" اللى يخاف ميحكمش , واللى يحكم ميخفش ولا مجال أو مكان للايدى المرتعشة " .. بهذه الكلمات وجه الرئيس عبد الفتاح السيسى حديثه للحكومة الجديدة برئاسة ابراهيم محلب بعد أن حلفت اليمين الدستورية أمامه , محلب بدوره أكد أن أهم أولويات حكومته الجديدة ضرورة مكافحة الفساد وترشيد النفقات والتأكيد على معانى الانضباط والالتزام ونسف كلمة محسوبية. تعودنا على هذا النوع من الأحاديث المجانية من المسؤولين والحكومات المتعاقبة كثيرا حتى أن كلمات من هذا النوع فقدت معناها وأهميتها ولم يعد لها صدى أو قيمة تذكر , لكن مع وجود رئيس بمكانة السيسى الذى ظهرت ملامح شخصيته جيدا منذ اليوم الاول لتوليه منصبه يبدو الأمر مختلفا , فها هى حكومته تحلف اليمين فى ساعات الصباح الأولى , فيما صرح خالد فهمى وزير البيئة أنه استغرب ميعاد حلف يمين الحكومة ودلالة موعد السابعة صباحا , بما يعنى أن جميع الأجهزة ستبدأ فى تغيير مواعيد العمل إلى السابعة صباحا كى يشعر الجميع بوجود صحوة جديدة . يذكرنا ذلك بما قاله الرئيس السيسى فى وقت سابق من ضرورة الاستيقاظ الساعة الخامسة والبدء فى العمل باكرا ويبدو أنه حسم أمره ووصلت رسالته إلى الحكومة كأول استهلال لتجربة جديدة فى العمل والجدية فيه , كل ذلك يدعو للتفاؤل لكن ما لايدعو لذلك ما يحدث من فساد واستغلال وجشع داخل قطاع الصحة وبالذات فى المستشفيات سواء الحكومية او الخاصة على حد سواء حجم الانتقادات المفزعة التى وجهت لها وسلط الضوء عليها لم يردعها وجميعنا نذكر حادثة التحرش البشعة التى رفض استقبالها أربع مستشفيات حكومية كادت تودى بحياتها بسبب الجشع والاهمال وتردى الخدمات . السيسى كان واضحا وحاسما فى توجيهاته لوزراء الحكومة هذا صحيح , لكن ما يعنينا هو الممارسة على أرض الواقع فلا زالت هناك مئات القصص المأساوية والجرائم مع سبق الاصرار ترتكبها مستشفيات الدولة دون استثناء فى حق المواطنين , تثبت ان المواطن مجرد رقم (لا قيمة له) فى كشوفها ولاتعنى حياته شيئا بالنسبة لها , وكل همها هو جمع المال والاستثمار على حساب حياته , فلا زال مسلسل الاغتيال والقتل العمد فى بيوت الرحمة إن جاز التعبير مستمرا , والقصة التالية تشهد بذلك .. " عبدالله شاب فى العشرين من عمره تعرض لحادث بلطجة من صبية طعنه أحدهم فى صدرة بالقرب من قلبه بآلة حادة إثر مشادة بينهم , هرول على أثرها رفاقه إلى أقرب مستشفى لمكان الحادث " مستشفى ....." وهو ينزف بشدة , فى الطوارئ استقبله طبيب الطوارى بعد 45 دقيقة بوجه بارد خالى من أى احساس وبعدها جاءت إدارة المستشفى متجاهلين حالة عبدالله الخطيرة مطالبين أصحابه بدفع 20 ألف جنيه تحت الحساب , وطبعا لم يكن لدى زملائه هذا المبلغ ووسط توسلاتهم لانقاذ حياته أولا ثم يأت الدفع ثانيا رفضوا بكل حدة وغطرسة , وحين حضر ذويه فى الوقت المناسب ودفعوا شيكا بالمبلغ للمستشفى رفضت الادارة أيضا الشيك وأصرت على تقاضى المبلغ نقدا وهو أمر كان من المستحيل تلبيته فى تلك اللحظات الحرجة التى كان يحتضر خلالها عبدالله , فقد بسببها 4 لترات من دمائه , وحينما حاول أصدقائه التبرع له بالدم طالبتهم المستشفى ب300 جنيه عن كل كيس , وفى ظل جدل عقيم انتزعت عنه روح الرحمة وتجردت من شياطين الطب انسانيتهم خرجت الروح إلى بارئها ومات عبدالله .. مات أمام أصدقاءه وذويه وسط حالة من الذهول والصدمة , ليس لسبب إلا الطمع والفساد والتجرد من أى ضمير إذ كان من الممكن انقاذ روح بريئة ذنبها الوحيد أنها لم تكن مستعدة لجشع تجار المستشفى . لم تكن مأساة عبدالله هى الأولى فى جحيم الدخول إلى المستشفيات سواء الخاصة أو الحكومية ولن تكون الأخيرة والذاكرة تنضح بمئات الحالات التى دخلت سليمة وخرجت جثة هامدة ولا حياة لمن تنادى . ربما تكون جولة رئيس الوزراء الأولى بعد أداء اليمين لبعض المستشفيات وما شاهده من تردى للخدمات يكون حافزا للتغيير ويقظة الضمير .. والسؤال هل سينجح ابراهيم محلب فى اجتثاث فساد ضرب جذور وزارة الصحة وأطبائها ومستشفياتها دون استثناء ؟ هل سيولى محلب هذا الملف أهمية خاصة تدلل على اهتمامه بحياة الناس ؟ هل يقضى على جشع المستشفيات ويتعامل معها بصرامة تظهر بشكل سريع ؟ هل سيتعافى المواطن من ألم الدخول إلى مستشفيات الجحيم الذى يقوده حظه العاثر إليها ؟ تساؤلات كثيرة تحتاج إلى اجابات بالفعل وليس القول من رئيس الوزراء يأخذ فيها بالاعتبار توجيهات الرئيس للحكومة الجديدة وينسف كلمة محسوبية ؟؟ لمزيد من مقالات جيهان فوزى