنوات الأخيرة.. هذه القوة هي استغلال أو توظيف الفن, خاصة الدراما والسينما في خدمة السياحة التركية.. فقد تسلل إلي العالم العربي فيما يشبه الغزو الثقافي ما يسمي الدراما التركية خاصة بعد دبلجتها إلي اللغة العربية لدرجة أنها شكلت قوة جديدة للتسويق والترويج السياحي لتركيا في العالم العربي بشكل واضح جدا. لقد أصبحت العائلة العربية تتجمع حول هذه الدراما أو هذه المسلسلات في شغف كبير لمتابعة أحداثها خاصة أن الثقافة التركية الإسلامية قريبة جدا من الثقافة العربية الإسلامية وهناك عوامل وصلات قوية تربط بينهما, ففي النهاية هي روابط شرقية تجمع الكثير من دول المنطقة. لكن المثير في الأمر أن العرب لا يتابعون الأحداث الدرامية فقط.. بل أن كثيرا منهم مبهور بهذه المسلسلات من الناحية الفنية من ناحية الاخراج والتصوير والأداء الفني لنجوم المسلسلات والملابس والديكور وجمال البيوت والقصور التاريخية بل تمتد حالة الانبهار إلي جمال الطبيعة التركية خاصة منطقة مضيق البوسفور في اسطنبول والتي تظهر أكثر من مرة في الحلقة الواحدة في كل المسلسلات تقريبا ومعها الكوبري المعلق الشهير الذي يربط بين اسيا واوروبا في تصوير مبهر يخطف الأنظار. إن المتابع العربي للمسلسلات التركية الشهيرة في السنوات الثلاث الأخيرة مثل مسلسلات نور والعشق الممنوع وفاطمة وحريم السلطان يستطيع أن يلاحظ بسهولة مدي ارتباط المتابع العربي بكل هذه المسلسلات ونجومها الذين أصبحت الشهرة والنجومية تحيط بهم في كل مكان وعلي رأسهم الممثل المشهور عربيا باسم مهند في مسلسل نور والعشق الممنوع أو فاطمة المعروفة بهذا الاسم في مسلسل فاطمة وقبله كانت في العشق الممنوع وحاليا مع الممثل المعروف باسم كريم في مسلسل فاطمة وكذلك نجوم مسلسل حريم السلطان وغيرهم.. لقد تحول الاعجاب بالدراما التركية إلي إعجاب بتركيا لدرجة أن أحد الاصدقاء من العاملين بالسياحة أخبرني أن تركيا ازداد الطلب عليها من كل الدول العربية بسبب هذه المسلسلات وبعض العرب يطلبون زيارة الأماكن التي تصور فيها هذه المسلسلات. إن ذلك بلا شك نجاح كبير للتسويق السياحي في تركيا.. وبلا شك هو في الوقت نفسه فشل كبير للفنانين المصريين خاصة المخرجين والمصورين.. فالأمر المؤكد أن الدراما المصرية لم تنجح في مثل ما نجحت فيه الدراما التركية رغم أن مصر تمتلك المقومات التي تجعلها تنجح في ذلك, فهاهو النيل بمنطقة قلب القاهرة من أجمل وأروع الأماكن في العالم لم يستغل إطلاقا وكذلك البحران الأحمر والمتوسط وكذلك النيل والآثار في الأقصر واسوان. لكن للأسف لم يضع الفن المصري ذلك في خياله أبدا عند الإخراج في مثل هذه المسلسلات, فكلها أحداث تدور غالبا في غرف مغلقة أو ديكورات مغلقة لا تخرج إلي الطبيعة ولا تبحث عن الجمال الذي كان يمكن أن يعود علي السياحة المصرية والاقتصاد المصري بالكثير من الخير كما يحدث في تركيا الآن. إن تلك القضية تعيد إلي الأذهان ما كتبناه منذ سنوات علي هذه الصفحة من أننا فشلنا في جذب نجوم السينما العالمية لتصوير أفلامهم في مصر من مشاكل إدارية ورسوم وقيود لا معني لها بيروقراطية ورقابية غير ذات معني لدرجة أن الأفلام التي تتحدث عن الحضارة الفرعونية تبني لها استوديوهات في تونس والمغرب ويتم التصوير هناك نظرا للتسهيلات الكبيرة رغم أن الموضوع أو الفيلم عن مصر وربما يذكر البعض أن المخرج العالمي الكبير ستيفن سبيلبيرج عندما جاء إلي مصر في بداية الثمانينيات لتصوير فيلم غزاة الكنز المفقود فشل في تصويره وعاد إلي أمريكا وعقد مؤتمرا صحفيا في هوليوود تحدث فيه عن أن تصوير الأفلام في مصر مستحيل. ولنا أن نتخيل ما كان يمكن أن تحدثه من ترويج وتسويق للسياحة المصرية, إننا مطالبون بحل هذه المشكلات وتوحيد الجهة التي يتعامل معها الراغبون من فناني العالم في تصوير أعمالهم في مصر والتعامل معهم دون مبالغة في الرسوم بل بتسهيلات كبيرة, فالعائد بلا شك أكبر جدا من هذه الدولارات التي نحاول أن نأخذها مقابل التصوير.. فالعائد بالمليارات وعلي سنوات لصالح الاقتصاد والسياحة..؟ أما فيما يتعلق بالدراما وما أثارته فينا الدراما التركية من غيرة لنجاحها في جذب المزيد من السياحة العالمية إلي تركيا.. فأعتقد أن الفنانين المصريين والمؤلفين والمنتجين والقضايا الفنية والتليفزيون ووزارة الثقافة ووزارة السياحة عليهم جميعا التفكير في هذه القضية.. عليهم التفكير في رؤية جديدة للإخراج والتصوير في الدراما المصرية واستغلال جمال مصر وطبيعتها ونيلها من أجل التسويق والترويج للسياحة المصرية.. وكله في النهاية لصالح الاقتصاد المصري.. وتجربة تركيا خير دليل. لابد أن يكتب الفنانون المصريون شهادة نجاح جديدة للفن المصري وللدراما المصرية في هذا المجال.. شهادة نحن في حاجة إليها.. وفورا!! [email protected]