بعد رد الفصائل.. مصر وقطر تواصلان جهود إنهاء المفاوضات والتوصل لاتفاق بشأن غزة    تطورات أحوال الطقس في مصر.. الرطوبة تقترب من 100%    تفاصيل حفل أصالة نصري الجديد بمهرجان جرش    الانتهاء من تركيب الجسم المعدني لكوبري المشاة بمحور العصار بشبرا الخيمة    البترول تعلن وقف تلقي عروض الجديدة في مزايدة البحث والاستكشاف    12 يوليو فتح التسجيل لاختبارات القدرات للثانوية العامة    استشهاد وجرح فلسطينيين من منتظري المساعدات في قصف مدفعي إسرائيلي وسط قطاع غزة    فلومينينسي يضيف الهدف الثاني في شباك الهلال    مستقبل وطن بالمنوفية يهدي رحلات عمرة لأسر ضحايا الطريق الإقليمي| صور    للاستثمار فى بناء الإنسان|«أخبار اليوم» تبدأ خطوات إنشاء «المدرسة الدولية» بالشراكة مع «أميرالد» لتطوير التعليم    كواليس أول يوم تصوير لياسمين رئيس في «الست لما» بطولة يسرا | شاهد    مشروبات قبل النوم لحرق الدهون بشكل طبيعي    مشروبات طبيعية تحمي الكبد من التلف وتعزز صحته    رابط نتيجة الدبلومات الفنية 2025 برقم الجلوس عبر الموقع الرسمي ل بوابة التعليم الفني    أول كنيسة قبطية في السعودية.. البابا تواضروس: «أخبار جيدة»    أول زيارة برلمانية للتجمعات التنموية بسانت كاترين، وفد محلية النواب يستمع لمشكلات بدو سيناء    صبا مبارك: «220 يوم» معقد وكله تفاصيل.. والدنيا اتقلبت لما بوستر المسلسل نزل    ما هي السنن النبوية والأعمال المستحب فعلها يوم عاشوراء؟    تفاصيل نهائي سلسلة كأس العالم وبطولة العالم للتتابعات للخماسي الحديث    موعد إجازة ثورة 23 يوليو 2025 للموظفين    تدهور الحالة، تحقيق عاجل من الصحة في شكوى بسمة وهبة ضد مستشفى بالمهندسين    أعراض التهاب الشعب الهوائية وطرق علاجها بالمنزل    خطبة الجمعة اليوم من الجامع الأزهر| عباس شومان: ستبقى مصر حامية للعرب.. وعلى المسلمين أن يوحدوا كلمتهم قبل فوات الأوان    متحدث نقابة الموسيقيين يرفض المطالبة بحذف أغاني أحمد عامر بعد وفاته    في ذكرى موقعة حطين| خبراء يحددون أوجه تشابه بين السيسى وصلاح الدين الأيوبى.. وأستاذ تاريخ: الناصر أعاد بناء الجبهة الداخلية قبل مواجهة العدو    شركة آير آشيا الماليزية تعتزم شراء 70 طائرة من أيرباص    خطيب الجامع الأزهر: علينا أن نتعلم من الهجرة النبوية كيف تكون وحدة الأمة لمواجهة تحديات العصر    عالم أزهري: التربية تحتاج لرعاية وتعلم وليس ضرب    دبلوماسيان ألمانيان يدعوان إلى وقف عنف المستوطنين الإسرائيليين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية    مقتل مُسن على يد شاب بسبب خلافات أسرية في كفر الشيخ    الاحتلال الإسرائيلي ينصب حاجزًا عسكريًا يعيق حركة الفلسطينيين غرب بيت لحم    رئيس أساقفة الكنيسة الإنجليكانية يزور محافظ المنيا لبحث أنشطة الحوار والتفاهم المجتمعي    وزارة العمل: 80 فرصة عمل للمعلمين فى مدرسة لغات بالمنوفية    إصابة 8 أشخاص فى حادث انقلاب سيارة سرفيس بصحراوى البحيرة    النصر السعودى يعلن التعاقد مع جيسوس خلال 48 ساعة    سيد عبد العال: القائمة الوطنية من أجل مصر تعبر عن وحدة الأحزاب حول هدف مشترك    رامي جمال يحتل التريند الرابع بأغنية "محسبتهاش" عبر "يوتيوب" (فيديو)    تعرف على نشاط رئيس مجلس الوزراء فى أسبوع    مصرع طفل في حريق داخل حظيرة ماشية ب كفرالشيخ    دعاء يوم عاشوراء 2025 مكتوب.. الأفضل لطلب الرزق والمغفرة وقضاء الحوائج    الكشف عن موعد إعلان الهلال التعاقد مع ثيو هيرنانديز    تموين شمال سيناء تواصل مراقبة محطات الوقود    أندية المنيا تهدد بتجميد نشاطها الرياضي احتجاجا على ضم الجيزة لمجموعة الصعيد    الدفاع المدني السوري: فرق الإطفاء تكثف جهودها للسيطرة على حرائق غابات بريف اللاذقية    يوفنتوس يواجه أزمة مع فلاهوفيتش... اجتماع حاسم قد ينهي العلاقة    مدرب الأهلي يودع فريق كرة السلة    خطيب المسجد الحرام: التأمل والتدبر في حوادث الأيام وتعاقبها مطلب شرعي وأمر إلهي    سعر الخضروات اليوم الجمعة 4-7-2025 فى الإسكندرية.. انخفاض فى الأسعار    رئيس الاتحاد الدولي يشيد بدور مصر في نشر الكرة الطائرة البارالمبية بإفريقيا    لماذا تتشابه بعض أعراض اضطرابات الهضم مع أمراض القلب.. ومتى تشكل خطورة    وزير الخارجية الروسي: يجب خفض التصعيد وتقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة    مصدر أمني: جماعة الإخوان تواصل نشر فيديوهات قديمة    باشاك شهير يقترب من ضم مصطفى محمد.. مفاوضات متقدمة لحسم الصفقة    18 يوليو.. أنغام تفتتح الدورة الثالثة لمهرجان العلمين الجديدة 2025    "الزراعة" إصدار 677 ترخيص لأنشطة ومشروعات الإنتاج الحيواني والداجني    إخلاء سبيل طالبة بالإعدادية تساعد طلاب الثانوية على الغش بالمنوفية    حملات بالمدن الجديدة لضبط وإزالة وصلات المياه الخلسة وتحصيل المتأخرات    وزير الكهرباء: مستمرون في دعم التغذية الكهربائية اللازمة لمشروعات التنمية الزراعية والعمرانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



.. مفكر الحب والحرية
نشر في الأهرام اليومي يوم 11 - 12 - 2013

قالت قطعة الجليد وقد مسها أول شعاع من أشعة الشمس في مستهل الربيع ' أنا أحب, وأنا أذوب, وليس في الإمكان أن أحب, وأوجد معا: فإنه لابد من الاختيار بين أمرين:
وجود بدون حب, وهذا هو الشتاء
القارس الفظيع, أو حب بدون وجود, وذلك
هو الموت في مطلع الربيع!'
بهذه الكلمات التي أبدعها' أوستر وفسكي' يستهل زكريا إبراهيم كتابه' مشكلة الحب', وهي كلمات ربما تختصر في مضمونها ودلالاتها المعني الذي أراده زكريا إبراهيم في هذا الكتاب وفي غيره من مؤلفاته الأخري, فالحب ينطوي علي هذه المفارقة: الوجود والعدم, الحياة والموت, الأمل واليأس, الحرية والعبودية, المتعة والألم, الفرح والشجن.. ألخ. وبعد أن يستعرض إبراهيم اللغات المختلفة التي عبرت عن الحب مثل اللغة الشعرية الوجدانية, واللغة الاجتماعية, واللغة البيولوجية, واللغة الصوفية ينتهي إلي أن الحب يعلو فوق هذه اللغات جميعا, فليس الحب في شتي أشكاله مجرد متعة جنسية أو مجرد رغبة في التناسل, بل هو أولا وبالذات قهر لعزلتنا الأليمة وتحرر من الذاتية الضيقة وانتصار علي الأنانية وهذا ما يفسر هذا الشعور بالقشعريرة المقدسة التي تستولي علي قلب الانسان حينما يلتقي لأول مرة بتلك الذات المجهولة التي سوف تنتزعه من الاستسلام لأنانيته. والواقع أنه حين يحدث هذا التلاقي بيننا وبين موجود آخر, فإن من شأن هذا التلاقي أن يزلزل أركان وجودنا, فضلا عن أنه يثير فينا مشاعر متناقضة من القلق والجزع والغبطة والأمل والنشوة.. الخ. وكل منا لا ينس كيف كان لتجربة التلاقي في حياته هذا التأثير العميق, وكيف جاءت خبرته الأولي في الحب فأيقظته من سباته العميق, وفتحت أمامه أفاقا جديدة وجعلته يري العالم وكأنه يراه لأول مرة!
ويؤكد إبراهيم أن الإشكال الأكبر في الحب هو أن نعرف علي وجه التحديد كيف يمكن لحرية ما أن تصبح موضوعا لحرية أخري. وهنا قد يذهب البعض أنه بمجرد أن تنكشف حرية ما لحرية أخري, فإنها تصبح بالنسبة إليها موضوع احترام, ولكن الاحترام هنا لا ينطوي إلا علي طابع سلبي, لأنه يفرض علي حريتنا بعض الحدود, ويدع للحرية الأخري كامل استقلالها دون أن يفتح أمامنا السبيل لبلوغ تلك الحرية, أو دون أن يسمح لنا بتحقيق أي تواصل حقيقي معها. إذن فالمرء لا يستطيع أن يحب بمعني حقيقي إلا عندما يحدث ضرب من التماس بين حريته وحرية الآخر, فلا تلبث حريته الخاصة أن تنطلق من إسارها لكي تجد في الحرية الأخري أداة لتحررها, لا واسطة لاستعبادها, وبهذا فإن زكريا ابراهيم يختلف عن' جان بول سارتر' الذي لا يجد حرجا في أن يعترف في كتابه' الوجود والعدم' بأن مفهومه عن الحب يتفق الي حد كبير مع وصف هيجل الشهير' لجدلية العبد والسيد' فما يريده السيد الهيجلي بالنسبة للعبد يريده المحب بالنسبة للمحبوب, وربما يكون الفارق الوحيد بين العلاقتين هو أن السيد عند هيجل يطالب بحرية العبد بصورة جانبية وضمنية بينما يريد المحب حرية المحبوب أولا وقبل كل شئ. ووفقا لهذا المعني يكون الحب صراعا ونزاعا بين حريتين كلاهما يريد التهام الآخر أو امتلاكه. الحب عند زكريا إبراهيم ليس استعبادا وليس صورة من صور الامتلاك وكأنما هو سيطرة أو غزو, الحب يتطلب شيئا أدق وأعمق من التملك, لأنه يريد موافقة الآخر المحبوب, ولا شك في أن الظفر بمثل هذه الموافقة أو القبول إنما يستلزم أن يهبنا المحبوب حبه بمطلق حريته, وقد تستطيع القوة أو السلطة أن تظفر بأي شئ اللهم إلا الحب, فإن الحب لا يقهر والمحبوب لا يؤخذ غلابا, ولعل هذا يظهر الفارق الكبير بين الحب الحقيقي من جهة والنزوة الجامحة أو الهوي الجارف من جهة أخري: فالأول منهما يحرص دائما علي أن يظفر باستجابة أو مبادلة, في حين ان الثاني منهما لا يهتم إلا بمنفعته الخاصة وغروره الذاتي, ولهذا فإن الحب يجدد فينا باستمرار هذه الرغبة في التحرر, بينما هو لا يستحيل بالنسبة إلينا إلي مجرد قيد, إلا حينما يكون قد مات بالفعل.
وربما كان أعجب ما في الحب أنه جماع ما في الوجود من متناقضات, فالمحبون يميلون إلي العزلة, وينصرفون عن الناس وينأون عن العالم, ومع ذلك فإن الحب وحده هو الذي بمنحهم شارة الانتماء إلي العالم ويجعلهم يشعرون في أعماقهم بأنهم يحبون الناس جميعا وأنهم يعانقون الطبيعة ويستشعرون نبض وهمس الأشياء, والحب هو الشئ الوحيد في العالم الذي لا يمكن إحالته إلي مجرد أمر أو وصية, ومع ذلك فإن المرء قد يقدم علي أقسي التضحيات وأصعب الأعمال في سبيل من يحب. فالحب هو الذي يسمح لنا أن نحقق من الأفعال ما تعجز عن تحقيقه أقوي الإرادات. والمحبون قد يتوهمون بأن الواحد منهم قد خلق للآخر منذ الأزل ومع ذلك فإن حبهم يبدو وكأنه مجرد ثمرة لالتقاء عابر لعبت فيه الصدفة دور البطولة!.
والمحبون قد يظنون بأنهم يدخلون بحبهم في عالم الأبدبة ومع ذلك فإن كل منهم يعرف أن لحبه تاريخا وأن هذا الحب يتغير ويتطور عبر الزمان. والمحبون يقسمون علي الولاء ويأخذون علي أنفسهم عهدا أبديا بالوفاء, ويصيحون مع' أرسطوا' قائلين' إن حبأ أمكن أن ينتهي لم يكن يوما حبا صادقا'. ولكنهم مع ذلك يحنثون بالعهد ويتقلبون مع الزمن وينسون هذا الحب! والمحبون ينشدون الاتحاد ويتوقون إلي الامتزاج التام, ويسعون إلي الامتلاك المطلق. ومع ذلك يعلمون بأن الحب لن يخلو من الصراع, وأن العلاقة بالآخر لابد وأن تقترن بالمواجهة والتحدي, وأن الارتباط السحري الذي يتم بين الأنا والأنت لن يحقق أبدا الامتلاك المطلق, فرابطة الحب السحرية التي تجعل من الموجودين موجودا واحدا ليس من شأنها أبدا أن تغلق الدائرة, بل سرعان ما تجئ الإرادة, إرادة الحياة لكي تحطم هذه القوقعة المغلقة, ومن هنا فإن المحبوبين لا يصبحان واحدا إلا لكي يصيرا من بعد ثلاثة, وكأن دائرة الحب لا يمكن أن تغلق أبدا!.
إن في الحب شيئا من كل شئ: ففيه شئ من العقل, وفيه شئ من القلب, وفيه شئ من الجنون, وفيه شئ من الجسد, وفي فيه شئ من الفن, وإذن فإن الحب الحقيقي هو أشبه ما يكون بالأنسجام الرقيق بين الحاجات الحيوية والحاجات الوجدانية, أو ضرب من التوافق الخفي بين نداءات الجسد أو الحيوانية وبين نوازع الروح أو الحرية.. ولعل هذا هو السبب في أن الحب الحقيقي ينطوي دائما علي طابع إبداعي أو خلاق وكأن الإنسان لا يستطيع أن يحب دون أن يخلق شيئا خارجه وربما يكمن جمال الحب في أنه عملية خلق متبادل لموجودين مترابطين يشعر كل منهما بأنه في حاجة إلي الآخر لأنه يحبه. وهذا ما يجعل من تجربة الحب تجربة ضرورية في حياة كل فرد منا. ولما كان الحب تجربة إبداعية واستيعابية شاملة, لذلك فإن كل منا يستطيع أن يقول بكل ثقة:' أنا أحب إذن فأنا موجود'.
لمزيد من مقالات د.حسن حماد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.