أصبحت الكيانات الصغيرة أمراً نادراً فى عالمنا المعاصر الذى أصبح كما يقال قرية واحدة كبيرة . وقد حدث أن تكونت فى العالم مجموعات إقليمية تضم عدداً من الدول المتقاربة لعل أقربها إلينا دول الاتحاد الأوروبى الذى يضم غالبية الدول الأوروبية والذى يتجه إلى التوحد السياسى بعد أن أوشك على التوحد الاقتصادى ومع أن ما يجمع بين الدول العربية وبعضها هو أكثر وأعمق مما يجمع بين دول الاتحاد الأوروبى مثلا وغيرها من الاتحادات فإن الدول العربية تراوح مكانها ولا تتحرك خطوة واحدة نحو الوحدة أو حتى نحو تنسيق سياساتها تنسيقاً فاعلاً سواء فى المجال السياسى أو المجال الاقتصادى. ولن أتحدث طويلاً عما يجمع العرب فهى أمور أوضح من أن نعيد الكلام فيها ونزيد ولكن المهم أن نعرف ما الذى يحول بينهم وبين التقارب. الدول العربية تجمعها لغة واحدة وإن تعددت اللهجات وتوشك غالبيتها العظمى أن تدين بدين واحد. والتاريخ العربى مآسيه ومفاخره مشتركة. والثقافة العربية وكذلك الفنون توشك أن تكون هى هى من أقصى المغرب فى الرباط إلى أقصى المشرق فى بغداد. ومع هذا كله فإننا نراوح مكاننا لا نتقدم خطوة. لماذا؟ هذا هو مربط الفرس والذى أود أن أحاول أن أصل إلى أسبابه الحقيقية. أول هذه الأسباب على ما يبدو لى أن الغالبية من الأنظمة السياسية الحاكمة ليست لديها الرؤية الوحدوية وأنها تفضل السلطة والوضع القائم على ما يدعو إليه من يسمون أنفسهم أمثالنا - الوحدويون العرب أو القوميون العرب. كذلك من هذه الأسباب أن مستوى التنمية البشرية وأقصد هنا التعليم بالذات ليس هو ذات المستوى فى كل الدول العربية كذلك فإن المستوى الاقتصادى نتيجة اختلاف الموارد الطبيعية بين هذه الدولة وتلك من الأسباب التى تعطل التوجه نحو نوع من التوحد. وأحسب أن البون الشاسع بين الكلام من ناحية والرغبة فى الفعل من الناحية الأخرى هى أحد المعوقات الأساسية. إن منظمة الجامعة العربية التى نطلق عليها «بيت العرب» سابقة فى وجودها بسنوات طويلة على منظمة الاتحاد الأوروبى بل وعلى هيئة الأممالمتحدة نفسها ومع ذلك فإن النتائج متباعدة بين ما حققه الاتحاد الأوروبى وما حققته الجامعة العربية. وليس السبب هنا فى أمانة الجامعة وإنما السبب هو السياسات التى ينتهجها أعضاء الجامعة. كذلك فإن التحول الديمقراطى الذى بدأ فى بعض الدول العربية ولم يكتمل بعد والذى لم يبدأ فى دول أخرى هذا التفاوت إحدى عقبات التوجه نحو التقارب بين الدول العربية وبعضها. وأخيراً وليس آخرا فإن الإرهاب والتخلف العقلى فى فهم سماحة الاسلام أدى إلى أن بعض الدول العربية توشك على الانهيار والضياع إن لم تكن قد انهارت بالفعل. قد تكون هذه بعض الأسباب التى لابد من مواجهتها بالعديد من الوسائل التى قد يكون فى مقدمتها موضوع التنمية البشرية وما يتصل به من تأكيد التحول الديمقراطى. والله المستعان. لمزيد من مقالات د. يحيى الجمل