مفترق الطرق هو النقطة التي يتفرع فيها الطريق الواحد إلي عدة طرق, يسير كل منها في اتجاه ليصل بك إلي نهاية مختلفة تماما عن الأخري, مثل نقطة تتفرع إلي طريق يقودك للإسكندرية, وآخر إلي أسوان وثالث إلي عمق الصحراء بالوادي الجديد,, ويبدو عام 2012 مثل هذه النقطة الفارقة في عالم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لأنه عام يقدم بدائل تكنولوجية متمايزة ومختلفة, كل منها يسير في طريق مغاير إلي حد كبير عن الآخر, بعكس العديد من الأعوام السابقة التي قدمت بدائل مختلفة داخل فئة واحدة من المنتجات أو القطاعات, بعبارة أخري عام2012 لا يضع المصنعين والمطورين والبائعين والمشترين من المؤسسات والأفراد أمام تنويعات في السعر والكفاءة كما هو معتاد, وإنما يضعهم أمام طرق مختلفة, علي كل واحد أن يحدد في أي تجاه سيسير وهو يصنع أو يطور أو يستورد أو يشتري أو يبيع أو يستخدم... كيف؟ يمكن تتبع ورصد خصوصية2012 في عالم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من عشرات الشواهد التي ظهرت خلال الفترة الماضية, فإذا نظرنا مثلا إلي مجال الحاسبات سواء المكتبية أو المحمولة, سنجد أنه خلال السنوات الماضية كان بإمكان المرء أن يختار بهدوء ودون أي تحوط بين الحاسبات المكتبية والمحمولة دون أن يسأل إن كانت مزودة بمعالجات تعمل بتكنولوجيا32 بت أو64 بت, لكن في2012 سيكون الأمر مختلفا, وأصبح اختيارك للحاسب الذي يعمل بمعالج من أحد النوعين مكتبي أو محمول هو في حقيقته مفترق طرق بين تقنيتي32 و64 بت, فمن ناحية هناك هجوم قوي من معالجات64 بت وحديث جدي عن إيقاف طرح معالجات32 في وقت ما خلال العام, فضلا عن توقعات لها قوتها واحترامها عن تحول كامل في نظم التشغيل إلي تقنية64 بت, خاصة ويندوز8, فإذا كنت مقبلا علي شراء حاسب مكتبي أو محمول أو غيرهما خلال2012 فأنت لم تعد حرا طليقا بصورة كاملة في قرارك, بل عليك التمهل لتحدد أولا في أي طريق تسير: هل ستسير في طريق32 بت أم64, لأن لهذه الخطوة ما بعدها, إما علي مستوي نظم التشغيل أو التطبيقات أو حتي الصيانة والدعم. والحاصل أن الكثير من الخبراء والمراقبين في صناعة التكنولوجيا يؤكدون أن أغلب الشركات المنخرطة في صناعة التكنولوجيا بوجه عام تتمني زوال واختفاء أسلوب الحوسبة32 بت للأبد والتوسع في استخدام أسلوب الحوسبة64 بت لما تقدمه من مزايا شتي لكل من الشركة المصنعة والمستخدم النهائي بل ومطوري البرمجيات أيضا, وكانت الكثير من الشركات قد خططت بالفعل لبداية تنفيذ هذا المخطط علي نطاق واسع بداية من عام2013 أو2014 علي أقصي تقدير, ولكن يبدو أن نظام تشغيل ويندوز8 المرتقب من شركة مايكروسوفت سيعجل ببداية هذا المخطط مع بدايات عام2012, ليكون هذا هو العامل الأول في الاختيار عند الشراء وليس السعر أو الكفاءة, أو النوعية. وإذا ما نظرنا إلي مجال الحوسبة المحمولة أو المتنقلة, سنرصد مفترق طرق بارز وواضح للعيان طرفاه الحاسبات المحمولة والحاسبات اللوحية, ففي2011 وما قبله تباطأ تأثير الحاسبات المكتبية والمحمولة إلي الدرجة التي لم تستطع فيها احتواء هجوم الحاسبات اللوحية وحاسبات الشبكة نيت بوك لكنها لم تنكسر كلية وتخرج من الساحة, وفي المقابل تنامي تأثير الحاسبات اللوحية وحاسبات الشبكة بصورة كبيرة حتي أصبحت أمرا واقعا يعتد به, لكنها لم تصل إلي درجة توجيه ضربة قاصمة للحاسبات المكتبية والمحمولة, وترتب علي ذلك أن2012 أصبح هو الساحة التي لن تشهد سيطرة كاملة للحاسبات المحمولة والمكتبية ولا تهديد ساحق للحاسبات اللوحية وحاسبات الشبكة, بل ستكون ساحة للندية والمفاضلة التي تقود المستخدم أو المشتري إلي اختيار مسار مميز ومختلف عن غيره في خدماته وقدراته وخصائصه وأعبائه أيضا, وهذا ما سيجعل المشتري أو المستخدم أمام مفترق طرق, وليس مجرد اختيار حاسب محمول من بين حاسبات أخري محمولة كما كان في العام الماضي وما قبله. تمتد الظاهرة نفسها إلي عالم التليفونات المحمولة, وبشكل أخص التليفونات الذكية التي يستخدمها المحترفون ورجال الأعمال بكثرة, فإذا كنت من الباحثين عن تليفون محمول ذكي متقدم الإمكانات, فالأفضل أن تتريث قليلا في الشراء خلال2012, لأن هذا العام سيحسم إلي حد كبير قضية إضافة إمكانات أجهزة العرض البروجيكتور إلي أجهزة المحمول, بحيث تصبح صفة معيارية اعتيادية في هذه النوعية من التليفونات, ليصبح تليفونك المحمول جهازا بإمكانه استقبال البث التليفزيوني الفضائي أو تشغيل ملفات فيديو مخزنة علي ذاكرته وفي الوقت نفسه عرضها علي أي حائط أو حاجز صانعا لنفسه شاشة تصل مساحتها إلي50 بوصة بوضوح كاف لتحقيق متعة مشاهدة فردية أو جماعية تقترب مما يحدث مع التليفزيون أو أجهزة العرض العادية, لكي تستمتع مع أصدقائك أو زملائك بمقاطع الصور أو الفيديو سواء لغرض التسلية أو لغرض العمل, وخلاصة هذا التطور أن المستخدمين خاصة داخل الشركات والمؤسسات أمام مفترق طرق, إما الانتظار حتي السير في طريق التليفون المحمول المندمج فيه أجهزة عرض بروجيكتور, او الاستمرار في طريق التليفون المحمول العادي وشراء أجهزة عرض إلي جانبه, وهو موقف يختلف بطبيعة الحال عن الموقف الذي يتم فيه شراء التليفون أو أجهزة العرض قبل ظهور إمكانية الدمج بينهما. ويتشابه هذا الأمر إلي حد كبير مع ما يحدث بين الحاسب والإنترنت والتليفزيون من تمازج أو تزاوج, فهذا التزاوج متوقع له أن يتسارع بصورة كبيرة في2012, بما يجعل شراء جهاز تليفزيون تقليدي صفقة خاسرة علي الأجل الطويل, وشراء تليفزيون رقمي صفقة صعبة تحتاج نفس طويل وعميق, لأن هذا الزواج مقدر له أن يتعمق في العام الجديد ويثمر أجهزة وخدمات في عالم التليفزيون والفيديو والبث الفضائي, ستشكل في مجموعها مفترق طرق أمام قطاعات كبيرة من المستخدمين والمشاهدين والمقبلين علي شراء أجهزة تليفزيون, فالاختيار لن يكون محصورا بين الطيف الواسع من أجهزة التليفزيون التقليدية المعروفة, ولكنه سيصبح في كثير من الأحيان قرار بالانتقال من فئة إلي فئة, أو ربما من عصر إلي عصر, أو الانتقال لأجهزة جديدة تختلف جذريا عن التقليدية في إمكاناتها وطريقة عملها وتفاعل المشاهد معها, منها التليفزيونات عالية التحديد ثم ظهر علي الساحة التطور الأبرز في هذا الاتجاه وهو تليفزيون الإنترنت, أو التليفزيون الذي يستقي المواد التي يعرضها من مواقع تقدمها للمشتركين والمستخدمين للشبكة في صورة خدمات حسب الطلب, من حيث النوعية والتوقيت. والواضح أن متفرق الطرق في مجال التليفزيون يشمل أيضا المرحلة والعصر الذي تنتمي إليه طريقة المشاهدة, فالكثير من المحللين والمراقبين يرون أن العام الجديد سيشهد تحولا كبيرا في مسيرة أجهزة التليفزيون العاملة بالشاشات ثلاثية الأبعاد التي يمكن استخدامها والتعامل معها بدون نظارة خاصة, حيث ستظهر الأجهزة ذات الشاشات كبيرة المقاس معقولة السعر, التي تحسنت قدراتها التقنية حتي أصبحت قادرة علي توفير الصورة ثلاثية الأبعاد لمسافات كبيرة ومن زوايا متعددة بالعين المجردة دون مساعدة, بعبارة أخري سيكون عام2012 بحق هو عام العبور الحقيقي من عصر المشاهدة ثنائية الأبعاد إلي عصر المشاهدة ثلاثية الأبعاد, وهو تطور يضع مفترق طرق جديدا أمام مستخدم أو مشتري أجهزة التليفزيون, ويجعله إما يمضي في مسار شراء تليفزيون ثنائي الشاشة أو شراء آخر بشاشة ثلاثية الأبعاد, وهو أمر لم يكن متاحا علي نطاق واسع من قبل. ولا يخرج عالم الإنترنت عن سياق مفترق الطرق الذي يفرضه2012, بل سيشهد تهو الآخر تطورا من هذا النوع, فالمعروف مثلا أن موقع فيس بوك عاش في السنوات الماضية ملكا متوجا علي عالم الشبكات الاجتماعية بلا منافس تقريبا, لكن عام2012 سيحرمه من هذا الوضع المريح, لأنه سيضع بجواره منافسا جديدا لا يمكن تجاهله, وهو شبكة جوجل بلس, التي استطاعت خلال الفترة الماضية أن تضع رواد الإنترنت والراغبين في الدخول إلي عالم الشبكات الاجتماعية أمام مفترق طرق يجعلهم يتريثون ويفكرون في الاختيار بينها وبين الفيس بوك, بعدما كان الفيس هو الاختيار الوحيد, وهذا أكبر تحول تشهده ساحة الشيكات الاجتماعية في العام الجديد. وثمة مفترق طرق آخر تشهده الشبكة في2012, وهو أن العام الجديد سيكسر سيطرة وهيمنة الإنترنت الثابتة أو الإنترنت التي يتم الوصول إليها عبر خطوط الاتصالات الأرضية, وسيجعلها تصبح وجها لوجه أمام الإنترنت المتنقلة التي يتم الوصول إليها لاسلكيا عبر أدوات محمولة باليد, وقد توقعت مؤسسة آي دي سي البحثية أن يصل عدد مستخدمي الإنترنت عبر الأجهزة المحمولي إلي مليار ونصف المليار شخص في2012 ليصبح الوصول اللاسلكي والعمل عبر الإنترنت المتنقلة طرفا أصيلا يصنع مفترق طرق مهم ومؤثر في مسيرة الإنترنت, وفي أسلوب الاقتراب منها والوصول إليها. وكل الشواهد السابقة ليست سوي أمثلة سريعة موجزة علي ما سيشهده العام الجديد من تحولات وظواهر في عالم التكنولوجيا, ولمن يريد الاستزادة متابعة عدد يناير من مجلة لغة العصر الموجود بالأسواق الآن ويغطي هذه القضية بصورة تفصيلية ويستعرض خلفيات وأبعاد هذه المنعطفات المفترقات المهمة.