مصروفات مدارس المتفوقين في العلوم والتكنولوجيا 2026 -تفاصيل    محافظ سوهاج يوجه بخفض مجموع القبول بمدارس التمريض بنات مع بدء التنسيق    قرار جديد من جامعة حلوان بشأن تنظيم حفلات التخرج    انخفاض العدس.. أسعار السلع الأساسية بالأسواق اليوم (موقع رسمي)    التضامن: صرف "تكافل وكرامة" عن شهر يوليو بالزيادة الجديدة غدًا    ميكنة المدفوعات.. بروتوكول بين البنك الأهلي ووزارة التربية والتعليم    وزير الخارجية والهجرة يلتقي بممثلى كبرى الشركات الخاصة وأعضاء الغرفة التجارية في مالابو ويبحث سبل تعزيز التعاون الاقتصادي بين مصر وغينيا الاستوائية    مصدر سوري: قتلى من قوات الجيش في هجوم بالسويداء    جيش الاحتلال: أكثر من 100 هجوم على مواقع مختلفة في غزة خلال الساعات الماضية    حزب الوعي: مشاركة مصر في القمة التنسيقية الإفريقية تؤكد ريادتها    إسرائيل.. النائب العام يدرس توجيه اتهامات لكبير مساعدي نتنياهو في فضيحة الوثائق المسربة    مفاوض أوروبي: الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة على واردات الاتحاد الأوروبي ستعيق التجارة    وزير الدفاع الألماني يبحث في واشنطن دعم أوكرانيا والتعاون في الناتو    "مش شايف بيان الأهلي".. نجم الزمالك يفسر "ستوري" وسام أبو علي    "النادي اتخطف".. نجم الزمالك السابق يفجر مفاجأة: رئيس القطاع أهلاوي    قبل الإعلان الرسمي.. تسريب صفقة الأهلي الجديدة من ملعب التتش (صورة)    فليك يبدأ الإعداد للموسم الجديد ببرنامج بدني مكثف في برشلونة    "مقيد اليدين ومربوط بحجر".. الكشف عن هوية قتيل كفر الطراينة بالمنوفية    قضايا إبراهيم سعيد وطليقته.. قرار قضائي جديد بشأن دعوى المصروفات الدراسية لابنتيه    الداخلية تضبط 121 ألف مخالفة مرورية في يوم واحد    ضبط سائق بشركة نقل ذكي بتهمة التعدي على سيدة وصديقتها بالسب والضرب بالقاهرة    هشام جمال: "سمعت صوت حسين الجسمي أول مرة وأنا عندي 14 سنة"    الأوبرا تعلن المحاور البحثية لمؤتمر مهرجان الموسيقى العربية في دورته 33    موعد شهر رمضان المبارك 2026: فاضل فد ايه على الشهر الكريم؟    أستاذ بالأزهر: الشائعة قد تفرق بين زوجين.. وقد تصل إلى سفك الدماء    الصحة توزع 977 جهاز أكسجين منزلي لمرضى التليف الرئوي    إنجاز طبي بالمنوفية.. إنقاذ ذراع مريض بجراحة أعصاب معقدة    ب350 مليون جنيه.. رفع كفاءة محطة معالجة الصرف الصحي بدهب لتصبح معالجة ثلاثية    بعد استيرادها.. ماذا تعرف عن منطقة أم صميمة السودانية؟    بنسبة نجاح 70.47%.. نتيجة الدبلوم الصناعي دور أول برقم الجلوس 2025 (الرابط والخطوات)    محافظ أسيوط يفتتح السوق الحضري الجديد بحي غرب: نقلة نوعية لتحسين بيئة العمل للباعة    الاثنين 14 يوليو 2025.. نشرة أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع اليوم    استعلم عن لجنتك الانتخابية إلكترونيًا بالرقم القومي قبل انتخابات الشيوخ 2025 (رابط مباشر)    بعد غياب 4 أعوام.. محمد حماقي ونانسي عجرم يجتمعان في حفل غنائي بمهرجان ليالي مراسي    تفاصيل زيارة المدير التنفيذي للأكاديمية الوطنية للتدريب لدمياط لمتابعة تنفيذ برنامج «المرأة تقود»    "شباب الأحزاب" تشارك في الاجتماع التنسيقي الثالث للقائمة الوطنية من أجل مصر لانتخابات مجلس الشيوخ 2025    بعد صعود سعر الفراخ البيضاء.. أسعار الدواجن اليوم الاثنين 14-7-2025 للمستهلك الآن    كم سجل سعر الريال السعودي اليوم الاثنين 14-7-2025 بداية التعاملات الصباحية؟    لماذا يجب أن تتناول الشمام يوميًا خلال فصل الصيف؟ (تفاصيل)    استشاري طب وقائي: الالتهاب السحائي يصيب الأغشية المحيطة بالمخ والنخاع الشوكي    الري تطلق ثورة رقمية في إدارة المياه| التليمتري وتطوير الترع لترشيد الاستهلاك    وزير الخارجية: أبناء مصر بالخارج ركيزة أساسية لتعزيز مكانة مصر إقليميًا ودوليًا    نقاشات فكرية معمقة حول الوعي والذوق المسرحي بالمهرجان القومي للمسرح    عمرو يوسف يروّج ل"درويش" بصور من التريلر الثاني والعرض قريبًا    حميد الشاعري يتألق في افتتاح المسرح الروماني (فيديو)    ترامب يتهرب من الرد على سؤال حول العقوبات الجديدة ضد روسيا    بعد بيان الأهلي.. إبراهيم المنيسي يكشف مصير بيع إمام عاشور.. وجلسة حاسمة    أجواء حارة وشبورة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الإثنين 14 يوليو    أفضل عشاء لنوم هادئ وصباح مفعم بالطاقة    بداية فترة من النجاح المتصاعد.. حظ برج الدلو اليوم 14 يوليو    مي كساب تنشر صورا جديدة من حفل زفاف حفيد الزعيم عادل إمام    «انت الخسران».. جماهير الأهلي تنفجر غضبًا ضد وسام أبوعلي بعد التصرف الأخير    نجم الزمالك السابق: «مجلس لبيب خلص على رموز النادي.. واتعقدت من لقب أسطورة»    الطب الشرعي يُجري أعمال الصفة التشريحية لبيان سبب وفاة برلماني سابق    دعاء في جوف الليل: اللهم اللهم أرِح قلبي بما أنت به أعلم    "عندي 11 سنة وأؤدي بعض الصلوات هل آخذ عليها ثواب؟".. أمين الفتوى يُجيب    ترامب يسلم تشيلسي كأس العالم للأندية 2025    هل يجوز المسح على الحجاب أثناء الوضوء؟.. أمينة الفتوى تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



باب النجار مخلع‏‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 18 - 03 - 2012

ينظر فريق من أصحاب النظرة الدينية الضيقة إلي القرآن الكريم علي أنه كتاب علم‏,‏ فلم يغادر كبيرة ولا صغيرة من حقائق العلم المعاصر إلا وقد تضمنها‏!‏ فإذا سألتهم‏:‏ ففيم تخلفنا وتقدم الآخرون؟ لم هذا الباب المخلع أيها االنجارب؟ فلا يعيرون جوابا‏. وهؤلاء أنفسهم هم الذين ينظرون إلي الكتب المقدسة علي أنها التجسيد الوحيد للقيم الاخلاقية والجمالية, وكأن أصحاب الديانات الأخري لا خلاق لهم, أو كأنهم محرومون دوننا من نعمة الإحساس بالجمال!
وقد اخترت زاوية( فلسفة الدين) كما عرضها أحد أعلام فلاسفة الدين المعاصرين, هو ابول تيليش, ففلسفة الدين كما هو معلوم فرع جديد من فروع الفلسفة, ليس له ضريب في تراثنا الفكري. وابول تيليشب واحد من أهم الفلاسفة الذين تركت كتاباتهم بصمات واضحة علي الفكر الديني المعاصر, وعلي الأخص فيما يتعلق بالتجربة الدينية. ويعد أهم المتحدثين باسم الإيمان الميتافيزيقي, علي نحو ما عبر ابول إدواردزب.
تدور فلسفة زتيليشس الدينية حول مفهوم الاهتمام أو( الهم الأقصي), ويقصد بهذا المفهوم أن الدين يهتم بما هو, بل وما ينبغي أن يكون,( اهتمامنا الأقصي), وهذا يعني أن الإيمان هو الحالة التي يتم إدراكها عن طريق هذا النوع من( الاهتمام) وحده, والله هو الاسم الذي نطلقه علي مضمون هذا الاهتمام.
ونحن هنا بإزاء ضرب من الفهم( الوجودي) للدين, ذلك أن مصطلح( الهم) أو( الاهتمام) يرتبط بظهور الفلسفة الوجودية مع غيره من المصطلحات التي تدور حول الحقل الدلالي نفسه, مثل مصطلح( القلق الوجودي) الذي لا يفارق الموجود البشري في غمرة التجربة الحياتية, علي ما نجد في فلسفة زهيدجرس ومن بعده زسارترس.
يعرض زتيليشس آراءه في مواضع متفرقة من كتاباته الغزيرة حول قضايا فلسفة الدين ومشكلات الإيمان, ولعل أهمها كتابه( لاهوت الحضارة) الذي عرف فيه الدين بأنه مجلي الروح الإنسانية, ويعني بذلك أننا ننظر إلي الروح الإنسانية من زاوية خاصة; فإذا بها تبدو أمامنا روحا دينية. فما هي هذه الزاوية؟ إنها الزاوية التي من خلالها نصل إلي عمق حياة الإنسان الروحانية, فالتجربة الدينية هي( بعد العمق) في حياة الإنسان ذات الأبعاد المتنوعة والمستويات المتراوحة.
ويشرح زتيليشس ما يقصده ببعد العمق, فيرفض بداية أن يربط الدين بأية وظيفة محددة; فمع النظرة العجلي, يمكن أن نجد الدين مثلا متطابقا مع الأخلاق, طالما كان يساعد علي خلق المواطن الصالح; ولكنه في اللحظة التي يدعي فيها الاستقلال بنفسه, لن يستطيع إلي هذا سبيلا! فإما أن يتم إسكاته, أو يتم الاستغناء عنه كأي شئ زائد عن الحاجة! ولم لا؟ أليست الأخلاق قادرة علي أن تتحقق بغير معونة الدين؟
وهكذا ينظر الدين حواليه باحثا عن وظيفة جديدة له في حياة الإنسان الروحانية, وربما تجذبه الوظيفة المعرفية, فيروج الاعتقاد بأن الدين بديل عن العلم, وأن الكتب المقدسة ليست سوي مظان تحتوي من حقائق العلوم ما يفوق سائر المعارف العلمية الإنسانية في فروع العلم كافة, من علوم طبيعية كالفلك والكيمياء والجيولوجيا وغيرها, ومن علوم إنسانية كالسياسة والاقتصاد والاجتماع وسواها! وها نحن نري كيف يروج بعض الدعاة والكتاب الإسلاميين لهذه الفكرة ليل نهار; فيزعمون أن القرآن الكريم كتاب جامع لسائر ما نعرفه وما لا نعرفه من النظريات العلمية في الميادين كافة, وما من حقيقة علمية كشفها العلماء أو سيكشفونها,إلا وهي موجودة فيه!
والحق أن الدين يمكن أن يكون طريقة في المعرفة, ولكنها طريقة خاصة لا شأن لها بالمعرفة العلمية; لأنها تستند إلي الخيال أو الحدس الصوفي. ولم يعد الإنسان المعاصر يستمد معارفه العلمية من الدين, بل من العلوم المتخصصة, لا سيما بعد أن اشتد أزر المعرفة النظرية بمناهجها ومعاملها وتطورها الكمي والكيفي, فأصبحت تنطلق من فرضية أساسية, هي أن العلم لا دين له; فالدين لا يملك شيئا يفيد المعرفة العلمية من أي نوع!
ينظر الدين حواليه مرة أخري, ليبحث عن وظيفة روحانية جديدة, بعيدا عن الأخلاق والعلم, وقد يجد ضالته في الوظيفة الجمالية. ولم لا؟ فوهج الإبداع الفني له قداسته, وحماسة الفنانين العاطفية قديما وحديثا فيها ما يكفي للاستجابة والقبول; غير أن الدين لا يلبث أن يجد نفسه مطالبا بأن يسلم بأن الفن هو الدين! وهذا ما يجعله مهددا بالخطر نفسه: أن يذوب في قيمة الجمال, كما كاد يذوب من قبل في قيمة الخير التي زاحمته فيها الأخلاق, وقيمة الحقيقة التي زاحمه فيها العلم! وهكذا يجد الدين نفسه في النهاية مضطرا إلي أن يترك لكل علم مجاله الخاص, لئلا يذوب في أي فرع من المعارف الإنسانية.
ومن هنا أصبحت التجربة الدينية عند اتيليشب هي تجربة( الهم الأقصي); وكأن لكل علم إنساني همه النسبي أو مجاله المحدود الذي ينبغي ألا ينازعه إياه الدين, فالدين يتجاوز هذه الهموم الجزئية إلي ما يمكن أن نسميه( هم الهموم)! وهكذا تتجلي النزعة الميتافيزيقية التي ينطلق منها زتيليشس فيتميز من خلالها عن اللاهوت الصوفي, علي الرغم من اعترافه بأنه يتعاطف مع هذا اللاهوت. ووجه التميز يبدو هنا في أن زتيليشس يفصل بين مجالات القيم, ويجعل الدين هو التجربة الروحية الأعمق والأشمل التي تنظم هذه القيم جميعا دون أن تذوب في واحدة منها.
إن التجربة الدينية تأخذنا إلي العمق وتجلو عن أرواحنا ما ران عليها من صدأ, وتنفض ما تراكم من غبار الحياة اليومية, إنها هي التي تمنحنا خبرة المقدس وخبرة مالا يمكن أن يمس, وتجعلنا نعيش رعدة الإلهام, وتصحبنا إلي المعني النهائي, وتقف بنا علي نبع الشجاعة القصوي, إلي آخر ما توحي به تجربة( الجلال) الذي نسميه: الدين.
وعند هذه النقطة يكون زتيليشس قد أفصح بوضوح عن نظرته الميتافيزيقية الروحية التي تذكرنا بآراء زرودلف أوتوس خاصة في ربط التجربة الدينية بفكرة المقدس, وفي أننا لن نستطيع بواسطة العقل ولا بواسطة الإحساس أن نعيش هذه التجربة, فليس أمامنا إذا أردنا أن نصل إلي الله, إلا أن نتخذ إليه سبيلا غير مباشر, ألا وهو وسبيل اللغة الرمزية.
علي أن العيب الأساسي في ميتافيزيقا زتيليشس الدينية, هو تلك التأكيدات الجازمة في عبارات مسكوكة لا تخلو من بلاغة وإن كانت تخلو علي رأي زبول إدواردزس من أي صلة حقيقية بالتجربة الواقعية الحية, خاصة حين يصوغ زتيليشس آراءه في عبارات غامضة فضفاضة مثل تعبير( الهم الأقصي), الذي لا يمكن أن نعرف ما إذا كان يقصد به حالة, أو موقفا ما! أم أنه قصد الإشارة إلي موضوع هذا الموقف؟ أم قصد الأمرين جميعا! أم أنه لم يقصد هذا ولا ذاك!
ولعل زتيليشس نفسه قد أحس بما في تعبيره من غموض وتشويش, مما دفعه إلي معاودة طرح هذا المفهوم وشرحه في كتاب( دينامية الإيمان), فوحد بين الهم الأقصي وموضوعه, أي بين فعل الإيمان والموضوع الذي ينصب عليه الإيمان. غير أن ما يهمنا هنا هو الفصل التام الذي وجد زتيليشس نفسه مضطرا إليه ليحافظ علي الإيمان, ما بين الحقيقة الدينية الميتافيزيقية من جهة, وغيرها من حقائق إنسانية في العلم والأخلاق والفن.
المزيد من مقالات حسن طلب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.