سنتكوم تعلن تدمير مسيّرتين ووحدة قيادة تابعة للحوثيين في اليمن    نصر الله: لدينا ساعات طويلة عن تصوير حيفا وجوار حيفا وما قبل حيفا وما بعد ما بعد حيفا    حماس: تأكيد جديد من جهة أممية رفيعة على جرائم إسرائيل في غزة    «نرجس ونورهان» تودعان تشجيع «الأهلى» على الطريق السريع    طقس اليوم الخميس 20 يونيو.. حر شديد في أول أيام الصيف    «الهجرة» تتابع أوضاع المفقودين وعودة جثامين الحجاج    حرب الاتهامات تشتعل بين مندوبي السودان والإمارات في مجلس الأمن (فيديو)    سعر البطيخ والبرقوق والفاكهة بالأسواق اليوم الخميس 20 يونيو 2024    يورو2024، إنجلترا تسعى لتسجيل اسمها كأحد المنتخبات القوية المرشحة للقب أمام الدنمارك    تقارير: «الشناوي» على رادار الوحدة السعودي    الآلاف في رحاب «السيد البدوى» احتفالًا بعيد الأضحى    ارتفاع عدد ضحايا الانهيارات الأرضية إلى 10 أشخاص في بنجلاديش    مصرع 16 وإصابة 42 فى حوادث طرق ب 9 محافظات    العطلة الطويلة جذبت الكثيرين إلى المصايف| أين قضى المصريون الإجازة؟    كشف ملابسات تضرر أحد الأشخاص من رجال الشرطة    تصل إلى 200 ألف جنيه.. أسعار تذاكر حفل عمرو دياب في الساحل الشمالي في يونيو    هيئة الداوء تحذر من 4 أدوية وتأمر بسحبها من الأسواق    أسرع مرض «قاتل» للإنسان.. كيف تحمي نفسك من بكتيريا آكلة اللحم؟    بوتين: روسيا ستواصل تعزيز العلاقات وتطوير التعاون مع فيتنام    وفاة عروسة أثناء حفل زفافها بالمنيا    yemen exam.. رابط الاستعلام عن نتائج الصف التاسع اليمن 2024    التخزين الخامس خلال أيام.. خبير يفجر مفاجأة بشأن سد النهضة    بعد بيان الأبيض.. اتحاد الكرة يبحث عن حكم أجنبي لإدارة قمة الأهلي والزمالك    إيقاف قيد نادي مودرن فيوتشر.. تعرف على التفاصيل    تشييع جثامين أم وبناتها الثلاث ضحايا حادث انقلاب سيارة في ترعة بالشرقية    الركود يسيطر على سوق الذهب وإغلاق المحال حتى الإثنين المقبل    هل يسمع الموتى من يزورهم أو يسلِّم عليهم؟ دار الإفتاء تجيب    «آخرساعة» في سوق المدبح القديم بالسيدة زينب| «حلويات المدبح»    انفجارات واشتباكات مسلحة مع الاحتلال بالضفة الغربية    بعنوان «قلبي يحبك يا دنيا».. إلهام شاهين تُعلن عن فيلم جديد مع ليلي علوي وهالة صدقي    بعد نجاح زراعته في مصر.. هل الكاسافا هو البطاطا؟ الزراعة تجيب    "تاتو" هيفاء وهبي وميرهان حسين تستعرض جمالها.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    حمدي الميرغني يوجه رسالة ل علي ربيع بعد حضوره مسرحية "ميمو"    تامر حسني يشعل حفله بكفر الشيخ رابع أيام عيد الأضحى (صور)    خاص.. موقف الزمالك من خوض مباراة الأهلي بالدوري    قمة أوروبية.. جدول مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة    تحت سمع وبصر النيابة العامة…تعذيب وصعق بالكهرباء في سجن برج العرب    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الخميس 20 يونيو 2024 في البنوك    المركزي الكندي يدرس الانتظار حتى يوليو لخفض معدل الفائدة    حظك اليوم| برج الحمل الخميس 20 يونيو.. «وجه تركيزك على التفاصيل»    وفاة الناقد الأدبي محمود عبدالوهاب    فرقة أعز الناس.. سارة جمال تغني "ألف ليلة وليلة" في "معكم منى الشاذلي"    معظم الحجاج المتوفين خلال موسم حج هذا العام من المخالفين    وزير الرياضة ينعي مشجع نادي الزمالك    كندا تبدأ بتصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية    ارتفاع رصيد الذهب فى الاحتياطى الأجنبى لمصر إلى 456 مليار جنيه    مشروبات صحية يجب تناولها عقب لحوم العيد (فيديو)    تعرف علي المبادرات التي أطلقتها الدولة المصرية لتدريب الشباب وتأهيلهم وتمكينهم    إحالة مديرى مستشفى "ساقلتة" و"أخميم" للتحقيق لتغيبهما عن العمل فى العيد    بخطوات سهلة.. طريقة عمل كفتة داود باشا    بعد انتهاء أعمال الحج.. علي جمعة يكشف عن آداب زيارة مقام النبي والمسجد النبوي    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج بكالوريوس الطب والجراحة (الشعبة الفرنسية) جامعة الإسكندرية    إجازات شهر يوليو 2024.. تصل إلى 11 يومًا    هل ينتهي الغياب المتكرر دون إذن إلى فصل الموظف من العمل؟    مايا مرسي تستقبل رئيس الوكالة الإسبانية للتعاون الإنمائي    ما هي علامات قبول الحج؟.. عالم أزهري يجيب    علي جمعة ينصح: أكثروا في أيام التشريق من الذكر بهذه الكلمات العشر    ما هي الأشهر الحرم وسبب تسميتها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأمة العربية.. سكين فقد وظائفه
نشر في الأهرام اليومي يوم 01 - 04 - 2015

لم تنفصل التصورات المثالية حول فكرة «الأمة الواحدة» لدى مؤسس الفكر القومى «زكى الأرسوزى» عن الخيبات العربية التى نالتها
أمته حتى تبددت أوهى، على الأقل، قيد التبدد. الأرسوزى بنى أطروحته فى جملتها على اللغة كواحدة من أعلى تجليات الخصوصية الثقافية، لكنه لم يُقدَّر له أن يعيش حتى يرى تلاشى المسافة بين الأمَّة بتشديد الميم وبين الأمَة بفتحها. فالأُولى كانت حلما تجتمع حوله إرادات شتى مستهدفة تجديد مناعتها الحضارية، أما الثانية فظلت تمثيلا لأحط أشكال العبودية وأكثرها قسوة، ومن ثم بقيت بين أعلى تمثيلات الهزيمة. التقارب الذى حدث بين المفهومين «الأمَّة والأمَة» لم يجسد لدى العامة إلا حسرة تمددت عبر أكثر من قرن ونصف القرن . فالدولة التى حلم بها الأرسوزى ورفاقه فقدت بريقها وجاذبيتها لدى قطاعات عريضة من الحالمين بها بعد تصدع المشروع القومى الذى ارتبط بمشروع التحديث عبر أكثر نماذجه طليعية. ومنذ صيف السابع والستين تعززت لدى عامة العرب قبل خاصتهم فكرة وصول الصراع إلى منتهاه حيث انتصار ما بعد الكلونيالية فى صيغتها الجديدة ومن ثم كان لابد من إعادة إنتاج الحلفاء القدامى من قادة الرجعية العربية لكى يتقدموا سطح المشهد لإعادة الحيوية إلى فضائه الموحش. وهكذا حلّ نموذج الدولة الرجعية التى سرعان ما أعادت إنتاج الأبوية والطوطمية لتعزز فى النهاية تلك التصورات الاستشراقية القديمة حول دوجمائية ورجعية الفكر الإسلامى عامة والعربى على نحو خاص. وقد عمدت الأنظمة فاقدة الشعبية، بطبيعة تكويناتها المعادية لشعوبها، إلى تعزيز بقائها عبر تكريس أدوات التجهيل بالمزيد من تقديس الماضى ومن ثم إضفاء المزيد من الرواقية على الناطقين به عبر تعزيز مكانتهم ووجاهتهم الاجتماعية. لذلك يطمح ملايين من العرب المحدثين، لاسيما تلك الأجيال التى تشكلت عظامها فى أقسى عصور الهزيمة، أن يكون حكام قمة شرم الشيخ مدركين حجم الآثام التى اقترفتها دولتهم، بداية من تغييب عقلها وضميرها نهاية بتعظيم مصادرها التى لا تنضب من سوء الفهم. وإذا كان ثمة إدراك حقيقى، فى قرارات القمة، للتحولات الرهيبة فى الجغرافيا السياسية التى تنتظر المنطقة فإن ثمة ضرورة بالتالى لتجديد أدوات التعامل معها وهذا لا يستتبع فحسب إعادة النظر فى المقول النظرى للأرسوزى ومفكرى القومية العربية جملة؛ بل يستدعى الأمر فتح منافذ الضوء للفكر السياسى الجديد ، لاسيما وأن ما يحدث يستوجب إعادة النظر فى مفهوم الأمن القومى العربى جملة، ومن ثم فإن جميع التحالفات القديمة ذات الطابع الاستعمارى لن تكون مجدية فى التطلع إلى تجديد مفهوم الأمن القومى وهى أمور لا تنفصل عن ضرورات ذات علاقة وثيقة بالحرية الإنسانية التى لا يجب أن تقف عند سقوف بذاتها مهما كانت قداستها. ربما لذلك عقدت الدهشة لسان ملايين المواطنين أمام تناقضات شتى يكتظ بها مشهد التحالفات الجارية فى حرب «عاصفة الحزم» لدرجة تحولت معها المأساة العربية لفصول من الكوميديا السوداء. وقد تمددت تلك الظاهرة فى الكتابات الصحفية والإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعى، لكنها فى النهاية زادت السؤال غموضا بحيث ولد عشرات الأسئلة الجديدة التى بقيت هى الأخرى دون إجابة. ولا أشك فى أن الكثير من تلك الأسئلة، فضلا عن أفقيتها وسطحيتها، تتجاوز حاجتنا للفهم. فالعقل العام لم يعد فى حاجة إلى أفكار تتغذى على شرعية الفقه والفقهاء قدر حاجته إلى عودة تلك الأفكار إلى وظيفتها الأدائية والنفعية لتنتج فعلا أرضيا يقلص مساحات الهزيمة فى نفوس الناس ، وهو جوهر ما يتحدث به فيلسوف النفعية «جون ديوي» الذى يرى أن صواب الفكرة لا يجب أن يستند إلى برهان من السماء بل يجب أن يستند إلى سلامتها فى الواقع، وتوضيحا لهذا المعنى يقول زكى نجيب محمود إن السكين يفقد وظيفته إذا فشل فى قطع غيره لأنه، فى الأصل، أداة تعالج شيئا سواها. وسكين زكى نجيب محمود هنا يمثل قرينا للخطاب السياسى العربى الذى فقد وظائفه، وجزء كبير من تلك المشكلة يكمن فى تناقضات شتى نراها فى محتويات تحالف «عاصفة الحزم»، والمطالبة بالوضوح هنا لا تعنى أكثر من حتمية إزالة هذه التناقضات حتى يبدو الخطاب السياسى العربى متماسكا ومن ثم يكون قادرا على تقديم البرهان على منطقيته وعقلانيته، ولن يحدث هذا إلا بإدراك المتطلبات الجديدة للأمن القومى العربى بعيدا عن وصاية تحالفات ما بعد الحرب العالمية الثانية. فتجديد وظائف الدولة العربية لن يتم بعيدا عن تجديد مفاهيمها حتى لو امتلكت دولها، لاسيما الريعية منها، فوائض مالية باذخة. فقد تأكد للكافة أن تلك الفوائض لم تمثل أدوات حماية قدر تحولها لأداة من أدوات تكريس التبعية. وربما بسبب من تلك الصورة السوداوية، التى انتهت إليها الدولة العربية ، لم يعد هناك من يملك رفاهية الاختلاف مع عشرات المفكرين الذين وصفوا القومية ومفكريها بأنهم مجموعة من الميتافيزيقيين الذى يعيشون خارج الزمن. فالمسوغات التى وضعها زكى الأرسوزى ورفاقه لتلك الدولة تميزت بالكثير من الإقصائية والانغلاق لاسيما فى فهما للآخر. يتجلى ذلك فى التكريس لفكرة «الرحمانية» المنتهية إلى الرحم الواحد ثم فكرة قبلية الأمة أو أسبقية خلقها على الأفراد أنفسهم ثم تحولها لمعنى مطلق يتجاوز فكرة الزمن وهو ما يدفعها فى النهاية إلى أن ترسف تحت أغلال المثالية التى تعيد إنتاج الماضى وهى تعتقد بتجددها. من هنا أتصور أن الأمة العربية تحتاج أشد ما تحتاج إلى تفعيل قانون «الانتخاب الطبيعي». ورغم ما فى هذا التعبير من قسوة تضاهى قسوة علماء البيولوجيا الذين اخترعوه، إلا أنه يظل واحدا من حتميات استمرار الحياة على هذا الكوكب. فالكائنات الحية، كما يقول «كارل بوبر»، تتطور عن طريق المحاولة والخطأ، وعادة ما يتم استبعاد محاولاتها الخاطئة عن طريق استبعاد الكائن حامل الخطأ، وأظن أن أمتنا فى أشد الحاجة إلى تلك الاستئصالية الحميدة.
لمزيد من مقالات محمود قرنى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.