في إطار الإعداد المبكر للقمة العربية المقبلة المقرر عقدها في ليبيا في نهاية شهر مارس الحالي, يأمل الجميع أن تكون نقطة الانطلاق هي إعطاء دفعة قوية للجوانب الاقتصادية والجيواستراتيجية. وفي مقدمتها مسألة مشروعات التكامل البديلة المطروحة منذ فترة, ونود أن نؤكد أن المشروع الأولي بالرعاية هو المشروع العربي للتكامل, وأنه يجب علي الدول العربية أن تدخل مجتمعة( وأشدد علي كلمة مجتمعة) في أي مشروع مطروح عليها في المستقبل. فمثلما كانت المنطقة العربية مهدا للحضارات, ومهبطا للأديان, كانت دائما في حركة مستمرة لا تعرف الهدوء, نتيجة كثرة وتداخل المشروعات التي تستهدف المنطقة العربية, لذا عرفت المنطقة منذ التاريخ المكتوب كثيرا من الغزاة بثقافاتهم وحضاراتهم, ومفرداتهم العسكرية والمدنية, ولكن المنطقة كانت ومازالت لها معدة قوية وقادرة علي طحن وهضم كل ما هو وافد إليها سلاما أو حربا. وبدأت دول الجوار الجغرافي محاولات لتوسيع نطاق النظام الإقليمي, الذي استقر كنظام عربي, إلي نظام إقليمي شرق أوسطي, وذلك في ظل مظلة دولية وإقليمية فاعلة, وتدريجيا أخذ المصطلح الجديد يقترب من بؤرة الإطار الراهن للعلاقات الدولية متعددة الأطراف. وكان من الطبيعي إزاء ذلك تعدد الأطروحات والرؤي ومشاريع التغيير, وأن يكون البعد الاستراتيجي والقاعدة الاقتصادية هما حجر ارتكاز المشاريع التي تستهدف تغيير المنطقة, بجانب البعد السياسي والثقافي, فظهرت الاتفاقيات الثنائية بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وكل دولة عربية في المنطقة علي حدة, وظهرت اتفاقيات المشاركة والجوار مع الاتحاد الأوروبي, وأخيرا مشروع الاتحاد من أجل المتوسط والحوارات الدائرة مع القوي الدولية الصاعدة( الصين, والهند, واليابان, وأمريكا اللاتينية..) لكنها دوائر تضم دولا وتستبعد أخري. لكن ما يلفت النظر أن المشروعات الوافدة إلي المنطقة ذات الأبعاد الإسلامية والغربية ليست مستندة إلي قاعدة اقتصادية قوية وصلبة, ولا يوجد كمشروع إقليمي اقتصادي عربي سوي مشروع السوق العربية المشتركة المستهدف إقامتها عام2020, مرورا بالاتحاد الجمركي عام2015, أما محاولات السوق الإسلامية فمازالت تراوح مكانها, وبالتالي فإن القوي الدولية الكبري في ظل الإطار الراهن للعلاقات الدولية أصبحت تدير أزمات المنطقة, لكنها لا تسعي لحلها, لأن دول الجوار الجغرافي للمنطقة العربية لم تصل إلي صيغة تتعايش بمقتضاها داخل منطقة الشرق الأوسط, وأن تتبادل المنافع والمصالح, وتتعايش فيها الأقليات في ظل انسجام اقتصادي وسياسي قائم علي المصالح في ظل التعددية والتعاون الدولي متعدد الأطراف, فقد عادت مشاريع الشرق أوسطية مرة أخري في مطلع عام2004, سواء من الولاياتالمتحدة أو من الاتحاد الأوروبي, سيما بعد تبني قادة الدول الثماني الصناعية الكبري لهذه المشروعات بدعوي إصلاح الأوضاع السياسية والاقتصادية والتعليمية, لكي تكون المنطقة أكثر ملاءمة مع النظام الدولي الجديد. وحتي مع توالي المنتديات الاقتصادية الدولية وتناولها عملية الإصلاح للأسف, لم يتحدث أحد عن آليات هذا الإصلاح, ومن أين يبدأ, خاصة أن المتغيرات الإقليمية بينت أنه يصعب الإصلاح من خارج الإقليم, ولابد أن يتم أي إصلاح من قوي الداخل أولا, وباتفاق جميع الأطراف, وهذا الطرح الجديد تتبناه جزئيا الإدارة الجديدة للولايات المتحدةالأمريكية, لكن حركتها في العملية السياسية تخضع لكثير من الضغوط بفعل جماعات لها مصالح قوية في المنطقة. وقد فرض هذا الواقع آثاره علي العمل العربي, وظل مهموما بالتوازنات الراهنة ومحاطا بالأفكار التقليدية ومحاصرا في إطار الصياغات وليس السياسات, وظلت المبادرات العربية, مثل مبادرة السلام العربية تراوح مكانها, والإصلاح المطلوب يجب أن يكون جوهريا وقائما علي حوار في الداخل, وأن يتم تنفيذه علي مراحل لا دفعة واحدة وبجهد جماعي تتشارك فيه جميع القوي والأطراف, ويتزامن مع حل المشكلات السياسية بقيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس, واستعادة جميع الأراضي التي احتلت بعد عام1967, فقد تأكد في أدبيات التنمية الاقتصادية أن التكامل هو الرد الأمثل علي الحالة العربية الراهنة, وقد أكدت قمة الكويت الاقتصادية في مطلع العام الماضي هذا المعني حينما تناولت مقرراتها, سواء في مجال البنية التحتية والاقتصادية والاجتماعية ربط الدول العربية سككيا وكهربائيا, ومعالجة مشكلات سياسات الإطار الدولي الراهن للعلاقات الاقتصادية الدولية في ظل سياسة العولمة, مثل الحد من الفقر, ونقص الإسكان, ومشكلات البيئة, وهي مشروعات طويلة الأجل تقتضي مثابرة في متابعتها وتدعيم استراتيجيات للتعليم والصحة في الجوانب الاجتماعية, مع زيادة غير مسبوقة ومشاركة من القطاع الخاص والمجتمع المدني. ومن ثم فإن التكامل العربي في إطار العمل العربي المشترك يسبق أي مشروع بديل آخر, بما فيها المشروع الشرق أوسطي, خاصة أن ديناميته ومؤسساته موجودة وفاعلة حتي الآن, وكل ما نحتاجه هو إصلاحات هنا أو هناك, مع دعم واسع النطاق للتكامل المؤسسي. إن المشروع الاقتصادي العربي, كأساس للإصلاح, موجود, لكن تحجبه مشكلات سياسية, فهناك مشروع عربي قائم علي اقتصاديات22 دولة كلها تستهدف إعمال قوي السوق وإعطاء دور للقطاع الخاص والمجتمع المدني في عملية التنمية, كما أنه يستهدف رأس المال الأجنبي لتوفير التكنولوجيا وللتغلب علي مشكلات انخفاض معدلات الادخار وارتفاع معدلات البطالة. وفضلا عن ذلك فإن الاقتصادات العربية تستعد للدخول في سوق عربية مشتركة بحلول عام2020 ولها علاقات اقتصادية خارجية مع جميع الكتل الرئيسية في العالم, وبوسع العالم العربي, بما له من فوائض مالية, أن يساعد علي استقرار نظم النقد والمدفوعات الدولية الراهنة في جو من التعاون البناء متعدد الأطراف, وهو فرض يجب عدم التخلي عنه للوصول إلي السياسات والبدائل الملائمة للتعامل مع مشروعات الإصلاح الواردة إلينا من الخارج.