الكنيسة الأرثوذكسية تحتفل اليوم بتذكار رئيس الملائكة جبرائيل    إعلان الحكومة الجديدة خلال ساعات ودعوة النواب أول الأسبوع المقبل    التفاح ب40 جنيهًا والموز ب30.. أسعار الفاكهة في أسواق الإسكندرية اليوم الخميس 20 يونيو 2024    عيار 24 الآن.. أسعار الذهب اليوم الخميس 20-6-2024 في محافظة المنيا    معيط: تحويل تريليون و117.4 مليار جنيه ل«المعاشات» خلال 6 سنوات    طلب إحاطة بشأن ارتفاع عدد الوفيات في صفوف الحجاج المصريين    أول إجراء من قبرص تجاه اللبنانيين بعد تهديدات نصر الله    الاتحاد الأوروبي يعلن عن فرض حزمة جديدة من العقوبات ضد روسيا    عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى    حماس تتمسك بعودة اللاجئين وترفض محاولات إسرائيل إلغاء الأونروا    وقف القيد بسبب 941 ألف دولار، فيوتشر يقترب من حل الأزمة    بعد رفض الأهلي.. تطور عاجل بشأن احتراف زين الدين بلعيد في بلجيكا    عاجل - ماذا حدث في واقعة مصرع نورهان ناصر ونرجس صلاح عقب مباراة الأهلي الأخيرة؟ (التفاصيل الكاملة)    إقبال كبير على حدائق القناطر الخيرية آخر أيام إجازة العيد (صور)    تشييع جنازة أم و3 من بناتها لقين مصرعهمن في حادث مروع بالشرقية    التصريح بدفن جثة طالب أنهى حياته شنقا بسبب رفض والده إصلاح هاتفه    «التضامن»: بدء عودة حجاج الجمعيات الأهلية إلى أرض الوطن غدًا    شواطئ الإسكندرية تستقبل زوارها في آخر أيام إجازة عيد الأضحى    قوافل مرورية للتأكد من جاهزية اللجان لاستئناف امتحانات الثانوية العامة بالإسكندرية    خالد فودة: بعثة حج جنوب سيناء بخير.. والعودة الإثنين المقبل    رسالة أحمد عز ل الفيشاوي وداوود بعد الأرقام القياسية ل فيلم ولاد رزق 3 (تصريح خاص)    ثقافة الإسماعيلية تنظم حفلات وعروضا للفنون الشعبية    ماذا قال أحمد عز ل يسرا قبل إنطلاق أول عروض مسرحية ملك والشاطر؟    التعليم العالي: تنظيم زيارة للطلاب الوافدين لمستشفى سرطان الأطفال 57357    فى 3 خطوات فقط.. حضري أحلى ستيك لحم بالمشروم (المقادير والطريقة)    انقطاع الكهرباء عن ملايين الأشخاص في الإكوادور    مليون أسرة تستفيد من لحوم صكوك أضاحى الأوقاف هذا العام.. صور وفيديو    بعد انتهاء عيد الأضحى 2024.. أسعار الحديد والأسمن اليوم الخميس 20 يونيو    الإسكان: 5.7 مليار جنيه استثمارات سوهاج الجديدة.. وجار تنفيذ 1356 شقة بالمدينة    الأهلي يحسم مصير مشاركة عمر كمال أمام الداخلية اليوم    أول تحرك لنادي فيوتشر بعد إيقاف قيده بسبب "الصحراوي"    سنتكوم: دمرنا زورقين ومحطة تحكم أرضية ومركز قيادة للحوثيين    محمد صديق المنشاوى.. قصة حياة المقرئ الشهير مع القرآن الكريم    عاجل - قوات الاحتلال تقصف مربعا سكنيا غربي رفح الفلسطينية    عاجل - "الإفتاء" تحسم الجدل.. هل يجوز أداء العمرة بعد الحج مباشرة؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 20-6-2024    طواف الوداع: حكمه وأحكامه عند فقهاء المذاهب الإسلامية    الإفتاء توضح حكم هبة ثواب الصدقة للوالدين بعد موتهما    تقرير: واشنطن لا ترى طريقا واضحا لإنهاء الحرب في غزة    وول ستريت جورنال: 66 من المحتجزين في غزة قد يكونوا قتلوا في الغارات    عاجل - تحذير خطير من "الدواء" بشأن تناول مستحضر حيوي شهير: جارِ سحبه من السوق    ثلاثة أخطاء يجب تجنبها عند تجميد لحوم الأضحية    منتخب السويس يلتقي سبورتنج.. والحدود مع الترسانة بالدورة المؤهلة للممتاز    كيفية الشعور بالانتعاش في الطقس الحار.. بالتزامن مع أول أيام الصيف    مبدأ قضائي باختصاص القضاء الإداري بنظر دعاوى التعويض عن الأخطاء    تعرف على خريطة الكنائس الشرقيّة الكاثوليكية    يورو2024، إنجلترا تسعى لتسجيل اسمها كأحد المنتخبات القوية المرشحة للقب أمام الدنمارك    الآلاف في رحاب «السيد البدوى» احتفالًا بعيد الأضحى    التخزين الخامس خلال أيام.. خبير يفجر مفاجأة بشأن سد النهضة    هل يسمع الموتى من يزورهم أو يسلِّم عليهم؟ دار الإفتاء تجيب    تشييع جثامين أم وبناتها الثلاث ضحايا حادث انقلاب سيارة في ترعة بالشرقية    «آخرساعة» في سوق المدبح القديم بالسيدة زينب| «حلويات المدبح»    تحت سمع وبصر النيابة العامة…تعذيب وصعق بالكهرباء في سجن برج العرب    "تاتو" هيفاء وهبي وميرهان حسين تستعرض جمالها.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    خاص.. موقف الزمالك من خوض مباراة الأهلي بالدوري    حظك اليوم| برج الحمل الخميس 20 يونيو.. «وجه تركيزك على التفاصيل»    حظك اليوم| برج السرطان الخميس 20 يونيو.. «ركز على عالمك الداخلي»    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج بكالوريوس الطب والجراحة (الشعبة الفرنسية) جامعة الإسكندرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرئيس وأصحاب الرِفْعَة المسروقة
نشر في الأهرام اليومي يوم 24 - 12 - 2014

فى معنى الدولة ومعنى المثقف دَبّجَ كثرة من مثقفينا عشرات «النظريات» التى ربما تكفى لمصادرة المستقبل حتى قيام الساعة. لم يكن الخطل الوحيد يتحصل فى انتهاء تلك التصورات حول مستقبل الثقافة إلى مضامين طبقية شديدة البؤس،
بل كان أخطرها ذلك الفصل المستمر والمتنامى بين ما يسميه «تيرى إيجلتون» ب «الثقافة العليا» فى مقابل «الثقافة الشعبية». صحيح أن التجليات العميقة للمعنيين تبدو أشمل من مفهوم الطبقية، لكن هذا الصراع فى الثقافة المصرية لم يأخذ من المعنى إلا أكثر مضامينه سوءا. وهى إشكالية لم يمسها أحد من المعنيين بعلم اجتماع الأدب أو سيسيولوجيا الثقافة باستثناء المفكر السياسى نبيل عبد الفتاح الذى كرس لها عدة مقالات شديدة الخطر والأهمية نُشِرت على ذات الصفحة التى أتحدث منها. وأنا هنا أسجل انطباعاتى كشاعر لا يدعى امتلاك أدوات الباحث وإن امتلك حُرقَة الخائف المرتاب فى صورة الثقافة ومثقفها بعد ثورتين كبيرتين. فتغييب «المثال» فى ثقافتنا على مدى أكثر من أربعين عاما دفع الشعبيين لصناعة مثالهم وأنبيائهم وآلهتهم واصطفاء رموز من بينهم، وما كل مدارس الفقه التكفيري، متعددة الآلهة والمرجعيات، سوى واحدة من تلك التجليات. الشعبيون وحدهم دفعوا ثمن الثقة التى يمنحها العامة لنخبة خائنة. وليست الثقافة المصرية فى ذلك مثالا فريدا. فالأحلاف العسكرية لديها مثقفوها، وأجهزة المخابرات، ومؤسسات الحكم ، ورجال المال والسلاح يملكون أيضا مثقفين قادرين دائما على استنبات الورود من شواهد القبور. الدهشة هنا لا تعنى إدراكا متأخرا لحجم الخيبة، قدر كونها تعنى أن شيئا لم يتغير، رغم أن التغيير كان ولا يزال مطلبا شعبيا منح السلطة الجديدة أنبل مواثيق الحماية.
ولأن الهاجس العميق خلف هذه الكتابة هو صورة ذلك اللقاء الذى رتبته جهات لا نعرفها لعدد من المثقفين الذين التقوا رئيس الجمهورية، وهو ربما اللقاء الثالث منذ تولى الرئاسة الجديدة سدة الحكم، فمن المهم تأكيد أن النقاش لا يتعلق بالأسماء المشاركة قدر تعلقه بمدلول المقابلة ومحتواها دون التطرق إلى أقدار وتوجهات ممثليها، ولا أستثنى من حديثى سوى شابين اثنين من ممثلى الكتابة الجديدة حضرا ذلك اللقاء، وبدا حضورهما كأنه زهرة تدارى فوهة مقبرة. فغالبية الحضور من أبرز ممثلى الأنساق السلطوية على مدى أكثر من خمسين سنة، وهى أنساق لم يقلقها أبدا أن ترى المكون الثقافى يعمل لصالح منظومات «ضد بشرية» إن صحت التسمية. فعلى مرأى ومسمع منهم ظلت اقتصاديات الدولة مرتهنة لرأسمالية فجة، الحريات ظلت فأرا فى مختبر يمكن الفتك به فى أى لحظة تحت وطأة التجربة، العدالة هاربة إلى مأوى أكثر أمنا، والعامة يستغيثون فلا يُغاثون. فالمثقف الذى كان يجب أن يكون صوتا لهم أصبح سوطا عليهم. وأتذكر هنا أن أحد التعريفات الطريفة التى قدمها «إليوت» للثقافة أنها: «الكُرُنب المسلوق، موسيقى الشعب ، الموانئ ، حارات ومدقات الأجداد، دورات الألعاب الرياضية». والمعنى هنا أن تعريفات الثقافة لا تبقى صفوية سوى عند النخبة التى تحافظ دائما على تعاليها بحيث تظل مفصولة عن محيطها الشعبي. لذلك أتصور أن الدولة الجديدة، ونحن معها، فى أمس الحاجة إلى تجاوز الحديث عن اختصار المعركة القادمة فى المواجهة مع تيارات الإظلام وحكايات السلف إلى البحث فى الكيفية التى يصنع بها المجتمع مثاله وقدوته عبر نخبة لم تحقنها مضادات العزلة. من هنا أتصور أن المعركة الحقيقية لمصر الجديدة ترتبط بقدرتها على جسر الهوة بين ما يسمى بالثقافة العليا وبين الثقافة الشعبية. لكن ذلك، على الأرجح ،لن ينهض به مثقفو السلطة القديمة الذين نراهم فى غدونا ورواحنا يقبضون على ناصية القول والفعل فى آن واحد. فهذا النموذج ظل يناضل للالتحاق بالثقافة العليا ، لكنه فى الطريق إلى ذلك ارتكب أخطاءه التاريخية باحتقار طبقته والانسلاخ عنها فبدا بتعبير جرا مشى «هاربا طبقيا»، وكان الشاعر والناقد «ماثيو أرنولد» يطلق على هؤلاء : «أصحاب الِرفْعَة المسروقة». لا أتحدث هنا عن الخطب الرنانة التى يلوكها هؤلاء، فهم أصحاب لغة ساحرة لكنهم أصحاب مواقف غائرة، وهو الأمر الذى بدد من الذهنية العامة فكرة المثقف النقدى غير القابل للاستلاب. ومن الناحية الموضوعية فإن الثقافة العليا وأصحابها يقدمون أنفسهم باعتبارهم نموذجا للثقافة الأخلاقية وهى رؤية رجعية بطبيعتها، من هنا سيظل حديثها المُدَاجى للحرية والعدالة والتقدم محض هراء، لذلك أتصور أن الحكم الجديد يبدو كَشَاةٍ تسير فى حماية الذئاب. ولا أشك فى أن الرئاسة الجديدة تملك رؤية للمستقبل وأنها جادة فى التغيير لكنها لم تسلك الطريق الصحيحة إلى ذلك حتى الآن. ومن المهم هنا أن يعلم السيد الرئيس أن ما حدث من فساد فى كل مفاصل الدولة كان صعب الأثر فى الثقافة، وأن تهميش القطاعات الشعبية العريضة قابله تهميش قطاعات واسعة من مثقفين نوعيين ووطنيين طالما تعلمنا منهم، بالإضافة إلى قطاعات من الأجيال الجديدة التى تنتظر تغييرا موضوعيا يؤدى إلى دمجها ضمن أطر أكثر عدلا وأخلاقية. وسيظل مدهشا تكرار ذات الوجوه وتكرار ذات الأدوار. فكيف استساغ من قام على الاختيار استبعاد أسماء مثل: صنع الله إبراهيم، بهاء طاهر، عاصم الدسوقى، حسن حنفى، محمود إسماعيل ، مراد وهبة ، محمد عنانى وغيرهم عشرات. إن الغالبية من حضور لقاء الرئيس هم من الداعمين الأساسيين لإبقاء أوضاع الثقافة على ما هى عليه، فهم يدركون أن المعنى الجوهرى للتغيير هو أن تطالهم الإزاحة. إن هؤلاء من مثقفى «السياجات المغلقة» حسب تعبير «تيرى إيجلتون»، لا يصلحون عنوانا للدولة الجديدة .ويظل السؤال الأجدى بالإجابة فى لحظتنا هو كيف نعيد اللحمة بين ما يسمى بالثقافة العليا والثقافة الشعبية باعتبارهما عنصرى الصعود المجتمعى ولُحْمَتُه. فإذا كانت الثقافة العليا قد اختارت العزلة فغابت عن التأثير؛ فقد اختارت الثقافة الشعبية الذهاب إلى مصير جائر فقدت فيه الكثير من العقل كما فقدت فيه الكثير من الإيمان بتلك النخبة التى خانتها ولاتزال .
لمزيد من مقالات محمود قرنى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.