السياحة لا تنمو ولا تزدهر إلا مع الاستقرار والسلام.. وبالتالى ما يحدث من أعمال إرهاب فى مصر وغيرها من دول المنطقة مثل تونس هو أكبر خطر على السياحة ولا أحد يستطيع أن ينكر أن مصر نجحت فى مواجهة الإرهاب الموجه تحديدا إلى السياحة منذ حادثة الأقصر الشهيرة عام 1997 سواء بالاجراءات الأمنية على الأرض وهذا ليس حديثنا.. أو بحملات الاعلام والاعلان الدولية الناجحة وحملات العلاقات العامة فى اطار حملات ترويج وتسويق كان يرعاها ويشارك فى تصميمها بنفسه وزير السياحة الأسبق د. ممدوح البلتاجى - شفاه الله - لدرجة أن منظمة السياحة العالمية قالت أيامها إن الدولة التى ترغب فى وضع اسمها على خريطة السياحة العالمية عليها الاستفادة من تجربة حملات مصر وأشهرها كان حملة «أتمنى لو كنت فى مصر» وحملة «ردسى ريفيرا». وأستطيع القول إن حملات مصر بعد د. ممدوح البلتاجى كانت ضعيفة أو على الأقل لم تكن تعجبنى شخصيا مقارنة بالحملات التى نتابعها لدول أخرى والتى نرى فيها أحدث أساليب الاعلام والاعلان وأكثرها تأثيرا والاعتماد فى مخاطبة السائح على العواطف قبل العقل، لأن الحملات والتسويق فى النهاية علم وفن وليس «فهلوة» مصرية تغيب عنها أبسط قواعد الفكر الحديث ، كما كتبنا قبل ذلك مرات عديدة على مدى سنوات طويلة. نقول هذا الكلام بمناسبة ما تتعرض له مصر من إرهاب والتفكير فى حملات سياحية جديدة بعد تلك التى توقفت منذ ثورة يناير 2011 والتخبط والتردد فى هذه الحملات التى يجرى الاعداد لها الآن ومواصفاتها وماذا نريد منها؟.. اليوم نقدم نموذجا لما يجب أن تكون عليه الحملات الاعلامية والاعلانية فى مجال السياحة ونحن نواجه كل هذا الإرهاب حتى نتعلم!! والنموذج ليس ببعيد عنا فهو من الشقيقة تونس التى تعرضت لحادث إرهابى فى مجال السياحة الشهر الماضى عندما قتل أحد الإرهابيين 38 سائحا أكثرهم من الانجليز فى أحد الفنادق فى مدينة سوسة.. والسؤال: ماذا فعلت تونس بعد أن استشعرت الخطر وبدأ تراجع السياحة عنها واجلاء السائحين الانجليز تحديدا من تونس؟ وماذا نفعل نحن فى مصر؟ الاجابة أو الدرس نهديه إلى وزارة السياحة وهيئة تنشيط السياحة.. فقد انتفض خبراء التسويق والحملات فى تونس بعد 48 ساعة فقط وفكروا وانتجوا خلال 72 ساعة حملة رائعة نبهنى إليها للحقيقة والأمانة خبير التسويق سامح سعد مستشار وزير السياحة السابق قائلا: إن هناك حملة تونسية تذاع فى السوق الأنجليزية فى غاية الروعة والتأثير لمواجهة الإرهاب فى السياحة وفعلا أرسل إلينا مشكورا بتفاصيل هذه الحملة فوجدت مكوناتها فى 3 اتجاهات أو محاور هي: 1 - فيلم رائع يذاع على القنوات الفضائية العالمية مدته 50 ثانية فقط بأصوات وصور مواطنين توانسة تحت عنوان «فلا عاش فى تونس من خانها - يموت الإرهاب وتعيش تونس» وهو «ومضة» قوية جدا فى إدانة ورفض الإرهاب وما يقوله المواطنون مؤثر جدا فهذا مواطن يقول عن الإرهابيين «هم يكسروا ونحن نبني» وفتاة تعزف على آلة موسيقية تقول «هم البشاعة ونحن الفن» وسيدة تقول «هم يخربوا ونحن نزرع» وعامل نظافة يقول «هم يوسخوا ونحن ننظف» وفتاة جميلة تختتم الفيلم قائلة «هم الباطل ونحن الحق».. فعلا فيلم معبر ورائع بتصوير أروع وأصوات وطنية فى حملة قوية جدا. 2 - أيضا فى خلال 72 ساعة أنتجت تونس حملة دعائية للسياحة التونسية فى شوارع انجلترا من خلال ملصقات فى الشوارع واعلانات تذكر السائحين الأنجليز بحوادث إرهاب مماثلة عندهم.. فمثلا.. اعلان ضخم عبارة عن صور حوادث التفجيرات الإرهابية فى لندن مكتوب عليها فى خطاب مباشر للسائح الزنجليزى ولغيره هل توقفت عن زيارة لندن؟ وصورة أخرى لحادث شارلى أبدو مكتوب عليها هل توقفت عن زيارة باريس؟.. وصورة ثالثة لتفجير برجى التجارة فى نيويورك فى 11 سبتمبر مكتوب عليها.. هل توقفت عن زيارة نيويورك. والمعنى الواضح طبعا هو أن الإرهاب فى كل العالم وأن السائح لم يتوقف عن زيارة هذه المدن العالمية وبالتالى عليه ألا يتوقف عن زيارة تونس. 3 - الجميل أنه مع هذه الحملة الدولية كان هناك تحرك آخر من الحكومة لمساعدة قطاع السياحة هناك بعد 48 ساعة فقط من الحادث فقد أعلنت وزيرة السياحة سلمى اللومى عن اجراءات استثنائية عاجلة لفائدة قطاع السياحة تهدف إلى مساعدة أصحاب المؤسسات السياحية بعد الهجوم الارهابى الذى استهدف سوسة. وتتمثل هذه الاجراءات فى تأجيل أقساط القروض بعنوان الأصل والفوائد والتى يحل أجلها خلال 2015 إلى 2016 مع اعادة جدولتها حسب قدرة المؤسسة على التسديد بالاضافة إلى منح قروض جديدة تسدد على 7 سنوات منها سنتان امهال وتخصص لتمويل نشاط المؤسسات السياحية خلال الموسمين 2015 و 2016 وتقبل هذه القروض كمقابل لعمليات اعادة تمويل فى السوق النقدية مع تحميل مخاطر عدم تسديدها على الدولة بضمان استثنائي. وأعلنت الوزيرة أيضا عن التخفيض فى نسبة الأداء على القيمة المضافة من 12% إلى 8% واعادة جدولة الديون الجبائية للمؤسسات السياحية تجاه الشركة التونسية للكهرباء والغاز والشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه. كما أعلنت عن حذف الطابع الجبائى المقرر على الأجانب عند مغادرتهم للبلاد التونسية والمحدد ب 30 دينارا، بالاضافة إلى التخفيض بنسبة 30% فى النقل الجوى والبحرى للجالية التونسية فى الخارج وستتحمل الدولة مناصفة مع شركات النقل نسبة هذا التخفيض. وفى ملف التأشيرات.. لدعم التدفق السياحى أعلنت الوزيرة عن تفعيل قرار منح التأشيرة على الحدود بالنسبة للمجموعات السياحية للصين وإيران والهند والأردن ومنح تأشيرة متعددة الدخول لفترة سنة كاملة لفائدة رجال الأعمال والمستثمرين المنتمين للبلدان المذكورة بالاضافة إلى حذف التأشيرة على بعض البلدان النامية على غرار أنجولا وبوركينا فاسو وبوتسوانا وقبرص وروسيا البيضاء وكازاخستان. إنها بالفعل حملة رائعة وسريعة وذكية وجذابة جدا ومقنعة جدا.. أما نحن فى وزارة السياحة وهيئة التنشيط فلم نفعل شيئا حتى الآن سوى الكلام.. كلام فى كلام عن حملات وأوهام وأفكار «ضعيفة» وناس غير متخصصين بالمرة وكفاءات وكوادر غير موجودة أو ضعيفة جدا فى هيئة التنشيط المنوط بها الحملات وخوف وتردد ولا قرارات سريعة مثلما فعلت تونس وواجهت العالم بهذه الحملة الرائعة بعد 72 ساعة فقط من قتل السياح فى تونس.. هكذا يكون التفكير.. وهكذا يكون العمل.. هكذا تكون الرؤية.. وهكذا يكون رد الفعل والاحساس بالخطر أما نحن فنبدو وكأننا خارج الزمن والأحداث والعلم والعصر الحديث. أرأيتم كيف تكون الحملات؟ وكيف تساعد الحكومة قطاع السياحة إيمانا بأهميته لدعم الإقتصاد؟ .. ويبقى السؤال.. هل تتعلم مصر من تونس كيف تواجه الإرهاب فى السياحة؟ لمزيد من مقالات مصطفى النجار