أثار انتخاب غسان هيتو رئيسا للحكومة السورية المؤقتة الانقسامات داخل المعارضة السورية, احتجاجا علي آلية التصويت بالأغلبية التي تم بها انتخابه, ونجاح الإخوان المسلمين في سوريا في فرض مرشحهم. الأمر الذي أدي إلي إعلان نحو12 من أعضاء الائتلاف الوطني تجميد عضويتهم. ترشيح الإخوان المسلمين لغسان هيتو لرئاسة الحكومة الإنتقالية يرجع إلي أنه مواطن أمريكي منذ أكثر من عشر سنوات, وعمل نحو25 سنة في شركات لها علاقة بتكنولوجيا الاتصالات في الولاياتالمتحدة, كما أنه عضو مؤسس في جمعية الدعم القانوني للعرب والمسلمين و المجلس السوري الأمريكي في شيكاغو, وهي مؤسسات قريبة من أوساط الإسلاميين في أمريكا, ومن ثم فهو صورة معتدلة تحظي بقبول الخائفين من هيمنة الإسلاميين علي الثورة السورية. كما أن له علاقات دبلوماسية واسعة مع دوائر صنع القرار داخل الولاياتالمتحدة, ويرتبط بصلات قوية بكبار المسئولين فيها, وعلاقات قوية بقطر وتركيا. علاوة علي أن أصله الكردي قد يساعد في تخفيف الاحتقان علي الجبهة الشمالية الشرقية بين مقاتلي الجيش الحر والمقاتلين الأكراد في المناطق الكردية. لقد تدخلت دولة قطر من خلال مدير مكتب وزير الدولة للشئون الخارجية القطرية خالد العطية بصورة كبيرة لدعم مرشح الإخوان المسلمين, وكان ذلك بمثابة انقلاب علي اتفاق قطري سعودي برئاسة أسعد مصطفي للحكومة المؤقتة. وتوضح قراءة الأصوات التي حصل عليها هيتو للفوز(35 من أصل49 صوتوا و21 امتنعوا) إلي أن الأطراف الرئيسية التي تدعمه هي: الإخوان المسلمين, وهم المجموعة الأكبر من مجموعة المجلس الوطني(26 عضوا). وكتلة الأمين العام مصطفي الصباغ(15 عضوا), وهو رجل أعمال له صلات قوية بقطر, وهو ما يوضح حجم الدعم القطري له. برغم تقديمه كرجل توافق يحظي باحترام الإسلاميين وقبول الليبراليين, لم يحصل هيتو علي إجماع أعضاء الائتلاف, إذ تم تهميش الكتل الصغيرة والمستقلين, فضلا عن رئيس الائتلاف أحمد معاذ الخطيب, والذي كان يعارض فكرة حكومة مؤقتة ويدعو لهيئة تنفيذية إدارية. كما أن التغير المفاجئ في موقف الإخوان من معارضة خيار الحكومة المؤقتة إلي التعجيل بها يرجع إلي مخاوف الإخوان, وداعميهم القطريين من تبلور تفاهم أمريكي روسي علي قاعدة اتفاق جنيف, كما عكسه تصريح وزير الخارجية الأمريكي بالإبقاء علي الرئيس السوري بشار الأسد في المرحلة الانتقالية مقابل قبول الروس بحكومة انتقالية مطلقة الصلاحيات, ومن ثم تقدم الخيار السياسي علي العسكري. الواقع أن أول تصريحات غسان هيتو بعد انتخابه عكست رفض التفاوض مع النظام السوري, واستخدام كل الوسائل المتاحة من أجل إسقاط نظام الأسد. وقد رحبت كل من فرنسا وبريطانيا والولاياتالمتحدة بانتخاب هيتو, وتشابهت مواقفهم في ذلك, حيث رأوا أن الحكومة الانتقالية سوف تمثل بديلا ذا مصداقية للنظام, وتمثل عامل ضغط ضد النظام وتسهم في التوصل لحل سياسي. وعلي الرغم من تحفظ الجيش السوري الحر في البداية علي اختيار هيتو وتشكيل حكومة انتقالية علي لسان المتحدث باسمه فهد المصري, فإنه عاد ورحب به علي لسان اللواء سليم إدريس رئيس أركان الجيش السوري الحر حيث اعتبرها الحكومة الوحيدة الشرعية, إلا أن سلطة الجيش السوري الحر علي الأرض ضعيفة, فأقوي جماعات المعارضة المسلحة علي الأرض( جبهة النصرة أحرار الشام) ترفض سلطته. وتعول فرنسا علي اللواء سليم إدريس, ليكون الواجهة المقبولة والمقنعة التي يتم عبرها تسليم السلاح إلي المعارضة السورية مع التأكد من أنه لن يذهب إلي المجموعات الجهادية من أمثال جبهة النصرة ومثيلتها. في تقديري أن انتخاب هيتو محاولة لفرض وتحديد صيغة ما بعد النظام بالقوة بطريقة تخدم الإخوان المسلمين, وتحييد رئيس الائتلاف والمكونات الأخري داخل الثورة. وأنه من المتوقع تهميش الائتلاف الوطني لمصلحة الحكومة الانتقالية, التي من المتوقع أن تهيمن عليها جماعة الإخوان المسلمين بصورة كبيرة. كما أن هناك مشكلات تواجه إمكانية عمل الحكومة الانتقالية من داخل الأراضي السورية, تتمثل في, إمكانية تعرضها لهجمات وضربات جوية وصاروخية لهذه الحكومة إذا ما عملت من داخل الأراضي السورية, خاصة أن النظام السوري لا يزال يملك السيطرة علي الجو. ومع تقدم المعارضة المسلحة في شمال وشرق سوريا, قاموا بملء فراغ انسحاب القوات الأمنية من خلال تشكيل بعض أشكال الحكم البدائي, ومن غير المتوقع أن يتنازلوا عن هذه السلطة بسهولة, مثل أحرار الشام التي تقوم بإدارة شئون محافظة الرقة بعد تحريرها من يد النظام. من المتوقع أن تكون الخطوة التالية لتشكيل حكومة انتقالية, هو المطالبة بأن يتم تحويل أرصدة النظام المجمدة في الخارج لها, علي الأقل لمساعدتها في تقديم الدعم الإنساني للسوريين في المناطق التي خرجت عن سيطرة الحكومة. ومن أهم مهمات الائتلاف هو ربط المقاومة السياسية بالمقاومة المسلحة, وتوحيد قوي المعارضة العسكرية المسلحة تحت مظلة واحدة, وتهميش القوي المتطرفة, وإن كان لا يعتقد أن تنجح الحكومة الانتقالية في مسعاها هذا. إن تشكيل الحكومة يعني بوضوح رفض الحل السلمي والتركيز علي الحل العسكري. ومن المتوقع حدوث المزيد من الانقسام داخل صفوف المعارضة السياسية بين التنظيمات الجهادية العسكرية وباقي كتائب جيش سوريا الحر خلال المرحلة المقبلة. لمزيد من مقالات د. محمد مجاهد الزيات