وأسفاه علي غفلتنا, وتذكر الموت فقط عند فراق أحد الأحبة وتشييع جثمانه ونتفكر لحظيا بحال المتوفي وأين قبره وحاله في ديناه والدعاء برحمته في ظلمة قبره وأن يتغمده الله بمغفرته وعطفه ولا يأخذه بعدله وعقابه. ويينصرف كل منا لصراعه المعتاد وسط إنشغلنا بتخطيط المستقبل وعملنا واولادنا وأحفادنا ، وشراهة الحصول علي رفاهية المسكن والملبس والمآكل والسيارة ، والتجبر في أخذ الدنيا طولا وعرضا بلا مهادنة دون وخز ضمير، وكثرة الاستحواذ علي المناصب والألقاب والأموال الزائلة ، فجميعنا إلا من رحم ربي يعمل لدنياه وننسي الأعمال الباقيات وعبرات المصير المحتوم وسكرات الموت وأول منازله القبر وظلمته ووحشيته، وغفلتنا عن البرزج وهول المطلع وجهلنا بالحشر والنشر وكلها نتيجة عادلة لأعمالنا إن فلحت فالنجاة وإن خابت فالعذاب.
عدت إلى نفسي فتذكرت القبر ثانية ، تلك الحفرة الضيقة المظلمة التي نهمل التفكير في تجهيزها ، فزيارة القبور سنة رغب الشرع فيها، لأنها تذكر الموت والآخرة، وذلك يحمل على قصر الأمل، والزهد في الدنيا، وترك الرغبة فيها، وكيف يأتي الموت لا يستأذن شابا ولا غنيا ولا فقيرا ولا أميرا ولا ملكا ولا وزيرا ولا سلطان ، الموت يقصم الظهور ويخرج الناس الدور وينزلهم من القصور ويسكنهم القبور بلا أستذان ، يوم نجرد عن الثياب ونأوسد التراب ونفارق الأهل والأحباب والأصحاب، و يقول رسولنا صلى الله عليه وسلم "القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من النار"، أتدرى ماذا يقول لك ملك الموت وأنت نائم على خشبه الغسل ، ينادى عليك ويقول ياابن ادم، أين سمعك ماأصمك ، أين بصرك ماأعماك ، أين لسانك ماأخرسك ، أين ريحك الطيب ماغيرك ، أين مالك ماأفقرك ، فإذا وضعت في القبر نادى عليك الملك يا أبن آدم جمعت الدنيا أم الدنيا جمعتك ، ياأبن ادم تركت الدنيا أم الدنيا تركتك ، يا أبن ادم أستعددت للموت أم المنيه عاجلتك، يا أبن ادم خرجت من التراب وعدت الي التراب خرجت من التراب بلا ذنب وعدت الي التراب وكلك ذنوب، يا أبن ادم رجعوا وتركوك في التراب دفنوك ولو ظلوا معك مانفعوك ، ولم يبق لك إلا أنا الحي الذى لا أموت ، يا أبن ادم من تواضع لله رفعه ومن تكبر وضعه الله. الموت هو قدر من اقدار الله عز وجل ،هو القدر الوحيد الذي نقف امامه بخشوع ورهبه ، والذي ترتجف قلوبنا له هلعا ، والذي نؤمن به تمام الإيمان ، ونعلم بوجوده أينما نذهب ، والقدر الوحيد الذي لا نستطيع تغييره بمرور الزمان ...اعذوروني إذا كنت ادخلت الرهبه الى قلوبكم بكلماتي ، لكنني في أشد حالات الحزن ، فلم لم أجد ما يفرغ أحزاني سوى القلم بعد صدمتني في وفاة زميلي شريف جاب الله رحمه الله بجسمه الضخم وقلبه الذي يحمل براءة طفل ، وتوصيته الدائمة علي مساحة أخباره ، وابتسامته المجلجلة روح ياعم ، أسأل الله لي ولكم حسن الخاتمه والثبات.