على الرغم مما لقيه الإمام الشافعى من بعض المتعصبين لمذاهب أخرى فقد ظل يتابع حلقات الحوار والدرس والناس يفدون إليه من مختلف الأقطار مفتونين بطريقته فى الإلقاء والجدل وببلاغته حين يخطب الجمعة حتى أسموه «خطيب الفقهاء». ولعل أبرز ما كان يتميز به الإمام الشافعى أنه اتجه بالفقه اتجاها علميا جديدا فهو يعنى بالقواعد الكلية ولا يضيع وقته فى الفروع لأن ما يصح على الكل ينطبق بالضرورة على الجزء. وكان الشافعى يطالب الفقهاء والولاة والقضاة بإتقان اللغة العربية لكى يفهموا النصوص فهما كاملا.. لأن اللغة العربية هى اللغة التى نزل بها القرآن تبيانا لكل شىء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين.. فمن لا يتقن العربية غير جدير بالنظر فى الشريعة الإسلامية.. وكان يعنى بوضوح أن إتقان العربية ليس مجرد إتقان النطق بها وإنما إتقان علومها من نحو وصرف وفقه ولغة وبلاغة وأدب وشعر... وهذا هو ما انتهجه فى العصر الحديث فضيلة الشيخ الشعراوى ليصبح فارس الدعاة. وهناك قصة شهيرة تدلل على صحة ما انتهى إليه الإمام الشافعى حول أهمية إتقان اللغة قبل الشروع فى إبداء الفتوى والتعرض لمضامين الفقه: كان الإمام الشافعى يدير حلقة عن القرآن فى جامع عمرو بن العاص فسأله أحد الحاضرين وكان من إقليم خراسان: ما هو الإيمان يا فضيلة الإمام- فرد الشافعى: ماذا تقول أنت فيه- قال «الخراساني»: «الإيمان قول».. فرد عليه الشافعي: من أين جئت بذلك؟! قال الرجل: من قوله تعالي: « إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات» فصارت «الواو» فصلا بين الإيمان والعمل. فسأله الشافعي: معنى ذلك أنك ترى أن «الواو» حرف فصل.. فأجابه «الخراساني» نعم. قال الشافعى: إن الأخذ بما تقول به معناه أنك تعبد إلهين.. «إلها» فى المشرق و«إلها» فى المغرب لأن الله تعالى يقول: رب المشرقين ورب المغربين». قال الخراساني: سبحان الله أتجعلنى وثنيا كافرا يا فضيلة الإمام؟! أجاب الشافعي: بل أنت الذى جعلت نفسك كذلك بزعمك أن «الواو» حرف فصل. وغدا نواصل الحديث خير الكلام: من لا يسأل الناس شيئا هو أغناهم ! [email protected] لمزيد من مقالات مرسى عطا الله