هل فكرت فى شمال مصر؟ بالتأكيد لقد سبق وان فكرنا جميعا فى شمال مصر فهناك ساحل البحر الأبيض المتوسط. فمن هذا البحر تأتى الأسماك التى نلتهمها وعلى شواطئه يجلس الملايين من أبناء مصر كل عام فى المصايف وعلى شواطئه استولى ألاف الفاسدين ومنه أيضا فر الاف الشباب الى حتفهم اثناء البحث عن سراب عالم أفضل. أما اخطر شئ فيتمثل فى انه البحر الذى يأتى منه الغزاة دائما!! فمؤخرا، وبعيدا عن القيل والقال ومحاولات الوقيعة بين الشعب والجيش وبين الجيش والشرطة وبين الثلاثة معا، أجرت القوات البحرية المصرية فى الأيام الأخيرة من شهر اكتوبر ما وصف بأنه أكبر مناورات بحرية بالذخيرة الحية امام شواطئ الأسكندرية. الهدف المعلن كان اظهار مدى استعداد قواتنا المسلحة للقيام بواجباتها الرئيسية جنبا الى جنب مع واجباتها تجاه الحفاظ على الإستقرار الداخلى للوطن. وقد اثبتت القوات المسلحة ذلك فعليا من خلال المشاركة "الناجحة جدا" فى تأمين العملية الإنتخابية وخاصة فى الأسكندرية. ولكن السؤال كان هل هناك ما يقلق فى شمال البلاد؟ والإجابة ببساطة هى نعم وبكل تأكيد. فعلى الرغم من الأسلوب المتوازن الذى تنتهجه مصر فى علاقاتها بالدول المطلة على البحر المتوسط فإن منطقة شرق البحر المتوسط تشهد ومنذ شهور حالة من الغليان. فخلال شهرى سبتمبر واكتوبر شهدت المنطقة تحركات عسكرية متبادلة بين كل من اسرائيل وتركيا وسط حالة من التأهب فى كل من قبرص بشطريها واليونان. هذا التأهب والقلق المسلح تعود جذوره الى التنافس المتصاعد بين دول المنطقة على تقسيم مخزون الغاز القابع تحت قاع البحر فى تلك المنطقة. وقد بدأ النزاع حول التنقيب عن حقول الغاز بين تركيا وقبرص وسرعان ما انضمت عدة دول أخرى وفى مقدمتها اليونان ولبنان ودول الإتحاد الأوروبى وإسرائيل, التى سبق وان وقعت مع قبرص اتفاق لترسيم الحدود البحرية فى شرق البحر المتوسط بعد اكتشافات غازية متاخمة لمناطق التنقيب القبرصية, بالإضافة الى روسيا والولايات المتحدة ذلك "الضيف" المقيم بشكل دائم فى المنطقة. ومنذ عدة سنوات وقعت قبرص اتفاقيات مع دول بالمنطقة لضمان حقوق إستغلال فيما يعرف بالمنطقة الإقتصادية الخالصة. وبدأت قبرص فى الإعلان عن نواياها بشأن التنقيب عن الغاز والبترول تحت سطح البحر فى المنطقة الإقتصادية الخالصة ايضا بعد حصولها على موافقة بعض دول شرق البحر المتوسط. ولكن ونتيجة تراكمات وصراعات سابقة لم تقبل تركيا بأن تقوم قبرص باستغلال الموارد الطبيعية فى المنطقة وهو الأمر الذى تطلب تحركات على مختلف الأصعدة بداية من التحركات الدعائية والدبلوماسية ووصولا الى تحريك القطع البحرية العسكرية. ولم يكن القبارصة وحدهم هم من تحركوا بحثا عن الغاز فى المنطقة بل تحركت اسرائيل هى الأخرى لمساندة القبارصة مما اثار حفيظة الأتراك، فحركت تركيا عدد من قطعها البحرية فى المنطقة لمراقبة أعمال الإستكشاف والتنقيب القبرصية وعقدت اتفاقا مع القبارصة الأتراك (شطر الجزيرة الخاضع لتركيا منذ صيف عام 1974) لترسيم الجرف القارى بهدف تحديد مناطق تنقيب تركيا عن الغاز والبترول فى المنطقة البحرية المحيطة. وقبل نهاية سبتمبر تحركت السفينة "بيرى ريس" التركية للابحاث فى طريقها لشرق المتوسط باتجاه قبرص وقامت بعمليات إستكشاف للغاز فى حماية قطع بحرية عسكرية تركية كما تم الإعلان عن خروج بعثة تركية استكشافية ثانية فى أكتوبر تم التخطيط لأن تقترب لمسافة أقل من 15 كيلومتر من مواقع التنقيب القبرصية اليونانية بالبحر المتوسط. فإذا علمنا ان هذا التوتر يحدث على اطراف مياهنا الإقليمية الشمالية والمنطقة الإقتصادية الخالصة، أى على ابوابنا الشمالية، وهى بالطبع منطقة بعيدة جغرافيا عن ميدان التحرير وشارع محمد محمود ولكنها قريبة جدا من حيث التأثير، وان التوتر يتوقع له ان يتزايد فى ظل تعرض غالبية دول العالم للتضرر من جراء الأزمة المالية والإقتصادية العالمية، فسندرك ان الوقت قد حان قبل اى وقت مضى لأن نتحد جميعا فى مواجهة الخطر الذى خرج من اوراق التكهنات الى واقع التحقق الفعلى. المزيد من مقالات طارق الشيخ