هى التى تحملت كدر العيش من أجلك أنت.. وهى التى اختارت أن تكون أنت العوض عن قسوة الأيام .. وهى التى ترملت عليك بعد أن فقدت رفيق الدرب وشريك العمر، واختارت أن تكون أنت «سندها» وأملها القادم .. فشمرت عن ساعديها وامتهنت الوضيع من الحرف لتكسوك وتطعمك وتكمل تعليمك. إنها الأم وحدها التى تستطيع أن تقدم هذا البذل والعطاء فى أسمى درجات التفانى وإنكار الذات من أجل صغارها وفلذات أكبادها، دون أن تفكر لحظة: أيكونون أبرارا بها أم جاحدين!. نعم، ليست كل الأمهات كذلك.. لكن كلهن أوصى بهن القرآن ورسوله صلى لله عليه وسلم.. ليس لأنها حملتك تسعة أشهر فى بطنها، ولا لأنها أرضعتك حولين كاملين، ولا لأنها سهرت على تربيتك فوصلت الليل بالنهار من أجل راحتك.. أنت وحدك. فقط لأنها «أمك»...أمرك الله بالبر بها والإحسان إليها وإن بلغت بها الذنوب ما بلغت، وإن رأيتها مقصرة فى حقك، وحسبت أنها ليست أهلا لهذا البر، فالذى أمر بالبر أعلم بمن أولاه هذا الحق. وأكد علماء الدين أن الاحتفال بالأم وتكريمها فى مناسبة معينة أمر محمود، ويجب تأييده والمحافظة عليه، وتقديم الهدايا لها اعترافا بفضلها فهذه ترجمة عملية لمبادئ الإسلام فى تكريم الأم والإحسان إليها. كما أن الاحتفال بيوم الأم فرصة لإبداء المشاعر الطيبة نحو من قدموا لنا معروفاً، فإن الأم لها منزلة خاصة فى دين الله، بل فى كل دين، ولذلك يجب أن تكرم وأن تحترم وأن يحتفل بها. الأم لماذا؟ يقول الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق: الحنو على الأبناء والاهتمام بهم والتضحية من أجلهم فطرة إنسانية وهبها الله كل أب وكل أم، لذا فليس غريبا أن نجد أن الوالدين هما الوحيدان اللذان يتمنيان أن يكون أبناؤهما أفضل منهما، ويبذلان فى سبيل ذلك الكثير، والأم بحكم فطرتها وطبيعتها هى التى تتحمل المشقة الأكبر من أول أيام الحمل مرورا بالوضع وآلام المخاض ثم الرضاعة فالفطام فالتدريب على الطعام والمشى منفردا، ثم السهر على تربية الابن وتطبيبه يوم يمرض، وحتى حينما يكبر تشاركه أمه السهر للاستذكار وترتب له أوقاته ما بين النوم والمدرسة والدروس، ونحو ذلك، فللأب دور فى التربية، لكن للأم الدور الأهم والأكبر الذى لا يستطيع الرجل أداءه بحكم طبيعته. وإذا ما أُغضب الابن أو قسا عليه أبوه، كانت الأم هى الحضن الدافئ الذى يلوذ إليه الابن وتتفنن فى تحويل دموعه وصرخاته إلى ابتسامات وضحكات. لذا فإن من له أم على قيد الحياة يجب عليه كل صباح أن يقبل يديها وقدميها ويضعها فوق رأسه، فالأم هى البركة والحنان، وينبغى على الإنسان أن يعطيها المكانة الأولى فى الحياة بعد طاعة الله ورسوله صلى لله عليه وسلم، ولعظيم فضل الأم، قدمها النبى صلى الله عليه وسلم ثلاثا على الأب فى الحديث المشهور، حينما سئل عليه الصلاة والسلام: «من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك». ويوضح الشيخ عاشور أننا يجب أن نعلم أن البر بالأم والوالدين عموما، ليس لهذه الأسباب وحدها، ولكنه قبل ذلك طاعة لله عز وجل وامتثال لأوامره، فإذا قرن الله بين طاعته وطاعة الوالدين فى قوله «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا»، فذلك لعظم شأن الوالدين، فالله لا يقرن شيئا بعبادته إلا أن يكون عظيما. ومن ثم فمن أراد أن يطيع الله ورسوله فليبر والديه، فإذا أمر الله ورسوله ليس لنا إلا أن نقول سمعنا وأطعنا. ويخطئ من يظن أن للبر بالأم أو الوالدين عموما حدودا يمكن أن يكافئ بها الابن والديه، فمهما قدم الابن لوالديه فهو مقصر، ولن يبلغ قدرهما، وقد جاء رجل للنبى صلى الله عليه وسلم قائلا له: يا رسول الله حججت بأمى أحملها على ظهري..فهل وفيتها حقها؟ فقال له النبي. لا والله ولا طلقة واحدة من طلقات المخاض!..ولعل ذلك ما كان يدفع بعض الصحابة الكرام إلى التأدب مع آبائهم فى كل شيء، حتى قال أحدهم: ما أكلت مع أمى فى إناء واحد قط، ليس عقوقا لها، ولكن خشية أن تقع يدى على لقمة كانت تتطلع عيناها أن تأكلها، فأكون قد عققتها! وهدايا للآباء ويقول الدكتور حامد أبو طالب العميد السابق لكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر إن الاحتفال بالأم وتكريمها فى مناسبة معينة أمر محمود، ويجب تأييده والمحافظة عليه، ذلك أن الإسلام العظيم عرف فضل الأم على الإنسان، وأنها هى المحملة بالعبء الأكبر فى إيجاد خليفة الله على الأرض، فهى التى تحمله وتلده وترضعه وتربى وتسهر وتتعب وتشقى، فليس كثيرا عليها أن نحتفل بها، وأن نكرمها باستمرار، ولكن إذا تميز يوم معين لتكريمها وتقديم الهدايا لها، اعترافا بفضلها فهذه ترجمة عملية لمبادئ الإسلام فى تكريم الأم والإحسان إليها. وأضاف، إنه لاشك فى أن الإسلام العظيم يكرم الأبوين وأوصى بهما حيث قال تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا، حملته أمه كرها) إذن الإحسان إلى الأبوين سببه الأم، بمعنى أن الأب يحسن إليه تبعا للأم لأن الأصل فى الإحسان للأم فهى التى حملته كرها، ووضعته كرها، ويوصى الدكتور أبوطالب الأبناء بأن يقدموا هدايا لأمهاتهم وإلى جانب الأمهات يقدمون للآباء هدايا ولو رمزية لإدخال السرور على الوالد أيضا. إحياء ذكرى طيبة ويقول الدكتور مختار مرزوق عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر فرع أسيوط، إن الاحتفال بأيام فيها تكريم للناس، فرصة لإبداء المشاعر الطيبة نحو من قدموا لنا معروفاً، ومن ذلك ما يعرف بالاحتفال بيوم الأم، أو بعيد الأم، فإن الأم لها منزلة خاصة فى دين الله، بل فى كل دين، ولذلك يجب أن تكرم وأن تحترم وأن يحتفل بها، فلو اخترنا يوماً من أيام السنة يظهر الأبناء مشاعرهم الطيبة نحو والديهم لما كان فى ذلك مانع شرعي. وعيد الأم هو من العادات وليس من العبادات، وبدع العادات لا يأمر بها الإسلام ولا ينهى عنها إلا إذا كانت تتصل بالدين من قريب أو من بعيد، فإذا كانت هذه العادات تعبر عن الوفاء والاعتراف بالجميل وتدعو إلى البر والإحسان إلى من يستحق البر والإحسان كالأم والأب ومن فى حكمهما كالخالة والخال أو الجدة والجد، فإن الإسلام يبارك هذه العادات ويقرها. ليس يوما واحدا كما طالب الدكتور مرزوق كل إنسان بأن يحتفل بوالديه كل يوم، وليس يوما واحداً، ومن الدليل على أن المسلم الحق وجب عليه أن يعنى بوالديه فى كل وقت، أن رجلا استأذن النبي، صلى الله عليه وسلم فى الجهاد، فقال له ألك أم؟ فقال له نعم، فقال الزمها، فإن الجنة عند قدميها. وأشار الدكتور مختار مرزوق إلى أن الله عز وجل أعلى من بر الوالدين وجعله شكرهما مباشرة بعد شكر الله أن خلق الإنسان فى هذا الوجود، لأنهما هما السبب فى وجوده فى هذه الدنيا « ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله فى عامين أن اشكر لى ولوالديك إلى المصير.....».ومن هنا فإن كل إنسان قبل أن يبر والديه، وحينما يقوم ببرهما، عليه أن يتذكر دائما أنهما أصل وجوده بعد إرادة الله، وأن أمه حملته وهنا على وهن، ثم أرضعته، وقامت على شئونه وهو لا يعى من الأمر شيئا.