إجتماع في غاية الأهمية ذلك الاجتماع الذي انعقد منذ أيام في قصر الإليزيه برئاسة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي, وهو الاجتماع الذي تجاهله الإعلام المصري تماما وكأنه شيئ لم يكن; حيث عقد الرئيس الفرنسي اجتماعا دام لمدة عشر ساعات متصلة دون توقف فيما يعد الاجتماع الأطول من نوعه في تاريخ فرنسا منذ نشأتها تقريبا, أما المذهل حقا فهو أن هذا الاجتماع دار برمته حول مصر دون أن يلتفت قلم إليه; إذا استدعي ساركوزي وزير سياحته ووزير الإسكان فضلا عن لفيف من كبار رجالات السياحة هناك لا لشيء إلا ليبحثوا ذلك التهديد السياحي الكبير الذي أصبحت مصر تشكله( الآن) علي السياحة العالمية المتجهة إلي فرنسا!! شرارة المشكلة كانت قد اتقدت عندما رصد القمر الصناعي الفرنسي الموجه نحو الشرق الأوسط( بعد أحداث الربيع العربي) جسما غير مألوف علي الخريطة المصرية, وبالذات في تلك الجزيرة الواقعة بين مدينتي القاهرة والجيزة في قلب النيل, حيث تم علي الفور إصدار الأوامر باستدعاء عدد من الخبراء العسكريين الفرنسيين لدراسة الأمر عن كثب لعل هذا الجسم يمثل تهديدا غير معروف الأبعاد أو العواقب, خاصة وأنه اتخذ علي خريطة صور الأقمار الصناعية شكلا مخروطيا علي شكل صاروخ عملاق بعض الشيء!! وعلي الفور تحركت سيارات رسمية تابعة لوزارة الدفاع الفرنسية في منتصف الليل لكي تقل الخبراء المعنيين فرادي وليسوا في جماعات سعيا وراء التعتيم علي الخبر قدر المستطاع( وفق تقديرات جهاز المخابرات الفرنسية), ومن ثم توالي وصول السيارات(المصفحة) واحدة تلو الأخري إلي قاعدة التقاط صور الأقمار الصناعية وفوجئ الخبراء ببعضهم بعضا أمام مدخل المبني في لحظة واحدة, الأمر الذي أثار في نفوسهم ريبة ما بعدها ريبة بالقياس إلي طبيعة أمر الاستدعاء وكذا توقيت الاستدعاء نفسه!! وفور دخولهم إلي المبني, تم إدخالهم بسرعة إلي قاعة الخرائط, حيث استقبلهم قائد القاعدة وعرض عليهم المسألة وطلب منهم سرعة تحديد طبيعة هذا الجسم الصاروخي الشكل, فما كان منهم سوي أن طلبوا وفي توقيت واحد تقريبا مزيدا من الصور يتم التقاطها لهذا الجسم عن قرب قدر المستطاع, فكان أن أصدر قائد القاعدة أوامره بذلك, ثم ما هي إلا دقائق معدودات حتي وصلت الصور المطلوبة, حيث تبين بعد فحصها بالعدسات المكبرة أنها عبارة عن برج معدني تم تشييده( فجأة) وبين ليلة وضحاها في غفلة من العالم أجمع فوق أحد ملاعب( مركز شباب الجزيرة)!! الأمر الذي استوقف الخبراء الاستراتيجيين لوهلة وبخاصة بعد أن تمت ترجمة اسم المركز إلي الفرنسية لمعرفة طبيعة المكان وسبب اختياره بالذات, وكذا طبيعة نشاطه بل وأبعاد تسميته( بشباب الجزيرة) علي خلفية الثورة التي قام بها الشباب ؟ فما هي إلا ثوان معدودات حتي جاء مركز المعلومات المركزي بفرنسا بجميع التفاصيل المطلوب معرفتها ولم تخرج عن كونه أرضا تم اقتطاعها( غصبا) من أرض نادي الجزيرة الرياضي في أعقاب ثورة يوليو( المجيدة أيضا) في إطار خطتها الدءوبة نحو تعكير صفو الطبقة الأرستقراطية, ثم ما لبث وأن تحول المركز إلي ملهاة لبعض شباب يمارسون بداخله لعبة كرة القدم بشكل أساسي و التي ما زال العلماء محتارين في سبب تربعها علي قمة الألعاب الشعبية في مصر رغم فشل مصر الذريع في تحقيق بطولات دولية( ذات معني) في هذه اللعبة بالذات دون سواها لسنوات وسنوات!! أدرك الخبراء الاستراتيجيون أن الأمر لا يدخل في إطار اختصاصهم مباشرة وإنما ربما يدخل في اختصاص خبراء الفضاء;علي اعتبار أن هذا البرج قد يكون نواة لمنصة أطلاق أول صاروخ مصري إلي الفضاء( مثلا) اعتمادا علي ما لمصر من خبرات فريدة من هذا النوع,ذكروا منها علي سبيل المثال لا الحصر( استغاثة) وكالة ناسا للفضاء بالعلماء المصريين إبان وزارة الدكتورة فينيس كامل جودت وزيرة البحث العلمي سابقا للإسهام في تصميم إحدي المركبات الفضائية التي كان مزمعا إطلاقها إلي المريخ,علي خلفية ما لاحظه علماء الفضاء الأمريكيون من تشابه بين سطح المريخ وسطح الصحراء الغربية!! أصر الخبراء العسكريون الفرنسيون علي استدعاء خبراء الفضاء فورا وبنفس الأسلوب الذي تم استدعاؤهم به لاستبيان الأمر, خشية من أن تكون مصر علي شفا الريادة الفضائية وهي التي لا ينسي لها العالم أبدا( ريادتها الإعلامية) لسنوات وسنوات إبان وزارة السيد صفوت الشريف!! جيء بعلماء الفضاء الفرنسيين, وبعد طول فحص ودرس نفض كبيرهم نظارته من فوق أنفه, وخفف من إحكام ربطة عنقه بعض الشيء فصاح في الجميع: لا داعي للقلق, هذه ليست منصة لإطلاق صواريخ فضائية.. اطمئنوا!! وعلي الفور انطلقت فرقعات زجاجات الشمبانيا الفرنسية الفاخرة احتفالا بما توصل إليه علماء الفضاء الفرنسيين ومن قبلهم العسكريون من نتائج, وراح الجميع يتنفسون الصعداء.. إلا شخص واحد!! وهو مدير المخابرات الفرنسية, والذي لم يستطع أن يخفي مخاوف تسربت إلي نفسه من أن يمثل هذا البرج المعدني تهديدا حقيقيا للسياحة في بلاده; حيث سرعان ما ربط الرجل( بذكاء شديد) بين البرج المعدني المصري وبرج إيفل المعدني أيضا والذي تعتمد فرنسا عليه اعتمادا كليا في جذب السائحين!! وعلي الفور أصدر الرجل تعليماته إلي( رجل كان يقف وراءه) بأن يتصل له فورا بالرئيس ساركوزي!! فرد الرجل( الذي كان يقف وراءه) ألا تري أن الموعد متأخر بعض الشيء ؟ أشعل مدير المخابرات الفرنسية سيجارته في توتر شديد لاحظه الجميع وصاح فيه بصوت غاضب مرتفع: قلت لك إفعل ذلك الآن!! وفي غرفة نوم نيكولا ساركوزي, دق جرس التليفون الساخن فاستيقظ الرئيس علي الفور من سبات عميق,فما أن سمع بالخبر حتي انتفض من فوق سريره وأصدر أوامره الفورية بانعقاد الاجتماع الذي حكيتك عنه في مستهل المقال.. وقيل إنه لم يخلد إلي النوم منذ تاريخه بل وإنه عاد إلي احتساء القهوة التركي رغم خلافه الأخير مع تركيا!! وفي قاعة الاجتماعات الرئيسية بالقصر الرئاسي الفرنسي الإليزيه تم استدعاء جميع المعنيين ودارت مناقشات شديدة السخونة وجه فيها ساركوزي انتقادا لاذعا لرجالات المخابرات علي إغفالهم لحدث بهذه الضخامة من شأنه أن يتهدد الدخل القومي الفرنسي في مقتل, ثم ما هي إلا ثوان حتي أصدر ساركوزي أوامره بتشغيل شاشة العرض ليري الحاضرون صورتين إحداها للبرج المعدني المصري والأخري لبرج إيفل المزعوم, ثم صاح فيهم بلهجة لم يعتادوها منه من ذي قبل: كيف يتسني لنا أن نواجه العالم بعد اليوم ؟ كيف أغفلنا هذه التكنولوجيا شديدة الدقة التي صمم بها المصريون برجهم هذا ؟ أنظروا إلي لحامات الحديد في البرجين وسأترك لضمائركم الحكم, أنظروا إلي عبقرية التصميم ثم اسألوا أنفسكم سؤالا واحدا: ألم يكن بمقدور الفرنسيين تزويد برجهم الهزيل هذا( بسلم بحاري) كمثل هذا السلم الرفيع الممتد بطول البرج المصري من الداخل ؟ ثم استدار إليهم فصاح متسائلا: هل تعرفون سبب عدم إقدامكم علي تشييد سلم بحاري بهذا الارتفاع ؟ أنا أقول لكم: لقد عدلتم عن ذلك لأنكم جبناء,فأنا أتحدي حتي وإن شيدتموه أن تجدوا فرنسيا واحدا علي استعداد لصعود درجات سلم بهذا الارتفاع.. ولكنها شجاعة الإنسان المصري!! ثم انظروا إلي عبقرية المعني الذي وظفه المصريون من وراء هذا البرج تحديدا: إنها الراية المصرية الخفاقة فوق البرج!! برج طوله مئات الأمتار استهلك مئات الأمتار من الحديد و( سلم بحاري) لم يخطر ببال هامان نفسه وزير فرعون حين طلب منه تشييد سلما, وأهدر المال والوقت والجهد لا لشيء إلا من أجل أن يرفرف العلم المصري, وبماذا يفيد المال أيها الأخوة؟ المال ليس له قيمة عند المصريين ولن يكون أبدا وليس خافيا عليكم وضعهم الاقتصادي المذري, ولكنهم ضحوا بالمال من أجل رايتهم فهل يجرؤ فرنسي واحد علي ذلك ؟ ثم انظروا أيها السادة إلي تلك( التقفيصة) التي شيدوها عند مدخل برجهم مجرد أربع حوائط أسمنتية.. منتهي العبقرية بصراحة!! ثم لم يكتفي المصريون بذلك, بل ربطوا بين الراية الشامخة علي قمة برجهم وقاعدته بلمسة تشكيلية بديعة حين دهنوا تلك التقفيصة بلون العلم: أحمر,وأبيض, وأسود علي دماغكم التي لم تستوعب الدرس بعد!! ثم هب ساركوزي واقفا وأراح كفيه فوق منضدة الاجتماعات فصاح فيهم: اغربوا.. اغربوا الآن عن وجهي فأنتم عار علي فرنسا بحق!! هم الجميع واقفين وقد نكسوا رءوسهم من فرط الخجل غير أن واحدا منهم تجاسر فوجه سؤاله إلي ساركوزي: ولكن ألا تري سيدي الرئيس أن الراية لا ترفرف أبدا منذ أن تم تشييد هذا البرج ؟ فالتفت ساركوزي إليه بابتسامة حسرة فصاح فيه:( تصدق, أنا ندمت إني استدعيتك إلي اجتماع بهذه الأهمية) ؟! المزيد من أعمدة أشرف عبد المنعم