«أحكام الإدارية» تُغير خريطة البرلمان    المفوضية الأوروبية تعتزم استخدام أصول روسية مجمدة لتمويل أوكرانيا    ترامب: سوريا قطعت شوطًا طويلًا إلى الأمام.. ومهمة «الشرع» ليست سهلة    منتخب مصر الأول يبدأ اليوم معسكرا مفتوحا استعدادا لبطولة أمم إفريقيا بالمغرب    5 وفيات و14 مصابا سقطوا في لحظة، المعاينة الأولية تكشف أسباب حريق سوق الخواجات بالمنصورة    إصابة 9 أشخاص بينهم أطفال وسيدات في حادث تصادم بالفيوم    فيدرا تعيش وسط 40 قطة و6 كلاب.. ما القصة ؟    5 محاذير يجب اتباعها عند تناول الكركم حفاظا على الصحة    عاجل الأمم المتحدة تعتمد قرارًا يطالب بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي المفروض على الأراضي الفلسطينية منذ عام 1967    5 وفيات و13 مصابًا.. ننشر أسماء المتوفين في حريق سوق الخواجات بالمنصورة    د. أسامة أبو زيد يكتب: الإرادة الشعبية.. «سي السيد»    ناهد السباعي: "فيلم بنات الباشا كان تحديًا.. والغناء أصعب جزء في الشخصية"    دعاء صلاة الفجر اليوم.. فضائل عظيمة ونفحات ربانية تفتح أبواب الرزق والطمأنينة    ترامب يهدد بالهجوم على أي دولة تهرّب المخدرات لأمريكا.. والرئيس الكولومبي يرد    متحدث الصحة: قوائم بالأدوية المحظورة للمسافرين وتحذيرات من مستحضرات خاضعة للرقابة الدولية    «الصحة» تعلن انطلاق استراتيجية توطين صناعة اللقاحات وتحقيق الاكتفاء الذاتي قبل 2030    مصر توسّع حضورها في الأسواق الأفريقية عبر الطاقة الشمسية والتوطين الصناعي    زينة عن شخصيتها في "ورد وشوكولاتة": حبيتها لأنها غلبانة وهشة    سوريا تعلن إحباط محاولة تهريب ألغام إلى حزب الله في لبنان    نصر الله يحرز تقدما على عصفورة المدعوم من ترامب في انتخابات هندوراس الرئاسية    مدير نجدة الطفل: حوادث المدارس تكشف خللاً تربوياً وضرورة تشديد العقوبات لحماية الأطفال    إعلان طاقم حكام مباراة الجونة وبترول أسيوط في كأس مصر    «بإيدينا ننقذ حياة» مبادرة شبابية رياضية لحماية الرياضيين طبيًا    النيابة العامة تُنظم برنامجًا تدريبيًا حول الاستخدام الآمن للذكاء الاصطناعي    أخبار كفر الشيخ اليوم.. مبادرة الخير بدسوق تنظم حفلًا ترفيهيًا للطلاب الصم وضعاف السمع بمناسبة يوم التحدي    التنمية المحلية ل ستوديو إكسترا: توجيهات رئاسية بتحقيق العدالة التنموية في الصعيد    قوات الاحتلال تعزز انتشارها وسط مدينة طولكرم    إحالة أوراق المتهم بقتل زميله داخل ورشة لتصنيع الأثاث بأشمون للمفتى    هل سرعة 40 كم/ساعة مميتة؟ تحليل علمى فى ضوء حادثة الطفلة جنى    مقتل شخص أثناء محاولته فض مشاجرة بالعجمي في الإسكندرية    والد جنى ضحية مدرسة الشروق: ابنتي كانت من المتفوقين ونثق في القضاء    ليفركوزن يثأر من دورتموند بهدف مازة ويتأهل لربع نهائى كأس ألمانيا    بروتوكول تعاون بين نادي قضاه جنوب سيناء وجامعة القاهرة    «الوطنية للانتخابات»: إعادة 19 دائرة كانت قرارًا مسبقًا.. وتزايد وعي المواطن عزز مصداقية العملية الانتخابية    في ملتقى الاقصر الدولي للتصوير بدورته ال18.. الفن جسر للتقارب بين مصر وسنغافورة    تحت شعار "متر × متر"، مكتبة الإسكندرية تفتح باب التقديم لمعرض أجندة 2026    مراوغات بصرية لمروان حامد.. حيلة ذكية أم مغامرة محفوفة بالمخاطر (الست)؟    «السيدة العجوز» تبلغ دور ال8 في كأس إيطاليا    مانشستر سيتي يهزم فولهام في مباراة مثيرة بتسعة أهداف بالدوري الإنجليزي    تقرير مبدئي: إهمال جسيم وغياب جهاز إنعاش القلب وراء وفاة السباح يوسف محمد    الخميس.. قرعة بطولة إفريقيا لسيدات السلة في مقر الأهلي    وزير الرياضة يستقبل رئيس الاتحاد الدولي للسلاح    تراث وسط البلد رؤية جديدة.. ندوة في صالون برسباي الثقافي 7 ديسمبر الجاري    رئيس شعبة الدواجن بالجيزة يحذر من الفراخ السردة: اعدموها فورا    أخبار مصر اليوم: إعلان مواعيد جولة الإعادة بالمرحلة الثانية بانتخابات النواب.. تفعيل خدمة الدفع الإلكتروني بالفيزا في المترو.. ورئيس الوزراء: لا تهاون مع البناء العشوائي في جزيرة الوراق    استمرار تعثر خطة الصين لبناء سفارة عملاقة في لندن    رئيس شئون البيئة ل الشروق: نسعى لاستقطاب أكبر حجم من التمويلات التنموية لدعم حماية السواحل وتحويل الموانئ إلى خضراء    نقيب الإعلاميين يستعرض رؤية تحليلية ونقدية لرواية "السرشجي" بنقابة الصحفيين    1247 مستفيدًا من قوافل صحة دمياط بكفر المرابعين رغم سوء الطقس    بنك التعمير والإسكان يوقع مذكرة تفاهم مع مدرسة فرانكفورت    وكيل الأوقاف: المسابقة العالمية للقرآن الكريم حدث فريد يجمع الروحانية والتميز العلمي    القطاع الخاص يعرض تجربته في تحقيق الاستدامة البيئية والحياد الكربوني    ما حكم المراهنات الإلكترونية؟.. أمين الفتوى يجيب    جامعة أسيوط تختتم ورشة العمل التدريبية "مكافحة العنف ضد المرأة" وتعلن توصياتها    نتائج المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب 2025 في كفر الشيخ    موعد صلاه العشاء..... مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 2ديسمبر 2025 فى المنيا    يلا شوووت.. هنا القنوات الناقلة المفتوحة تشكيل المغرب المتوقع أمام جزر القمر في كأس العرب 2025.. هجوم ناري يقوده حمد الله    أدعية الفجر.. اللهم اكتب لنا رزقًا يغنينا عن سؤال غيرك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



.. مفكر الحب والحرية
نشر في الأهرام اليومي يوم 11 - 12 - 2013

قالت قطعة الجليد وقد مسها أول شعاع من أشعة الشمس في مستهل الربيع ' أنا أحب, وأنا أذوب, وليس في الإمكان أن أحب, وأوجد معا: فإنه لابد من الاختيار بين أمرين:
وجود بدون حب, وهذا هو الشتاء
القارس الفظيع, أو حب بدون وجود, وذلك
هو الموت في مطلع الربيع!'
بهذه الكلمات التي أبدعها' أوستر وفسكي' يستهل زكريا إبراهيم كتابه' مشكلة الحب', وهي كلمات ربما تختصر في مضمونها ودلالاتها المعني الذي أراده زكريا إبراهيم في هذا الكتاب وفي غيره من مؤلفاته الأخري, فالحب ينطوي علي هذه المفارقة: الوجود والعدم, الحياة والموت, الأمل واليأس, الحرية والعبودية, المتعة والألم, الفرح والشجن.. ألخ. وبعد أن يستعرض إبراهيم اللغات المختلفة التي عبرت عن الحب مثل اللغة الشعرية الوجدانية, واللغة الاجتماعية, واللغة البيولوجية, واللغة الصوفية ينتهي إلي أن الحب يعلو فوق هذه اللغات جميعا, فليس الحب في شتي أشكاله مجرد متعة جنسية أو مجرد رغبة في التناسل, بل هو أولا وبالذات قهر لعزلتنا الأليمة وتحرر من الذاتية الضيقة وانتصار علي الأنانية وهذا ما يفسر هذا الشعور بالقشعريرة المقدسة التي تستولي علي قلب الانسان حينما يلتقي لأول مرة بتلك الذات المجهولة التي سوف تنتزعه من الاستسلام لأنانيته. والواقع أنه حين يحدث هذا التلاقي بيننا وبين موجود آخر, فإن من شأن هذا التلاقي أن يزلزل أركان وجودنا, فضلا عن أنه يثير فينا مشاعر متناقضة من القلق والجزع والغبطة والأمل والنشوة.. الخ. وكل منا لا ينس كيف كان لتجربة التلاقي في حياته هذا التأثير العميق, وكيف جاءت خبرته الأولي في الحب فأيقظته من سباته العميق, وفتحت أمامه أفاقا جديدة وجعلته يري العالم وكأنه يراه لأول مرة!
ويؤكد إبراهيم أن الإشكال الأكبر في الحب هو أن نعرف علي وجه التحديد كيف يمكن لحرية ما أن تصبح موضوعا لحرية أخري. وهنا قد يذهب البعض أنه بمجرد أن تنكشف حرية ما لحرية أخري, فإنها تصبح بالنسبة إليها موضوع احترام, ولكن الاحترام هنا لا ينطوي إلا علي طابع سلبي, لأنه يفرض علي حريتنا بعض الحدود, ويدع للحرية الأخري كامل استقلالها دون أن يفتح أمامنا السبيل لبلوغ تلك الحرية, أو دون أن يسمح لنا بتحقيق أي تواصل حقيقي معها. إذن فالمرء لا يستطيع أن يحب بمعني حقيقي إلا عندما يحدث ضرب من التماس بين حريته وحرية الآخر, فلا تلبث حريته الخاصة أن تنطلق من إسارها لكي تجد في الحرية الأخري أداة لتحررها, لا واسطة لاستعبادها, وبهذا فإن زكريا ابراهيم يختلف عن' جان بول سارتر' الذي لا يجد حرجا في أن يعترف في كتابه' الوجود والعدم' بأن مفهومه عن الحب يتفق الي حد كبير مع وصف هيجل الشهير' لجدلية العبد والسيد' فما يريده السيد الهيجلي بالنسبة للعبد يريده المحب بالنسبة للمحبوب, وربما يكون الفارق الوحيد بين العلاقتين هو أن السيد عند هيجل يطالب بحرية العبد بصورة جانبية وضمنية بينما يريد المحب حرية المحبوب أولا وقبل كل شئ. ووفقا لهذا المعني يكون الحب صراعا ونزاعا بين حريتين كلاهما يريد التهام الآخر أو امتلاكه. الحب عند زكريا إبراهيم ليس استعبادا وليس صورة من صور الامتلاك وكأنما هو سيطرة أو غزو, الحب يتطلب شيئا أدق وأعمق من التملك, لأنه يريد موافقة الآخر المحبوب, ولا شك في أن الظفر بمثل هذه الموافقة أو القبول إنما يستلزم أن يهبنا المحبوب حبه بمطلق حريته, وقد تستطيع القوة أو السلطة أن تظفر بأي شئ اللهم إلا الحب, فإن الحب لا يقهر والمحبوب لا يؤخذ غلابا, ولعل هذا يظهر الفارق الكبير بين الحب الحقيقي من جهة والنزوة الجامحة أو الهوي الجارف من جهة أخري: فالأول منهما يحرص دائما علي أن يظفر باستجابة أو مبادلة, في حين ان الثاني منهما لا يهتم إلا بمنفعته الخاصة وغروره الذاتي, ولهذا فإن الحب يجدد فينا باستمرار هذه الرغبة في التحرر, بينما هو لا يستحيل بالنسبة إلينا إلي مجرد قيد, إلا حينما يكون قد مات بالفعل.
وربما كان أعجب ما في الحب أنه جماع ما في الوجود من متناقضات, فالمحبون يميلون إلي العزلة, وينصرفون عن الناس وينأون عن العالم, ومع ذلك فإن الحب وحده هو الذي بمنحهم شارة الانتماء إلي العالم ويجعلهم يشعرون في أعماقهم بأنهم يحبون الناس جميعا وأنهم يعانقون الطبيعة ويستشعرون نبض وهمس الأشياء, والحب هو الشئ الوحيد في العالم الذي لا يمكن إحالته إلي مجرد أمر أو وصية, ومع ذلك فإن المرء قد يقدم علي أقسي التضحيات وأصعب الأعمال في سبيل من يحب. فالحب هو الذي يسمح لنا أن نحقق من الأفعال ما تعجز عن تحقيقه أقوي الإرادات. والمحبون قد يتوهمون بأن الواحد منهم قد خلق للآخر منذ الأزل ومع ذلك فإن حبهم يبدو وكأنه مجرد ثمرة لالتقاء عابر لعبت فيه الصدفة دور البطولة!.
والمحبون قد يظنون بأنهم يدخلون بحبهم في عالم الأبدبة ومع ذلك فإن كل منهم يعرف أن لحبه تاريخا وأن هذا الحب يتغير ويتطور عبر الزمان. والمحبون يقسمون علي الولاء ويأخذون علي أنفسهم عهدا أبديا بالوفاء, ويصيحون مع' أرسطوا' قائلين' إن حبأ أمكن أن ينتهي لم يكن يوما حبا صادقا'. ولكنهم مع ذلك يحنثون بالعهد ويتقلبون مع الزمن وينسون هذا الحب! والمحبون ينشدون الاتحاد ويتوقون إلي الامتزاج التام, ويسعون إلي الامتلاك المطلق. ومع ذلك يعلمون بأن الحب لن يخلو من الصراع, وأن العلاقة بالآخر لابد وأن تقترن بالمواجهة والتحدي, وأن الارتباط السحري الذي يتم بين الأنا والأنت لن يحقق أبدا الامتلاك المطلق, فرابطة الحب السحرية التي تجعل من الموجودين موجودا واحدا ليس من شأنها أبدا أن تغلق الدائرة, بل سرعان ما تجئ الإرادة, إرادة الحياة لكي تحطم هذه القوقعة المغلقة, ومن هنا فإن المحبوبين لا يصبحان واحدا إلا لكي يصيرا من بعد ثلاثة, وكأن دائرة الحب لا يمكن أن تغلق أبدا!.
إن في الحب شيئا من كل شئ: ففيه شئ من العقل, وفيه شئ من القلب, وفيه شئ من الجنون, وفيه شئ من الجسد, وفي فيه شئ من الفن, وإذن فإن الحب الحقيقي هو أشبه ما يكون بالأنسجام الرقيق بين الحاجات الحيوية والحاجات الوجدانية, أو ضرب من التوافق الخفي بين نداءات الجسد أو الحيوانية وبين نوازع الروح أو الحرية.. ولعل هذا هو السبب في أن الحب الحقيقي ينطوي دائما علي طابع إبداعي أو خلاق وكأن الإنسان لا يستطيع أن يحب دون أن يخلق شيئا خارجه وربما يكمن جمال الحب في أنه عملية خلق متبادل لموجودين مترابطين يشعر كل منهما بأنه في حاجة إلي الآخر لأنه يحبه. وهذا ما يجعل من تجربة الحب تجربة ضرورية في حياة كل فرد منا. ولما كان الحب تجربة إبداعية واستيعابية شاملة, لذلك فإن كل منا يستطيع أن يقول بكل ثقة:' أنا أحب إذن فأنا موجود'.
لمزيد من مقالات د.حسن حماد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.