هل يسخر الكسندر باين من شخصياته التي يقدمها في أفلامة؟ هذا السؤال سيظل هاجسا لكل من يشاهد أفلام باين وهو بالتأكيد سيكون محل نقاش واسع مع فيلمه الجديد' نبراسكا'. في هذا الفيلم يقدم باين شخصية وودي( بوس ديرن).. الشخصية والممثل في السبعينيات من العمر, أما القاسم المشترك بينهما فهو واضح وبسيط. فالمقدمات في حياة كل منهما لا تنبأ بالنهايات...فمن خلال الفيلم نعرف ان وودي من مقاتلي الحرب الكورية الذي افسدت عقله الكحول بعد أصبح سكيرا وأضعف مع كبر السن قدرته علي التمييز. أما الممثل ديرن والبالغ من العمر77 عانا, فقد بدء حياته وهو الممثلل الذي لا يسمح له إلا بالأدوار الصامتة وعندما سمح له بالكلام كان لأداء أدوار لشخصيات علي هامش الحياة والآن يقدم ديرن قبل ان يصل الي نهاية حياته المهنية فيلمه الاقوي والذي قد يجعله ليس فقط أحد المرشحين للاوسكار لكن ممن يحصلون عليها. ولأن المخرج باين لا يسخر في الحقيقه من شخصياته بل يعري من خلالهم المجتمع الأمريكي الذي يستطيع ان يدمر كل ما هو جميل في الانسان, فقد نصح بطل الفيلم بألا يمثل أي لا يقوم بأداء الدور ولا يضيف له من عنده شيء, عليه فقط ان يتعامل كما هو- مع المواقف التي سيتعرض لها. ويؤكد ديرن ان هذا المخرج لديه الصبر علي ان يستمر في التصوير دون كلل الي ان تري الكاميرا- او المشاهد بعد ذلك- ما يحدث في الواقع. فكيق لرجل تخطي السبعين من عمرة ويملك قدرات عقلية في طريقها للاتنهار, ان يقطع الطريق من ولاية مونتانا الي ولاية نبراسكا سيرا علي الاقدام للحصول علي جائزة ورق اليانصيب التي يلقي بها معظم الامريكيين الي سهلة المهملات لانهم يعرفون الهدف الخبيث من ورائها. فكل من يحلم بتحقيق الحلم الامريكي في الحياة الرغدة والسعادة في ارض الاحلام لابد له ان يصل الي حقيقة الشركات التي تبيع هذا الوهم ليل نهار. لكن البعض فقط هم من يستطيعون الوقفوف علي ارض الواقع والبعض الآخر مازال يسعي الي الوهم كما هو الحال عندنا, حيث الاعلانات التي لا تنتهي للاتصال علي ارقام محدده للحصول علي جوائز كبيرة. الطريق الذي يقطعه وودي يصل الي حوالي900 ميل وخلال الطريق نري ما حدث في امريكا او بالأحري يري المشاهدون ماذا نفعل بمن هم مثله علي طرقاتنا. فهذا الرجل الذي غطي اللون الابيض شعره بالكامل وتركته الحياة الطبيعية في منز الاسرة والابناء ليعيش كما يقول ديرن- خلف مواقف السيارات- يريد ان تسير الحياة الان كما عرفها من قبلفلا يقبل الازدحام ولا يريد ضجيج السيارات ولا يعرف من الاشخاص سوي من عرفهم فيصعب عليه ان يحافظ علي رفيق له في الطريق. اما الاسرة فكل يري فيه ما يريدههل يريد ابنه أبا مليونيرا- معنوها؟, هل يريد صديق العمر ان يكسب من وراءه؟, هل من سيده تري فيه حلما يتحقق؟. الحقيقة ان كل ذلك قد يوجع قلوبنا ففي' وودي' الكثير من الرقة والبراءة رغم هيئته التي لا توحي الا بعكس ذلك, لكنه لا يري ما نراه ولا يأبه لما نحن فيه... فمنذ اللحظة الاولي نري شخصا كل ما يحاول ان يفعله هو البقاء علي قيد الحياة..لكن طريقته في المشي والتنقل بين الاشياء وتعليقاته وملابسه والمساكن المتراصة الي جوار بعضها البعض حيث تعيش اسرته والطرقات المعتمة, كل ذلك يوحي بشخصيته لكنه ايضا قد يوحي للمشاهدين ان المخرج بايرن يحاول السخرية من مثل هذه الشخصيات..لكنه يقدم لنا شخصيات نحن في الاغلب لا نريد ان نعرف ما ورائها ولا يخطر ببالنا اننا قد نكون مثها. فالفيلم ملئ بالشخصيات المركبه التي التي امتلئت روحها بالتجارب الفاشله والاخطاء التي ارتكبت ومازالت ترتكب وكان الشخصيات التي ولدت منذ سنين بعيدة لم تعد موجودة. يريد بايرن ان يخلع عن الجميع الاردية المنمقة يروا ما بداخلهم او كما قال ديرن- البطل- لابنته...'عليكي بالمغامرة..اذا ما اردت ان يكون لك دور في الحياة فالتقفي عند حافة الصخرة ولتأخذي الدور الذي يرفضه الآخرون أو ما تركوه أو ما لم يروه لأي سبب من الأسباب.'