تفجرت أخيرا قضية كشفت عن تغلغل منظم فى مجال التعليم للتأثير على عقول الصغار فى المدارس البريطانية، وهو نفس الأسلوب الذى دأب تنظيم الإخوان المسلمين على تطبيقه، سواء فى مصر أو الخارج، هذه القضية، والتى مازالت أسرارها تتكشف كل يوم، دفعت السلطات البريطانية للبحث عما وراء هذه الممارسات التى وصفها مسئولون بريطانيون بالمؤامرة. كانت السلطات البريطانية قد كشفت عن معلومات حول ممارسات تجرى فى مدارس أنشأها أعضاء من جماعات إسلامية هاجروا إلى بريطانيا أو ولدوا لأبناء من المهاجرين، وهى ممارسات تشبه ما تم كشفه فى المدارس التى يملكها الإخوان فى مصر. الأشخاص الذين اكتشفوا هذه الممارسات فى مدارس بريطانيا، وصفوا هذه المدارس «بحصان طروادة» الذى يختفى بداخله من يحملون أفكارا وأهدافا تختلف عن أهداف وأفكار الدولة التى يعيشون فيها. ففى أواخر عام 2013 وصل خطاب للمسئولين عن التعليم فى بريطانيا يكشف عن خطة منظمة للجماعات الإسلامية للإطاحة بالمدرسين والنظار فى عدد من مدارس منطقة برمينجهام، وإستبدالهم بأشخاص أخرين يديرون هذه المدارس وفقا للأفكار المتطرفة لهذه الجماعات. وقد أثار الخطاب حفيظة المسئولين وقد تم تكليف بيتر كلارك، رئيس إدارة مكافحة الإرهاب فى لندن، بالقيام بالتحقيق فى هذا الموضوع. ذكرت التقارير التى تسربت عن السلطات المسئولة عن التعليم، عن أن عددا من المدارس والأكاديميات تمولها الدولة فى بريطانيا، لكن إدارتها تدار بشكل مستقل من جانب من يشرفون على هذه المدارس، والذين يطبقون عليها أنظمة غير موجودة فى النظم الدراسية البريطانية، منها على سبيل المثال، الفصل بين الأولاد والبنات داخل الفصول أو وضع كل منهم فى فصول مستقلة عن الأخر. وفى الحال بدأ التحقيق فى 25 مدرسة بعد أن تبين أن هذه القضية التى اكتشفت أولا فى برمينجهام موجودة فى مدارس من مناطق أخرى فى بريطانيا. نقلت صحيفة «صنداى تليجراف» البريطانية عن مسئولين كبار فى التعليم أن المحاولات التى جرت فى هذه المدارس كانت تتم بالتنسيق بين كل المسئولين عن هذه المدارس، والذين عينتهم جمعيات المهاجرين. واتضح من خلال التحقيق أن هذا التنسيق كان يجرى بين مسئولى هذه المدارس فى أكثر من خمس مدن. وقد عرض شريط فيديو تم تسجيله للرجل المتهم بأنه كان على رأس المؤامرة التى تمت فى برادفورد ويدعى، فيصل خان، وصف فيه كيف قام هو وزملاؤه الأخرون بهذه الممارسات فى عدد من المدارس طوال السنوات الماضية، من أجل تغيير مديرى المدارس المعينين فيها من قبل، واستبدالهم بمن يحمل أفكارهم وينفذ أهدافهم، ويضيف أنهم كانوا يقومون بهذه الإجراءات فى كل مدرسة على حده ثم يبدأون فى مدرسة بعدها. وقال أيضا أن مجموعته والتى تعرف بإسم «منتدى برادفورد التعليمى الإسلامى» لها علاقات واتصالات وثيقة مع المجموعة التى قامت بتنفيذ المؤامرة فى برمينجهام لتغيير المناهج التعليمية فى المدارس التى يديرونها. ويرى بعض المراقبين أن التدخل فى العملية التعليمية بما يخالف القوانين والأنظمة التعليمية فى المدارس الرسمية فى بريطانيا، جاء نتيجة سنوات طويلة من صمت وتجاهل السلطات البريطانية لكثير من الممارسات المشبوهة من جانب المهاجرين من دول إسلامية خاصة من آسيا، والتى خرج منها متطرفون حاولوا أن ينشروا الفكر المتطرف بين أبناء الجاليات الإسلامية فى بريطانيا. وبهدوء وسرية شديدين استطاعوا جذب كثير من الشباب الذين اتضح بعد ذلك أن تأثيرهم عليهم وصل إلى حد إقناعهم بالذهاب للقتال فى سوريا، والتدريب على الأعمال الإرهابية، وهو ما أوجد حالة من القلق الشديد بين البريطانيين. وبدأ إلقاء الضوء على تدخل «المهاجرين المتطرفين» فى العملية التعليمية فى بريطانيا فى يناير الماضى، عندما تركت مديرة إحدى المدارس، وهى كريس روبنسون، منصبها كمديرة للمدرسة رغم ما حققته من نجاحات بارزة وذلك احتجاجا على ما كان يقوم به أصحاب المدرسة من مضايقات كثيرة ضدها وضد عملها حتى يتخلصوا منها ويعينوا مكانها من يريدون ومن يطبق أهدافهم وأفكارهم. واتهمت مجلة "الإيكونومست" البريطانية حكومة حزب العمال السابقة عما آل إليه حال كثير من المدارس الخاصة من تدهور حيث كانت قد أنهت سيطرة السلطات المحلية على بعض المدارس، وهو ما مكن أصحابها من التخلص من الرقابة التعليمية المحلية عليهم، وقالت «الإيكونومست» فى تقريرها أن حوالى 60% من المدارس الثانوية تعتبر الأن مدارس مستقلة، وأن 173 مدرسة تعتبر مدارس حرة لم تخضع أبدا للرقابة الحكومية. وأشار التقرير إلى أن أولياء الأمور ورجال الأعمال المحليين الذين يمولون هذه المدارس أصبح لهم دور كبير ومتزايد فى إدارتها، بالإضافة إلى دور الجماعات الدينية فى بريطانيا. وخلال الفترة ما بين عامى 2011 و2013 تلقت السلطات التعليمية 831 طلبا لإفتتاح مدارس حرة، من بينها 659 طلبا لمنظمات تقوم بنشاطات دينية، منها 23 طلبا لمنظمات مرتبطة بالكنسية فى بريطانيا، وأن 80 جماعة إسلامية قدمت طلبات لإدارة مدارس، وتم منح الموافقة للقليل من هذه الطلبات ومازالت بقية الطلبات تحت الفحص. كما تم فى بداية العام الحالى غلق مدرسة ثانوية إسلامية فى مدينة ديربى، بعد اشتداد الانتقادات لها نتيجة لتدهور المستوى التعليمى والتمييز فى المدرسة بين الأولاد والبنات. ربما يكون القلق الذى شعر به البريطانيون مما يجرى فى مدارس بلادهم من نشر أفكار مخالفة لنظم الدولة ليس مرتبطا فقط بالعملية التعليمية، لكنه بدأ يجذب انتباه الكثيرين لخطورة ممارسات الجماعات المتطرفة والمتشددة التى تتخذ من لندن ملاذا لها بدعوى الإضطهاد فى بلادهم مثل التنظيم الدولى للإخوان الذى يتخذ من لندن مقرا رسميا له، والذى يتدخل فى الشأن الداخلى فى مصر، وبينه وبين من يديرون المظاهرات فى الشارع المصرى اتصالات مستمرة، حيث أصبحت هذه الظواهر تشكل معا صورة واحدة مرتبطة ببعضها مما يستدعى انتباها أكبر من جانب المسئولين والرأى العام البريطانى لاتخاذ التدابير اللازمة للتصدى لمؤامرات المتطرفين التى تهدد المجتمع من داخله.