منذ أطلق الرئيس السادات سامحه الله صيحته التى تقول: إن 99% من أوراق اللعبة بيد أمريكا.. وبتنا نسير معصوبى العينين وراء أمريكا.. بل كدنا نختزل العالم كل العالم فى أمريكا.. حتى صدق القول الذى يداعب فيه الفنان محمد صبحى عامة الناس فى مصر عندما يقول: ماما أمريكا!.. وقد سار الرئيس المخلوع.. والآخر المعزول على هذه الّسُنة غير الحميدة.. لا يحيدان عنها فتيلا.. وظل الحال على ما هو عليه لا نرى فى الكون سوى أمريكا، حتى إن بعض المحللين السياسيين فى سويسرا وهو المفكر «جان» كتب كتابا عن العالم الثالث وصف فيه مصر فى زمن المخلوع بأنها مستعمرة أمريكية، ورئيسها عميل أمريكى يقوم بعمل شاه إيران بعد سقوطه وهو حماية المصالح الأمريكية فى الشرق!! أقول كنا نشعر بذلك ولا يتكلم أحدنا لا سامحنا الله ومعظمنا، كتاب ومفكرون وأدباء ومثقفون، صمتوا دهرا.. وعندما تكلموا.. لم يكن كلامهم سوى الكفر ذاته! بعبارة أخري.. لقد ظللنا ننظر لأمريكا وكأنها «الجنة» التى وعد الله بها المتقين!.. الى أن جاء السيسي، الذى اختاره الشعب فأعاد الصورة الصحيحة واتجه الى أوروبا القارة العجوز وقام بتفكيك العلاقة التى كانت تربط بين أوروبا وأمريكا.. واستقبلته فرنسا، كأحد الرؤساء الميامين.. وكذلك فعلت ايطاليا ورحب به قداسة البابا فرانسيس فى الفاتيكان! ما معنى ذلك؟ معناه أن مصر قد اخترقت أوروبا وأعادت الى الأذهان خصوصية العلاقة مع فرنسا باعتبارها الرمز السياسى للاتحاد الأوروبي.. كما طرحت على بساط البحث العلاقات الأورومتوسطية التى كانت مصر شريكا لفرنسا فى زمن ساركوزي، وحلم الاتحاد من أجل المتوسط الذى لم يكتمل.. ناهيك عن العلاقات الثنائية.. والدور المحورى الذى تلعبه الثقافة المصرية أو القوى الناعمة المصرية، وشغف الفرنسيين بآثار مصر القديمة.. وقد بدا الانسجام بين أولاند والسيسى وتطابق وجهات النظر بعد أن كانت تسير الحذاء وراء الحذاء بالنسبة لأمريكا! باختصار لقد بدا للأعمى والأعشى والبصير على السواء، أن القارة العجوز قد تحررت الى حد كبير من ربقة الموقف الأمريكي.. فبينما نجد أن الهيبة الدولية لمصر قد عادت.. والاتفاق على دحر الإرهاب باعتباره آفة عالمية لا وطن ولا دين له.. والتنسيق بين فرنساوايطاليا ومصر فى مكافحته.. بالطبع لا أدعى أن أشاحت بوجهها عن أمريكا.. ولكن هناك تغييرا ملموسا فى الموقف الأوروبى الذى كان تابعا للموقف الأمريكى ينكر قيام الثورة.. وينسى أو يتناسى أن مصر تعمل وفق خريطة طريق بدأت بالدستور ثم الانتخابات الرئاسية، وها نحن نستعد للانتخابات التشريعية. كما يقال فى تاريخ الفلسفة، إن ماركس قد أعاد الفيلسوف هيجل على قدميه ثانية.. يمكن أن نقول باطمئنان إن السيسى قد أعاد مبادئ العلاقات الدولية الى سيرتها الأولى باتجاهه الى أوروبا، واضعا أمريكا فى مكانها الصحيح وهى أنها دولة كبيرة بين دول العالم.. أما أوروبا فهى القارة العجوز التى تربطنا بها أكثر من علاقة مثل الاتحاد الأوروبى والأورومتوسطية، ناهيك عن العلاقات الثنائية التى تبحث دائما عن مصالحها البينية! ولا ننسى أن الاتحاد الأوروبى يضم مصريين مغتربين كُثرا.. عبروا عن ابتهاجهم لأول مرة برئيسهم الذى هبط فى فرنسا وترك موكبه وسائقه مرحبا، ومؤكدا أن الحاكم والمحكوم سواء بسواء.. باختصار، لقد أحيا السيسى جسور الصداقة التى كانت تربطنا بفرنساوايطاليا وعقد معهم صفقات تجارية أعادت مصر الى قلب العالم مجددا.. كما جعلنا نشعر فى الداخل بأن الجاليات المصرية هى امتداد للداخل.. وأبناؤهم هم أبناؤنا لا نحيد عن ذلك قيد أنملة.. ثم إن الفضاء الأوروبى والمتوسطى هو فضاؤنا ولا ينبغى كما قال طه حسين أن نخاف منه لأن البحر المتوسط هو بحرنا كما أنه بحرهم يقصد أهل أوروبا.. مايهمنى أن هذا الاختراق قد حدث بالفعل ويجب البناء عليه، فأوروبا تربطنا بها وشائج وصلات كثيرة.. ولن ننسى أنها الأقرب إلينا جغرافيا.. بكلمة أخيرة لقد نجح الرئيس السيسى فى اختراق الغرب ومد يده الى أوروبا، التى تبين أنها كانت تريد ذلك والتى اعترفت لها بالتحول الديمقراطى الذى تقوده فى المنطقة. لمزيد من مقالات د. سعيد اللاوندي