عقب تولي محمد مرسي مقاليد السلطة, وزمام الأمور في البلاد, بزغ في قاموس السياسة المصرية مصطلح جديد علي الأسماع, غريب علي الأفهام, وهو مصطلح الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين, والذراع السياسية للدعوة السلفية, والذراع السياسية للجماعة الإسلامية, وهذا المصطلح لا يوجد إلا في الدول التي ترزح تحت الاحتلال, حيث يكون للأحزاب أكثر من ذراع منها السياسية والعسكرية.. إلخ. عن خبايا وخفايا وأسرار حكم الإخوان في العام الذي تولوا فيه السلطة, اخترنا أن نحاور عبد الرحيم علي رئيس المركز العربي للأبحاث والدراسات, أحد أبرز المتخصصين في شئون الجماعات والحركات الإسلامية. برأيك, علام يراهن الإخوان الآن بمظاهراتهم وإنهاكهم للدولة المصرية؟ يراهنون علي الخارج, وعلي الوقت, وعلي إرهاق المواطن, وتكفيره بالوضع الجديد. فلو استطاع الإخوان إشاعة فوضي مجتمعية, فسيصيب المواطن ضيق شديد, وسيتبرم من الوضع الحالي, وبالتالي ستبدأ المفاوضات الفئوية والعمالية, وبالتالي ينهار الاقتصاد. ومع انهيار السياحة, وانخفاض إيرادات قناة السويس, لأنه كل يوم تحدث انتهاكات للقناة, في محاولة لإرباكنا وإخراجها من مستوي ممر مائي سالم وآمن إلي مستوي ممر مائي خطير, فيتم إخراج قناة السويس من معادلة الاقتصاد المصري, كذلك انخفاض تحويلات المصريين بالخارج.. كل هذا يؤدي إلي تعطيل الاستثمارات, لأن الأمن ليس علي مايرام. وهنا, تأتي العملية الخارجية لتركيع مصر اقتصاديا, حيث يبدأ الإخوان في التحول من المظاهرات السلمية- كما يدعون- إلي العنف, الأمر الذي يعطي ذريعة للغرب للضغط علي الحكومة المصرية والنظام القائم للجلوس مع الإخوان والمعارضة علي مائدة الحوار, ويبدأ التفاوض. فالمفاوضات تعني أن الدولة برأسين أو بروحين. فإذا فشل هذا الأمر, يبدأ الغرب بتدعيم المعارضة بالسلاح. وإذا فشل هذا, يدخل عليك بالعقوبات الدولية, إلي حين جلوسك مع المعارضة, وهذه خطة أمريكية جهنمية تريد أمريكا تطبيقها في مصر, مثلما أرادت تطبيقها في سوريا. تري من الذي يدير الإخوان الآن؟ لا يهم من الذي يدير الإخوان الآن, لأنهم في حالة تخبط شديد جدا, والاتصال الآن مقطوع بين القيادات والقواعد, لأن جهاز الأمن قام بالقبض علي معظم القيادات, فتم فصل رأس الجماعة عن جسدها. كما قام الأمن برصد وضرب غرف العمليات, حيث ضرب غرفة كبيرة في الإسكندرية, وجاردن سيتي, وقبض علي كل العناصر والهيكل الإداري فيهما, كما قام بضرب غرفة المعادي, التي كانت مهمتها التشويش علي الفضائيات,. ولما أحس الشعب بجرعات زائدة من الإرهاب, تم إلقاء القبض أيضا علي الجزار, وحجازي, ورشاد البيومي, وخيرت الشاطر, والبلتاجي كيف تري الهيكل الإداري للإخوان؟ وهل لا يزال متماسكا أم تم تفكيكه؟ لدي الإخوان سبع مناطق إدارية, هي القاهرة الكبري, وشمال وجنوب الصعيد, ووسط وغرب وشمال الدلتا, هذه المناطق لها رؤساء, تم القبض عليهم, مثل سعد الحسيني, ويوجد أيضا31 منطقة إدارية, كل منطقة يديرها9, فيكون عندك279 قيادة, بالإضافة إلي مكتب الإرشاد, وعدد أعضائه15 تم ضبط معظمهم. كما تم القبض علي50% من عناصر المكاتب الإدارية, وبذلك يكون قد تم القضاء علي50% من قدرة التنظيم علي الحركة والحشد, وما يدل علي هذا الانخفاض الهائل في أعداد المظاهرات, والمنظر الهزيل الذي ظهرت به, عدا الجمعة قبل الماضية, وذلك لسبب أساسي هو تدخل مثل قطر, وأمريكا, وإيران في تمويل شراء مجموعات تعمل لصالح الإخوان في المظاهرات, فالألتراس كان موجودا, وحركة6 أبريل, مما جعل المظاهرات تبدو أكبر حجما وعددا, ولكن الأمن كان لهم بالمرصاد, حيث كسر قدرة التنظيم بالقبض علي القيادات العليا والوسيطة. الخطة الأمنية بدأت تسير في اتجاه متواز مع ذلك أيضا بالقبض علي المتحالفين مع الجماعة بأوامر ضبط وإحضار صادرة من النيابة العامة كعاصم عبد الماجد, وعصام سلطان, وأبو العلا ماضي, ومحمد محسوب. كما أن عودة الكفاءات التي تركت أو أجبرت علي ترك جهاز الأمن الوطني بمصادر معلوماتهم الهائلة عن النشاط الديني المتطرف أسهمت في إكمال الخطة الأمنية إلي نهاية المسار. كذلك, بدأت الخطة الأمنية بضرب وتجفيف منابع التمويل التي تجعل الإخوان يقومون بشراء الأحزاب الأخري التي تمثل الطابور الخامس كحركة6 أبريل, ومجموعة الليبرالين الجدد, واليساريين, والقوي الثورية التي هي فوضوية بالأساس. ألا يلفت نظرك أن معظم هذه القوي الثورية التي تحدثت عنها كانت ضد الإخوان بالأساس وكانت تخرج في مظاهرات ضدهم.. ما تفسير ذلك ؟ الفكرة عند هذه الحركات الثورية هي الوقوف ضد الحاكم أيا كان. ولو افترضنا النبل في هذه الحركات الثورية, لتبين لنا البرجوازية الصغيرة, فهي فكرة الثورة من أجل الثورة, كما في الشعار الذي رفعته هذه المجموعات يسقط الرئيس القادم, فنحن في مرحلة فرز مجتمعي. وأعتقد أن أجهزة الدولة الوطنية تضع كل هذه الأمور نصب عينيها. كما أعتقد أننا لا نزال في مرحلة الأيدي المرتعشة من كل الأطراف, فالمطلوب من أجهزة الأمن أن تضرب بالصورة التي تحدث الضجة الكبري, والتحرير الفاصل. فمتي يقود صاحب القرار حربا مفصلية, والقرار لا يزال مرتعشا؟. فالحل هو تعديل خريطة الطريق, لتبدأ بعمل دستور جديد, ثم رئيس منتخب قبل الانتخابات البرلمانية. بذلك, نكون قد حققنا أكبر قيمة في خريطة الطريق, لقطع الطريق أمام عودة مرسي, أو السيناريو الذي يريد الأمريكان فرضه علي النظام. فهي فكرة المصداقية, حيث إن الرئيس المنتخب ستكون عنده قوة من الشعب الذي انتخبه. كيف تري إشارة رابعة؟ وما الذي تدل عليه؟ تأكيد اعتصام رابعة, والمطالبة بالثأر والقصاص للذين قتلوا في رابعة والنهضة, وضرورة تعميق مفهوم الاعتصام بالميادين. وقد استخدم هتلر يديه, وأشار بإشارته الشهيرة, والثورة البلشفية كان لها إشارات, وكذلك الثورة الفرنسية. فالمسألة هي قدرة الرمز علي اختراق أشياء كثيرة, من خلال الرسم علي الحوائط والجدران. ولكن القضية هي القدرة علي تطبيق هذا علي الأرض. فإلاسلام هو الحل كان شعارا تفاعل الناس معه, وكانواكل معهم, ولكن الفكرة هي مدي تطبيق هذا الشعار, وهو ما لم يلمسه الناس, واتضح أنه كان مجرد شعار. هل أفلح الإخوان المسلمون في اختراق الأجهزة الأمنية, أم تراهم فشلوا في ذلك؟ منذ اليوم الأول لتولي مرسي السلطة, تولي خيرت الشاطر ملف الأمن. ولما رحل أحمد شفيق من الوزارة, وجاء منصور العيسوي وزيرا للداخلية, في حكومة شرف, قرر العيسوي أن يستجيب لضغوط الشاطر, فأتي بحامد عبد الله, مدير أمن حلوان, مديرا لجهاز مباحث أمن الدولة, وهذا الرجل لا يفقه شيئا في الأمن السياسي علي الإطلاق, حيث دخل هذا الجهاز بروح المنتقم, وفوجئ ضباط أمن الدولة بهذا الرجل في هذا المنصب الذي يعد عين مصر التي ترصد أي اختراق لأمنها القومي. خيرت الشاطر قدم كشفا لمنصور العيسوي بأسماء600 ضابط من ألمع وأكفأ ضباط جهاز أمن الدولة في مصر, وقرر أن يخرجهم من هذا الجهاز ما بين متخصص في مكافحة الإرهاب, ومتخصص في شئون الجماعات الجهادية, ومتخصص في شئون جماعة الإخوان المسلمين. ولك أن تتخيل أن الإخوان أخرجوا أفضل رجال الأمن في مصر, فاللواء سيد الحبال, الثالث علي العالم في مكافحة الإرهاب, تخلصوا منه وألقوا به في الحراسات الخاصة, وأتوا بدلا منه بضابط للإشراف علي التربية البدنية, أيضا الضابط المختص في سيناء الذي يحفظ مكان كل حبة رمل في سيناء يجلس في بيته الآن, ووكيل إدارة مكافحة التطرف والإرهاب, وعشرات الضباط المظلومين الذين يريدون العودة إلي الجهاز, والعمل بالمجان من أجل مصر. وبدأ الشاطر يضع الجهاز تحت الميكروسكوب. حاول مرسي في واقعة شهيرة جدا استخدام أجهزة التنصت الموجودة لدي جهاز الرقابة الإدارية لمصلحة الإخوان المسلمين, ولكن رئيس الجهاز اللواء محمد عمر رفض, وكان معرضا للفصل. رأفت شحاتة في آخر48 ساعة, صدر له قرار إما بالقتل أو القبض عليه, ورفض مغادرة مكتبه يوم28 يونيو2012, فحاول محمد مرسي اختراق هذا الجهاز, ولكنه لم يستطع, فحصلت مهازل كبري في أجهزة الأمن, والجهاز الوحيد الذي حاولوا دغدغته وتدميره كاملا هو جهاز أمن الدولة, فغيروا مسماه إلي جهاز الأمن الوطني, واستحدثوا له قانونا جديدا, هو أنه لا يجوز لجهاز الأمن الوطني استجواب مصري, فالإرهابي المصري لا يتم استجوابه في جهاز الأمن الوطني, وإنما يتم استجوابه في النيابة العامة. ما علاقة الإخوان بالتنظيمات الإرهابية الموجودة في سيناء؟ تنبه الإخوان مبكرا في عصر مبارك لفكرة أن النظام يضعف حين تكون هناك مناوشات, فحماس أوجدت تنظيمات في سيناء علي الورق فقط, مثل جيش الإسلام الذي يقوده ممتاز دغمش. فحين تحدث عمليات إرهابية, تتبناها هذه التنظيمات, وتأتي مرحلة المفاوضات التي تتولاها حماس. أيضا من التنظيمات التي أوجدتها حماس تنظيم التوحيد والجهاد الذي استخدم لاحقا من حركة حماس لمصلحة الإخوان ليكون شوكة في ظهر النظام المصري, وقد تم استخدامه من قبل في تفجيرات طابا وشرم الشيخ, ثم استخدم أيضا في تفجيرات دهب والجورة في أبريل2006, وقد قضي الأمن المصري علي جزء كبير من هذا التنظيم, وقتل زعيمه خالد مساعد, وخميس الملاحي نائبه, وقد حدث هذا عقب خطف ضباط الشرطة, ومذبحة رفح الأولي للمطالبة بالإفراج عن عبد الله فايز المقبوض عليه في تفجيرات دهب وشرم الشيخ. ولما تولي مرسي الحكم, كان هناك168 عنصرا جهاديا استطاعوا الفرار من السجون, وانضمت لهم جماعات كامنة في سيناء, والهاربون من غزة, وأقاموا ثلاثة معسكرات, وكان خيرت الشاطر يستقبل في مكتبه رسميا ممتاز دغمش, قائد جيش الإسلام لاستخدام هذه العناصر وقت اللزوم في أي انتخابات قد لا تعجب نتيجتها الإخوان, وهذا ما هدد به خيرت الشاطر الفريق أول عبد الفتاح السيسي قبل30 يونيو. وبدأ مرسي بدعم هذه الجماعات والعناصر الجهادية بالمال والسلاح, كما اتضح أن مرسي أتي بالإرهابيين من كل أنحاء العالم إلي مصر, منهم3000 من ألمانيا, وكان يفرض علي ضباط أمن الدولة ويجبرهم علي أن يستقبلوا هذه الجماعات الإرهابية استقبالا رسميا في المطار, إلي الحد الذي جعل أجهزة المخابرات الأمريكية, والفرنسية, والبريطانية, والألمانية تقول إن القاعدة باتت تخترق حزام المدن الكبري كالقاهرةوالإسكندرية. ولما أعلن وزير الداخلية القبض علي خلية لتنظيم القاعدة, أصدر مرسي آخر قرار له, وهو الإفراج عن هذه المجموعات, فحول سيناء إلي تورا بورا ليشغل الجيش بشكل كامل في منطقة سيناء لإبعاده عن الصراع السياسي في القاهرة, ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن, فالجيش الآن يخوض حربا ضارية وحامية الوطيس ضد التنظيمات الإرهابية. كيف تري دعوات المصالحة؟ أي مصالحة؟ هذا كلام فارغ, المصالحة مع من؟ إن الطرف الذي تريد أن تتصالح معه يقول لك إن ما حدث في مصر انقلاب عسكري, فعلي أي أساس تجلس معهم؟ ومن في الإخوان يجرؤ علي أن يقول إن ما حدث في30 يونيو ثورة؟ فالمصالحة عمل سياسي محض لبناء دولة جديدة علي أساس أن ما حدث ثورة. إذن فليأت الذين ينادون بالمصالحة وليجلسوا معنا علي هذا الأساس, فالإخوان يهينون الجيش المصري والقوي السياسية ليل نهار, وبعد ذلك نسمع من ينادي بالمصالحة معهم. المصالحة أساسها الاعتراف بأن ما حدث ثورة شعبية علي مساوئ وظلم حكم الإخوان. ومن لا يعترف بهذا, فليذهب إلي مزبلة التاريخ. كيف تري مستقبل الجماعة, في ظل حكم القضاء بحظر أنشطتها, وتجميد أموالها, وإغلاق مقارها؟ عندما قررت الجماعة الاستجابة لنصائح أجهزة المخابرات الأمريكية بالترشح لانتخابات الرئاسة, وهم غير جاهزين بعد للحكم, انتحروا سياسيا. ولما استبعدوا وأقصوا المعارضين, انتحروا اجتماعيا. ولما بدأوا يوغلون في دماء المصريين ويقتلونهم, انتحروا ماديا, إلي الحد الذي جعلهم لا يفكرون في خوض أي انتخابات مقبلة. إن الحكم بحل جماعة الإخوان بشكل نهائي, هو حكم تاريخي, سوف يؤثر بالإيجاب في التاريخ المصري. فما حدث يفوق بكثير قرار حكومة النقراشي بحل الجماعة سنة1948, ثم قرار مجلس قيادة الثورة في يناير53, بحظر تلك الجماعة, ولكنها كانت قرارات إدارية فقط. أما الآن, فقد أنهي القضاء الموقف بشكل حازم بحظر الجماعة قضائيا, وهو القرار الذي سيؤثر كثيرا في الحياة السياسية المصرية, وفي الانتخابات البرلمانية المقبلة, وفي الانتخابات الرئاسية أيضا, ولكن هذه المرة سيكون تأثيرا إيجابيا, وسيعطي الإدارة المصرية الأحقية في مجابهة تلك الجماعة المحظورة, وتجفيف منابع التمويل التي يتم استخدامها في أعمال العنف. هل تتوقع أن يفعل الإخوان شيئا خلال الاحتفالات المقبلة بنصر أكتوبر؟ سوف يزداد العنف بشكل واضح, خلال الفترة المقبلة, وهو عنف ما قبل الانهيار, ولكن سرعان ما سيدركون الموقف, خاصة أن جميع قيادات ومؤسسات الدولة من شرطة وجيش وشعب قد سئموا من هذا الموضوع, وسوف يبقي الحصار الجماهيري والسياسي لهم, لتجنب عودتهم مرة أخري للحياة السياسية.