الآن, وقد أصبح الصراع السياسي واضحا ومكشوفا للجميع, بين الفريقين الإسلاميون في جانب والليبراليون في جانب آخر ماذا يفعل المواطن العادي البائس الخائف؟ أين المخرج, وكل ما حولك يدعو إلي الإحباط واليأس؟ هل من الواقعي أن تدعو الناس إلي التفاؤل؟ وإذا فعلت فهل سيصدقك أحد؟ كيف وعربدة البلطجية واللصوص تزداد يوما إثر يوم.. والأسعار باتت نارا تكوي المصريين؟ هل من أي طريق للخلاص؟ لدينا في المشهد السياسي ثلاثة لاعبين رئيسيين, أولا: الإسلاميون الراغبون في تنفيذ تصورهم الإسلامي للدولة, لكنهم تائهون إذ يصطدم مشروعهم الذي سهروا طويلا لإعداده, لا يجد صدي لدي جموع الناس الذين لا يرون أي تغيير للأفضل, بل تسوء أوضاعهم كل يوم أكثر, فيفقدون الثقة في هذا المشروع, ومن ثم تتآكل شعبية التيار الإسلامي كل نصف ساعة. وثانيا: القوي الثورية الليبرالية, التي أشعلت جذوة الثورة, ثم فشلت في إكمالها, وبالتالي فقدوا القدرة علي الفعل ولجأوا إلي التنظير, ونصبوا لنا مكلمة ليلية فارغة من المضمون في الفضائيات, وكما هو معلوم فإن الكلام لا يسد جوعا, ولا يوفر أمنا للخائفين. ثم ثالثا: حشود الجائعين من الشباب العاطل, الذي تركه لنا النظام البائد بلا عمل ولا أمل, فخرجوا يقذفون الناس بالطوب, وعلي فكرة حتي الشباب من التيار الإسلامي يعانون المشكلات نفسها, وإن أطلقوا لحاهم, وارتدوا سراويل من الماضي! إذن نحن أمام إسلاميين, بينهم تناقضات لانهائية, وليبراليين فاقدين للرؤية, وبينهم هم أيضا اختلافات لها أول وليس لها آخر, ثم شباب تائه لن يجد غضاضة في هدم المعبد بكامله علي من فيه( وهل كان لهم مكان في المعبد أصلا؟) وللإعلام مشكلاته أيضا. إن بعض الإعلاميين لديهم أجندة خاصة, أو بالأحري هم مستدرجون لتنفيذ أجندات الآخرين, الذين يحركونهم من وراء ستار, والبعض الآخر مجرد أرزقية يقدمون خدماتهم لمن يدفع, خاصة أن إغراء المال في مثل أوقاتنا العصيبة هذه, لا يضاهيه إغراء, تاه الإعلام وضيعنا معه. وإذا تصور بعض شباب الإسلاميين أن حرق مدينة الإنتاج الإعلامي سيحل المشكلة فهم مخطئون. إن الأزمة أعمق كثيرا من تضليل الإعلام الذي يتوهمونه..المشكلة الأساسية هي أن الأمة المصرية أصبحت الآن ملعبا لكل من أراد أن يلعب, وما أكثر الراغبين في اللعب, بقايا الدولة القديمة, بأجهزتها ومؤسساتها ولصوصها لن يستسلموا بسهولة, والأعداء بالخارج لن يجدوا فرصة أفضل ليطعنوا مصر في مقتل, كي تظل تنزف فلا تنتفض في مواجهتهم. والأشقاء من حولنا إما خائف من تمدد الهوجة المصرية لتحرق ثيابه, أو تائه هو الآخر مثلك لا يعرف أين المفر, أو متآمر يبحث عن غنيمة, كما الضبع الذي لا يقتات إلا علي الجيف! وهل من سبيل للخروج من مستنقع الخوف والتوهان والفوضي؟ يكذب من يزعم أن لديه حلا سريعا وسحريا, ومع ذلك, فإن المرء يستطيع طرح تصوره, ورزقه علي الله. لماذا لا تقود جماعة الإخوان المسلمين مسيرة الخروج من المأزق؟ وماذا يمكنها ان تفعل؟ يمكنها مثلا أن تتنازل قليلا عن الرغبة في الاستحواذ, وان تؤجل لبعض الوقت تنفيذ مشروعها الفكري الي أن تصبح التربة مهيأة لذلك, كما يمكنها بدء مصالحة حقيقية مع بقايا الدولة القديمة من خلال خطة عاجلة تستوعب جموع الغاضبين الذين يشعرون بأن مكاسبهم القديمة ستضيع. وهنا نحن نتكلم تحديدا عن رجال الأعمال والسياسيين الذين كانوا في الماضي ملء السمع والبصر. كما يمكنها من خلال البرلمان الذي هو في حالتنا هذه مجلس الشوري وضع تشريعات عاجلة لإرضاء رجال الأمن لطمأنتهم, فيعودوا إلي سابق عهدهم في مقاومة الجريمة, بعزيمة وإصرار.. ثم إنها يمكنها, عبر اتفاقات جادة وحقيقية, ترك نسبة معتبرة لبقية القوي السياسية للتمثيل في البرلمان المقبل( نقصد مجلس النواب), وان تعلن مثلا انها لن تنافس إلا علي ربع البرلمان, وليس البرلمان كله, وهنا يمكن الحديث عن تشكيل حكومة ائتلافية جديدة تمثل فيها كل الأطياف السياسية, وكذلك يمكن طرح فكرة دعوة جبهة الإنقاذ إلي حوار جاد, مع تنفيذ بعض مطالبها, وبطبيعة الحال, فإن الرئيس مرسي يستطيع جمع الناس كل الناس إسلاميين وغير إسلاميين من حوله, لإنقاذ هذا البلد قبل فوات الأوان. إن حل الأزمة صعب.. لكنه ليس مستحيلا. لمزيد من مقالات سمير الشحات