هل مصر أكثر رأسمالية من بريطانيا وإسبانيا؟ هذا ما اكتشفته الأسبوع الماضي, عندما قرأت قرار الحكومة الإسبانية بتحديد سقف أجور قيادات البنوك بما لا يتجاوز600 ألف يورو في السنة, وذلك بما يتلاءم والأزمة الاقتصادية التي تمر بها حاليا, ومنذ أيام قليلة تناولت الصحف البريطانية قضية أخري مماثلة تتعلق بالحد الأقصي لأجور رؤساء الشركات الكبري. وذكرت أن ثمة اتفاقا بين وجهتي نظر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون, وزعيم حزب العمال الذي يقود المعارضة حاليا بشأن ضرورة وضع سقف لأجور القيادات العليا في الشركات الكبري, بعد أن تزايد متوسط دخولهم السنوية لنحو4.5 مليون استرليني سنويا, أي نحو375 ألف استرليني شهريا, ورغم أن غالبية هذه الشركات هي شركات عالمية, إلا أنها تأسست في بريطانيا ولايزال مقرها الأساسي هناك, لم يعد هذا الأمر مطلبا مقصورا علي حزب العمال, بل أضحي تشاركه فيه حكومة حزب المحافظين بعد أن تجاوز الحد الأقصي لأجور رؤساء بعض الشركات47 ضعف الحد الأدني, مما دعا رئيس الوزراء البريطاني للمطالبة بأن يكون لحملة الأسهم بهذه الشركات دور في تحديد سقف أجور رؤساء هذه الشركات, ودراسة تدخل الحكومة بشكل أو آخر لتقنين هذا الأمر, ويتبني كاميرون هذا الاتجاه علي الرغم من وجهة نظر البعض بأن هذه الشركات بالأساس هي عالمية يتخطي نشاطها بريطانيا. في المقابل لم تنجح الحكومات المتعاقبة بمصر بعد ثورة25 يناير التي نادت بتحقيق العدالة الاجتماعية كأحد المطالب الرئيسية التي نادت بها, وظلت تشدد عليها طوال الوقت, غير أن ذلك لم يفلح في دفع أي من الحكومات المتعاقبة لتطبيق حد أقصي للأجور علي مدي عام كامل من الثورة, برغم الوعود القاطعة التي أعلنتها ورددتها مرارا وتكرارا حكومة د. عصام شرف, وإن وزير المالية الأسبق الدكتور سمير رضوان أعلن في وقت مبكر في مايو2011 عن الاتفاق علي أن يكون الحد الأقصي يمثل36 ضعف الحد الأدني الذي تم تحديده ب700 جنيه شهريا, غير أن التطبيق ظل بعيد المنال, كما استحوذت هذه القضية علي جانب مهم من اهتمام الدكتور حازم الببلاوي الذي تولي وزارة المالية بعد رضوان في حكومة شرف, كما نالت حظا وافرا من تصريحاته, وأعلن عن الانتهاء من دراسة شاملة لدخول القيادات في القطاعات الاقتصادية التي تتقاضي رواتبها أو مكافآتها من المال العام, وأن هذا السقف لن يتجاوز36 ضعف الحد الأدني, لكن علي ما يبدو أن كل هذا لم يخرج عن كونه ضجيجا بلا طحن, حيث لم يتجاوز الكلام إلي حيز التنفيذ! وإن برأ الببلاوي ذمته في هذا الشأن بأنه تقدم بتوصيات الدراسة التي أعدتها وزارة المالية إلي مجلس الوزراء لإقرارها وتطبيقها, وأعلنت الحكومة وقتها عن بدء تطبيق الحد الأقصي للأجور في يناير2012, لكن علي ما يبدو كانت تعلم أنها سترحل قبل مجيء شهر يناير, وإن كان كثير من الوزراء غير مرحبين بتطبيق الحد الأقصي للأجور عند مناقشة الأمر في إحدي اللجان الوزارية, وهو ما باح به لي أحد الوزراء, معبرا عن دهشته الشديدة إزاء مواقف بعض هؤلاء الذين كانوا يطالبون طوال الأوقات بذلك قبل أن يتولوا مناصبهم! ربما كان من المفيد في هذا الصدد الإشارة أيضا إلي أنه عندما عزم أحد الوزراء أمره( د. محمود عيسي وزير الصناعة والتجارة) وقرر أن يطبق الحد الأقصي للأجور في الهيئات والأجهزة التابعة للوزارة, وذلك في شهر نوفمبر الماضي, واجه الكثير من المتاعب والعقبات, بل إن أحد القيادات في أحد هذه الأجهزة لم يتورع في الالتفاف علي القرار وأعاد ما تم اقتطاعه مرة أخري تحت مسمي مختلف, إلي أن كشف أمره أحد العاملين, وقرر الوزير اتخاذ الإجراءات القانونية ضده, والمغزي من سرد هذه القضية هو توضيح الثغرات العديدة في القوانين واللوائح وبرغم أن الدكتور الجنزوري أعلن أنه خفض دخول الوزراء وتبرع براتبه, وهو أمر لا شك جيد, ويجب أن نشكره عليه, لكنه لم يعلن للآن عن سياسة واضحة تتسم بالشفافية يتم تطبيقها فيما يتعلق بالحد الأقصي للأجور. نحن ننتظر تصريحات من الحكومة, ولكن بعد تطبيق الحد الأقصي للأجور في جميع القطاعات الاقتصادية والمالية مثل بريطانيا وإسبانيا. المزيد من مقالات خليفة أدهم