هل نستسلم ونُقِرّ بصحة ما يقوله البعض إننا خسرنا مبارك والقذافى وصدّام؟ يُدَلِّل القائلون على صحة رأيهم بما انزلقت فيه بلادنا، بعد الإطاحة بهؤلاء المستبدين، من تفشى مظاهر الإرهاب الدامى متمثلاً فى الفوضى والتخريب والعنف واستخدام السلاح الكثيف خارج القانون، حتى أصبح ضحايا سنوات قليلة تفوق صرعى الجرائم الرهيبة التى اقترفها حكم هؤلاء على مدى عقود من الزمان! ويتحدثون أيضاً عن أن انعدام الأمن خلق بيئة معوِّقة للعمل والإنتاج ومبددة لفرص جذب الاستثمارات، وأن كل هذا كان السبب وراء تراجع الإنتاجية وارتفاع معدلات البطالة..إلخ الإرهاب، إذن، هو السبب الرئيسى وراء كل هذه الكوارث، بعد أن تحققت له نقلة نوعية على الأرض، خلال السنوات القليلة الماضية، فلم يعد مجرد شطط فى الأحكام اللفظية بالإدانة والتكفير، مع بعض العمليات الإجرامية المحدودة التى تُعَبّر عن يأس أصحابها الذين كانوا موقنين أنهم مستضعفون فى الأرض، وإنما صاروا الآن ينطلقون من أرضية ثقة عظيمة فى النفس وفى يدهم القوة الطائلة المتمكنة المدعومة من قوى عالمية أكبر وأعظم، وصارت لهم تمويلات هائلة وعتاد مخيف وجيوش من المقاتلين المحترفين الذين يتحصلون على مكافآت مجزية وجذابة للآخرين! ولا ينبغى لحقيقة أن هناك دعماً خارجياً أن تلغى أن جذور الإرهاب محلية، بعضها تاريخى وبعضها متوافِق مع مصالح آنية، وأنه لولا هذا ما كان أمام الخارج إلا أن يتورط بنفسه لتحقيق مخططاته كما كان يحدث فى الماضى! ومن المفارقات الجديرة بالدراسة أن الإسلام فى الماضى كان من أهم عوامل التصدى لقوات الاحتلال الأجنبية، ولكنه صار الآن، على أيدى هؤلاء الإرهابيين، داعماً للقوى الخارجية، ومدعوماً منها، فى تنسيق غريب مريب عن تلاقى المصالح بين الفريقين بعد أن كان العداء مستَحكَماً بينهما طوال قرون عدة! فماذا تكون المصلحة المشتركة الآن بينهما سوى إحباط الثورة التى قامت ضد الاستبداد والفساد بهدف بناء دولة حديثة بكل مقومات الحداثة؟ وهى الدولة التى يرفضها الإرهابيون، تحت شعارات إسلامية،ٍ لأنها فى رأيهم ضد مبادئ الدين، كما تناهضها قوى أجنبية لأنها تحقق الاستقلال للبلاد، وهو ما يُخشى منه أن يؤدى إلى التحرر من التبعية للخارج ومن الانصياع لتنفيذ مصالحه! لم يختلق أعداء الخارج الإرهاب، وإنما كان دورهم رفع الغطاء عنه مع الدعم المادى والمعنوى، إضافة إلى جريمة الصمت عما يدور، وهى الجريمة العظمى التى تشارك فيها مؤسسات دولية ووطنية أجنبية كان يُفترَض فيها أنها مستقلة عن أجهزة الحكم والمخابرات، مع روح التشفى المتوحشة من جماهير عريضة كارهة، لا يُغيِّر من الحكم عليها أنها مُغَيَّبة بسبب حملات الدعاية العنصرية! حتى أن مناظر القتلى بالمئات والمشوهين بالآلاف لا تحرك إلا نوازع السخرية والتهكم، ولم يعد يخرج للتظاهر ضد إزهاق الأرواح وسفك الدماء سوى أعداد محدودة لا تُقارَن بالأغلبية المشارِكة بالصمت! الإرهابيون سعداء أن أتيحت لهم الفرصة ليحققوا أحلامهم القديمة بقتل الكفار والتمثيل بجثامينهم، وفرض الجزية على غير المسلمين بعد قتل من لا يطبق أحكامهم وجزّ رؤوسهم وتعليقها فى الطريق العام، وفرض المنزل على المرأة لأنها فى رأيهم أس البلاء وأكبر غواية لإمكانية ارتكاب الفحشاء والمنكر والبغى فى المجتمع! وأما أعداء الإسلام فهم سعداء أكثر بأن تكون هذه صورة الإسلام التى ينشرها مسلمون! وأما القوى البراجماتية التى لا يهمها إلا أن تتحرك مصالحها فى سلاسة واطمئنان، فهذا أفضل الاختيارات لها! فهل هذا يساعد أصحاب الدعوة لنشر الإسلام فى ربوع المعمورة؟ وهو سؤال مهم لا يجوز العبور عليه بخفة، لأنه يطرح نفسه بشدة على الجادين المهمومين بالدفاع عن الحقوق الأساسية فى الحياة وحرمة الجسد وحرية الفكر والاعتقاد وممارسة الشعائر! ففى مقال يُتداول على الإنترنت منسوب إلى كاتبة يهودية يمينية، تحكى عن اليهودى الذى كان يتعمد إيذاء النبى، فلما مرض عاده النبى وتمنى له الشفاء، فتعجب الرجل وأعلن إسلامه متأثراً بهذه الأخلاق الرفيعة، وتعرب الكاتبة عن حيرتها من المذابح التى يقترفها من يرفعون رايات إسلامية، والتخريب الذى يتسببون فيه لأوطانهم، وتتساءل أين هذا من الحكاية القديمة، وتتعجب إنْ هى استجابت لدعوة الإسلام أن تكون دخلت الفئة الضالة التى يُبيح ذبحَها من يرون أنفسهم الجماعة الناجية من النار العارفة بحقيقة الإسلام التى تكلف نفسها بقتل كل من هم خارجها، حتى المسلمين الآخرين، لأنهم كفار لا يفهمون الإسلام حق فهمه! لقد ألقت قوات الأمن قبل أيام القبض على عدد من المخربين المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين الذين حطموا عمداً عدداً من أبراج الكهرباء العملاقة، بما تسبب فى قطع الكهرباء عن بعض القرى، واعترف واحد منهم بالتفصيل كيف كان يستخدم المنشار الكهربائى لنشر قاعدة البرج، ثم كيف يحطم هو وشركاؤه فى الجريمة قاعدة البرج الخرسانية ذات الجذور العميقة فى الأرض التى يستقرّ فوقها البرج الشاهق! وعندما سأله المحقق عن شعوره وهو يرى البرج يتهاوى، أخرج زفرة عميقة وهو يقول: "ياااااه! فرحة كبيرة!!" ومع هؤلاء المخربين زملاء لهم فى الجماعة مسئولون فى مصلحة الكهرباء ضبطتهم أجهزة الأمن متلبسين بقطع الكهرباء عن بعض الأحياء خارج خطة الترشيد، بهدف إثارة سخط الجماهير! والغريب أن جماعة الإخوان، التى تطلقهم فى هذه الجرائم، تقود حملة تشويه شرسة بأن الحكومة بعد الإطاحة بهم صارت عاجزة عن توفير الكهرباء! باتت هذه هى النماذج المنتشرة التى يخشى منها المسلمون قبل غيرهم، ولكنها هى المطروحة أمام غير المسلمين وهم يتلقون الدعوة! لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب