لم يعش يوما طفولته مثل بقية الأطفال العاديين, ولم يُسأل السؤال التقليدى الذى يقال لكل الأطفال "ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر؟" لأنه ببساطة تربى منذ نعومة أظافره على شغل منصب واحد فقط وهو أن يصبح ملكا لإسبانيا فى المستقبل.. وهاهى الخطة تسير فى طريقها الصحيح بإعلان خوان كارلوس ملك إسبانيا تخليه عن العرش لابنه الأمير فيليب دى بوربون بعد جلوسه 38 عاما على سدة العرش الذى اعتلاه إثر وفاة الدكتاتور فرنشيسكو فرانكو فى نوفمبر عام 1975، ورغم أن كارلوس بنى شعبيته من خلال مواكبة مسيرة انتقال إسبانيا الى الديمقراطية، إلا أنه فى الأونة الأخيرة من سنوات حكمه تلطخت سمعته بالكثير من الفضائح المترافقة مع متاعب صحية, الأمر الذى دفعه إلى التنازل عن العرش بهدف دفع الملكية نحو الحداثة وفتح مرحلة جديدة من الأمل رافعا شعار " التغيير". ولكن عملية التنازل أمامها عقبة, فرغم التوافق بشكل عام على أنه من حق الملك التنازل عن العرش إذا أراد إلا أنه ليس هناك قانون فى أسبانيا يحكم عملية التنازل, ويشير الدستور إلى قانون خاص يحكم هذه الحالات ، ولكن مثل هذا القانون لم يجر تمريره أبدا, ولمعالجة الأمر من المتوقع أن تجتمع الحكومة الإسبانية فى جلسة خاصة للموافقة على مشروع القانون بعدها يحال مشروع القانون إلى البرلمان. تفعيل القانون ليس المشكلة الأكبر التى تواجه ولى العهد الآن, فهناك تحديات كبرى أبرزها تحسين صورة المؤسسة الملكية أمام الرأى العام الأسبانى وإعادة الثقة إليها بعد وصول نسبة التأييد الشعبى لها لأدنى مستوياتها بعد سلسلة فضائح طالت العائلة المالكة باستثناء فيليب، بجانب مواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية وملفات سياسية كبرى منها فقد الأحزاب السياسية الكبرى مثل «الشعبى الحاكم» و«الاشتراكى المعارض» ثقة الناخبين الأسبان، إضافة إلى التحديات التى يولدها مطالب استقلال إقليم كتالونيا عن إسبانيا, ملفات تبدو كالعثرات فى طريق الملك الجديد غير أن الكثير من المحللين يرون أن فيليب قادر على تخطيها بسهولة كونه يتمتع بصورة إيجابية أمام الرأى العام الإسبانى حسب استطلاع رأى أخير، كما أن ملامحه الجدية رغم ابتسامتة التى تعلو وجهه على الدوام تنم عن شخصية متحفظة قادرة على تولى زمام الأمور, فالأمير الأنيق الطويل القامة حرص على إرساء صورة ولى عهد قريب من الشعب مع أسلوب عصري, ويرجع ذلك إلى تربيته فى كنف أسرة ملكية منذ الصغر, فالملك الصغير الذى ولد فى مدريد عام 1986، أقسم بالولاء للدستور وللملك فى البرلمان الإسبانى وهو فى سن الثامنة عشرة, وتم قبول دوره المؤسسى كولى عهد للتاج, أما عن تعليمه فقد درس فيليب القانون فى جامعة "مدريد المستقلة", كما أنهى عدة دورات فى علم الاقتصاد, وترأس العديد من المهام الرسمية فى إسبانيا، وشارك فى الأحداث الرئيسية فى مختلف القطاعات وأوجه الحياة العامة الإسبانية. وعلى مر السنوات تولى فيليب دورا بروتوكوليا متزايدا وكثف انشطته العامة خصوصا فى الخارج حيث إستفاد من لغته الانجليزية التى يتكلمها بطلاقة وحظى بسلسلة من الزيارات الرسمية إلى مناطق الحكم الذاتى الإسبانية بغية اكتساب معرفة متعمقة بإسبانيا, وبجانب الإنجليزية والإسبانية يتكلم فيليب اللغة الكاتالونية المعتمدة فى اقليم كاتالونيا الواقع شمال شرق إسبانيا، كما أنه يجيد الفرنسية وبعض اليونانية. وفيليب الذى يهوى الرياضة وخصوصا كرة القدم كان عضوا فى فريق الإبحار الأوليمبى فى "دورة ألعاب برشلونة" عام 1992 لرياضة سباق الشراع, وكونه به كل صفات الرجل المثالى فقد إرتبط اسمه بالعديد من النساء وتهافتت الصحف ووسائل الإعلام على أخبار «دون جوان» إسبانيا, وبالأخص علاقته بصديقته الأسبانية إيزابيل سارتوريوس التى إستمرت من عام 1989 إلى 1991، وهى العلاقة التى لم تلق استحسانا من "الأسرة المالكة" بسبب إدمان إيزابيل الكوكايين, وكانت هناك أيضا علاقة أخرى بعارضة الأزياء النرويجية سنام إيفا ولكنها لم تستمر طويلا, ليتم الإعلان فى عام 2004 عن زواجه من الصحفية ليتيسيا أورتيز حفيدة سائق سيارة أجرة وابنة لأم تعمل ممرضة وأب صحفى, بمعنى أنها من عامة الشعب, ولذلك لم تلق هذه الزيجة قبولا كبيرا لدى الشعب ونتيجة لذلك لاقت ليتيسيا خلال سنواتها الأولى كأميرة صعوبة فى كسب عطف الإسبان الذين يأخذون عليها جفافها وبرودتها والبعض لا يستسيغون بسهولة أن تحظى شابة من «عامة الشعب» بقلب الأمير, لكن الصحفية المستقلة المثقفة عرفت منذ زواجها بالأمير فيليب كيف ترسخ أسلوبها المعاصر بكل إقدام وتحمل مسحة سحر إلى الأسرة الملكية, وقد عاشت العائلة حتى الأن بعيدا عن حياة البذخ ولديهما إبنتان هما ليونور وصوفيا. لقد حظى الملك الجديد فيليب بالبروفات الكافية على تقلده هذا المنصب, فهل سيكون أداؤه محترفا ويلبى رغبات وتطلعات شعبه الذى أنهكته الملكية وبدأ يطالب بحقه فى الإختيار بين النظام الملكى والجمهورى أم لا؟