ربما كان الجديد الوحيد فى القمة الإفريقية الأخيرة هو إنهاء تجميد عضوية مصر فى الاتحاد الافريقى والاعلان عن انشاء الوكالة المصرية للشراكة للتنمية فى أفريقيا، أما قضايا مثل الزراعة والأمن الغذائى (موضوعها الرئيسى) والسلم والأمن ومكافحة الإرهاب والفساد والفقر وتوفير فرص عمل للشباب وتهيئة المناخ للاستثمار والحكم الرشيد وزيادة التجارة فيما بين الأعضاء فكلها مكررة ولا تقدم فيها يذكر. ففى قمة 2003 تم إقرار برنامج شامل للتنمية الزراعية وتحقيق الأمن الغذائى للأفارقة وأكدت عليه قمم 2004 و2006و 2008ولم يتغير الحال كثيرا ومازال أكثر من نصف سكان القارة البالغ عددهم مليار نسمة قابعين فى القاع يعانون من نقص الغذاء لدرجة المجاعة والهلاك. يحدث هذا رغم أن الموارد المائية كافية والأرض الصالحة للزراعة شاسعة لكن لا يتم استغلالها جيدا.ويكفى مثلا ساحل غينيا العشيى فى غرب افريقيا البالغ مساحته نحو 1500 مليون فدان لو تمت زراعة نصفها فقط لتوافر الغذاء لكل الأفارقة، فهى تعادل ضعف مساحة الأراضى المزروعة بالقمح فى العالم. بالنسبة لقضية السلم والأمن قررت قمة 2005 جعل إفريقيا خالية من الصراعات بحلول 2010، ومازالت النزاعات المسلحة تتفجر فى دول عديدة بسبب سوء إدارة وسياسة كثير من الحكومات التى تثير الصراعات القبلية والعرقية والدينية على السلطة والثروة أو الجماعات المسلحة مثل بوكوحرام فى نيجيريا والقاعدة، ولم يخرج إلى النور بعد قرار قمة 2003 بنشر 15 ألف جندى فى قواعد اقليمية بحلول عام 2005 وتوسيع نطاقها لتشمل كل أركان القارة بحلول 2010، ومرت 11 سنة والوعود تتكرر. وفى قمة 2004 أقر القادة الأفارقة خطة لتوفير فرص عمل جديدة وتنمية الريف وزيادة معدل التجارة البينية بين الأعضاء، ومع ذلك مازالت نسبة الذين يعملون فى وظائف ثابتة بدول جنوب الصحراء الأربع والثلاثين متدنية عند 6% ونسبة البطالة 60% ترتفع إلى 90% بين القوى العاملة مما يدفع مئات الآلاف من الشباب للمخاطرة بحياتهم فى هجرة غير مشروعة سنويا إلى أوروبا ودول الخليج فيموت منهم المئات غرقا فى البحرين الأبيض والأحمر أو فى دروب الصحراء جوعا ومرضا، أما نسبة التجارة البينية بين الدول الإفريقية فلم تتجاوز بعد 10% من حجم انتاجها القومى لتشابه الانتاج واعتماده على الزراعى منه بالاضافة للفساد والقوانين غير المشجعة، لزيادتها. وفيما يتعلق بمكافحة الفقر والفساد نصت مبادرة الشراكة الجديدة للتنمية (نيباد ) التى تم إطلاقها عام 2003 على خفض عدد الفقراء الى النصف بحلول عام 2015 ، ولكنها لم تنفذ بالقدر المطلوب حتى الآن، بل إن هناك 19 دولة افريقية من بين ال 22 دولة الأكثر فقرا وعرضة للمجاعة فى العالم، أما الفساد فتحتل إفريقيا المركز الأول بين القارات الست وأوضحت إحصائية حديثة أنه تم تهريب 683 مليار دولار إلى الخارج بين عامى 1970 و2010 ومازال نحو 450 مليون إفريقى محرومين من المياه الصالحة للشرب وأكثر منهم ليس لديهم صرف صحى ونسبة المحرومين من الكهرباء تزيد على 70% فى دول جنوب الصحراء، وفى قمة 2009 تمت إعادة تأكيد الالتزام بالقضاء على الفقر، لكن النتيجة لم تتغير. ربما كانت القضية الوحيدة التى تلقى اهتماما ملحوظا وحرصا على تنفيذ ما يتقرر بشأنها هى الارهاب لشعورالقادة الأفارقة بخطره على بقائهم فى السلطة فيضطرون للتنسيق أكثر فيما بينهم والإنفاق بسخاء على مكافحته بالتدريب والسلاح وبالتعاون مع دول كبرى مثل أمريكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا التى تشاركها القلق نفسه، ولا عيب فى ذلك شريطة ألا يقتصر الإنفاق من الموارد الشحيحة للدول على الإرهاب دون مجالات أخرى مثل الوضع الصحى المتردى وأبرز مظاهره تفشى الإيدز القاتل ومعاناة 28 دولة إفريقية من بين 30 فى العالم كله من أعلى معدلات وفيات الأطفال، كما يوجد 26 مليون مشرد بسبب الحروب والصراعات فى افريقيا حسب تقرير لهيئة الصليب الأحمرالدولى لعام 2009، بالإضافة إلى 3.1 مليون لاجئ خارج أوطانهم.ويعيش 188 مليون إفريقى فى عشش من الصفيح ومساكن عشوائية من بينهم 166 مليونا فى دول جنوب الصحراء. الدول الإفريقية تنفق نحو 43 مليار دولار سنويا على مشروعات البنية التحتية، بينما تحتاج إلى 98 مليارا حسب تقرير للبنك الدولى، وبما أن خزائن كثير منها مفلسة وديونها الخارجية تزيد على 425 مليار دولار فهى لا تستطيع تمويل مشروعات التنمية بالمعدل الكافى لتحسين أحوال المعيشة، وتخفيف حدة البطالة، لذلك لابد من الاقتراض من الدول والمؤسسات المانحة، لكن تفشى الفساد وسوء حالة البنية التحتية وغياب الشفافية والديمقراطية والاستقرار فى كثير منها يعوق تقديم المساعدات الا عند حدها الأدنى، لتبقى المشكلة قائمة، فإفريقيا لا تجتذب سوى 2% من حجم الاستثمارات الأجنبية فى العالم رغم أنها تشكل 15% من سكانه، ولو نجحت الحكومات فى استغلال الموارد الطبيعية التى خص الله دولها بها لتغيرت الأحوال تماما، فالقارة تمتلك 40% من الموارد المعدنية الرئيسية للعالم و10% من مياهه العذبة و15% من أراضيه القابلة للزراعة، ولكن نصيب الأفارقة من الناتج القومى الإجمالى العالمى أقل من 3%. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى