منتهى التناقض أن يقوم سفير بريطانيا فى التجول بحرية كاملة فى القاهرةوالمحافظات ويقوم بزيارة إلى محافظة المنيا وهى من محافظات الصعيد «الجواني» كما نقول ويتجول فى الأسواق والمدارس والجامعات، ويلعب الكرة مع الشباب هناك، ثم نفاجأ بعد ذلك بقرار إغلاق السفارة البريطانية بحجة المخاوف الأمنية. الأمر المؤكد أن حادث اشتعال النار الذى حدث أول أمس الجمعة فى سيارة للأمن المركزى بالقرب من السفارة البريطانية ليس له علاقة من قريب أو بعيد بتلك المخاوف الأمنية فالحادث «عادي» «وعابر» ويتعلق بمشاكل يمكن حدوثها فى أى سيارة عادية ولاعلاقة له من قريب أو بعيد بالأعمال الارهابية أو التخريبية، كما ان قرار إغلاق السفارة سابق على هذا الحادث. حتى لو كانت هناك معلومات لدى السفارة البريطانية أو الكندية التى أغلقت هى الأخرى سفارتها بعد ذلك، فلماذا لم يتم تقديم هذه المعلومات إلى الأجهزة الأمنية فى مصر لاحتواء الموقف والسيطرة عليه، إلا اذا كانت تلك المخاوف بلا دليل أو سند، وإنما مجرد أوهام وتكهنات لا أساس لها من الصحة. هناك 170 بعثة دبلوماسية تعمل فى مصر وينظم عملها العديد من الاتفاقيات الدولية، ومن بينها اتفاقية فيينا التى تنظم عملية تأمين السفارات وفقا لمبدأ المعاملة بالمثل، إلا إذا كانت هناك درجة من الخطورة تستدعى غير ذلك، كما أن سفارات الدول الكبرى تحظى باهتمام خاص، وهذا أمر طبيعي، والغريب فى الأمر أنه فى حالتى السفارتين البريطانية والكندية أنهما لم يبلغا وزارة الخارجية قبل غلق أبوابهما، وتم الإبلاغ بعد اتخاذ القرار، وهذا موقف غير مفهوم ويصب فى صالح محاولات بعض الدول «للتشويش» على مصر الآن، و«إرباك» خططها الاقتصادية والسياسية، فالمؤتمر الاقتصادى على بعد عدة أشهر قليلة، وهناك توجه دولى لصالح دعم مصر اقتصاديا ومساعدتها لكى تعود أفضل مما كانت، وما يحدث فى السفارات الآن يسير عكس ذلك الاتجاه، أيضا فهناك مؤشرات قوية على تعافى مصر سياحيا خاصة ونحن تستعد لاستقبال «الكريسماس» «ورأس السنة» وهما من المواسم السياحية المهمة لمصر، وقد بذلت وزارة السياحة جهودا جبارة لإعادة تشغيل عجلة السياحة حتى جاءت أخبار غلق السفارتين وتحذير السفارة الخارجية الاسترالية لرعاياها من السفر إلى مصر بحجة احتمال وقوع أعمال إرهابية ضد المواقع السياحية والوزارات الحكومية والسفارات لتضرب تلك الجهود فى مقتل دون مبرر معقول أو منطقي. الغريب فى الأمر أن تطلب بعض الدول غلق الشوارع المؤدية إلى سفاراتها، وكأنها طلبات إذعان، متجاهلين فى ذلك حق المواطن فى استخدام شوارع بلده، وأنهم لا يمكن أن يفعلوا هم ذلك فى بلادهم، ويكفى تماما الإجراءات الأمنية المشددة التى تقوم بها وزارة الداخلية لتأمين السفارات فى القاهرة والجيزة، وهى اجراءات كافية تماما لتأمين تلك السفارات بعيدا عن المبالغة وغلق الشوارع، وتعطيل مصالح المواطنين، مما ينعكس بالسلب على مشاعر المواطن المصرى تجاه تلك الدول وسفاراتها فهم ليسوا من «طينة» أخرى ويجب ألا نعذب المواطنين المصريين لارضائهم. مايحدث الآن من تصرفات لبعض الدول الأجنبية يدخل فى إطار فكرة «المؤامرة» لضرب مصر وتنفيذ المخطط الشيطانى «لبعثرة» الدول العربية ومحاولة تركيعها بضرب وحدتها الداخلية أو ضرب اقتصادها وأمنها و «إرباك» خطط الاصلاح السياسى بها. فعلوا ذلك فى ليبيا وسوريا واليمن والعراق ولاتزال مصر وسوف تستمر ان شاء الله عصية عليهم، ومن الواضح ان تماسك مصر وقوتها يفقدهم صوابهم ويتحول الأمر إلى خطوات انفعالية لكنها لن تكون مؤثرة فى كل الأحوال، وعلينا السير بكل قوة حتى نستطيع إقامة الدول الديمقراطية المدنية العصرية الحديثة التى تأخرت اكثر من 60 عاما، ويجب ألا تضيع الفرصة مرة أخرى تحت أى ظرف. لمزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة