وكأن مصر تعيش أيام مابعد نكسة 67 من قلق وارتباك وضياع، وأفلام أرصفة شارع الحمرا والمذنبون والثرثرة، وأغانى السح الدح والطشت، وكأن هذا البلد لم ينتفض مرتين ويسقط نظامين وتسيل دماء ابنائه ثمنا للكرامة. ونجا من السقوط فى بالوعات الخريف الامريكى كما سقط الآخرون، وكأنه لم يصحح أخطاءه، وبدلا من توثيق المرحلة بالدراما وفتح أبواب الأمل وجبر خواطر المنكسرين يكفى ساعة واحدة امام اى شاشة رمضانية لتجد ان مصر أصبحت ماخورا يعج بالبلطجية والقوادين والحشاشين والمرتشين والعاهرات والعوانس والردح والشرشحة والتدنى فى القول والمطاوى، وهكذا لم يعد رمضان فى هذا البلد هو شهر القرآن والصيام والرحمة والمغفرة والعتق من النار، ولكنه شهر المسلسلات والمقالب والتسول والإسراف فى كل شىء، مثل أى معنى نبيل نمتهنه، ويكفى تأمل شكل النساء فى كل المسلسلات وأحدث البواريك والشد والنفخ والشفط وأفخم الموديلات، او العكس تماما الفقر والعشوائيات لا وسط لأمة اهم سماتها الوسطية، ففى حلقة واحدة من مسلسل «إبن حلال» الزوج يضبط زوجته مع عشيقها فى حمام السباحة وعندما تستغيث الزوجة بأمها تظهر الأخيرة فى السرير مع عشيق فى عمر ابنها، واللقطة التالية لإعلامية شهيرة فى المسلسل أيضاً تطلب من فتى الشاشة الجديد محمد رمضان المبيت فى شقتها، لأنه مجروح، وفى مسلسل آخر يظهر طبيب النساء زير نساء متعدد العلاقات مع مريضاته والممرضات، وفى مسلسل «إمبراطورية مين» لم يترك المؤلف وفريق العمل صفة رديئة إلا وألصقوها بشعب لايزال يرقد فى غرفة الإنعاش الثورية ولا تتسع المساحة لرصد العك فى 99مسلسلا وحتى اذا ما انتهت تلك الدراما تأتى برامج المقالب التى تسخر من خوف الانسان الفطرى من سمك القرش والغرق والدماء، أو وضع المرأة تحت ضغط المفاجأه وهى ترى زوجها متأبطا ذراع عروس جديدة أو أسر شخص من قبل الإسرائيليين والطائرات تحوم فوقه، والغريب والسخيف أن تلك النوعية الرديئة تجد من القنوات كل تشجيع وتمويل، وسط صمت من دكاكين حقوق الإنسان أو برنامج يحث ضيوفه على الجهر بالمعاصى وكشف الليالى الحمراء لهم، والعجيب ان تلك المواد يتزامن عرضها فى الفترة مابين صلاة المغرب والتراويح ثم يعاد عرضها مابين صلاتى الظهر والعصر، وما بين المسلسلات والبرامج تأتى الإعلانات المستفزة، ثم تأتى ظاهرة المذيعين والممثلين العرب الذين يخلقون نجوميتهم على جثث المصريين وخلافاتهم السياسية، يحدث كل ذلك فى بلد يستكمل نصف ناسه عشاءهم بالنوم، ولاأظن إن أى دولة فى العالم تسمح بمسخ هويتها مثلنا، او تترك مصير أمة بيد نفر يغسلون أموالهم بفضائيات مشبوهة فى غياب أى رقابة مهنية او مالية أو أخلاقية، والحمد لله انه لايزال لدينا قدر من المناعة يكفى لهضم هذا العك وإخراجه مع الفضلات. ببساطة داعش هى الإفراز الطبيعى للربيع العربى، يشرق الأول عندما يغرب الثاني. ليس بخيانة الأوطان وحدها يحصل الأديب على نوبل. كل قرارات المجلس الأعلى (للصحابة) تدعو أى صحفى للترحم على أيام صفوت الشريف. أى أوجاع تحدث فى مصر مقبولة مقارنة بما يجرى فى ليبيا وسوريا والعراق. سؤال محير كيف يحاكمون حبارة مدنيا وهو القاتل ل24 عسكريا. إذا كانت الثورة سرقت ثلاث مرات كما يزعم الثوريون، فان العيب فيهم وليس فى اللصوص. لو لم يفعل السيسى سوى تحرير مصر من الإخوان لكفاه. أغرب ماحدث إن من كانوا يسخرون من التمويل الأجنبى والتقسيم يؤكدونه الآن بعد فضح الممول. التوقيت هو نصف النجاح لأى قرار او كل الفشل له. واضح ان الاستراتيجية الجديدة هى توزيع الفقر على الجميع. واضح ان العميل الذى دمر الاتحاد السوفيتى باختيار الأسوأ للمناصب موجود لدينا.