لم يعد ممكننا التراجع, فقد قطع قطار الثورة شوطا بعيدا. ولم يعد بمقدور أي قوة أو جماعة أن تعيد مسيرته إلي الخلف, وأن تضع المطالب الشعبية في خانة الاحلام المؤجلة عوضا عن المطالب المستحيلة فالواقع يقول إن الشعوب العربية تكسب كل لحظة أرضا جديدة وتمضي صوب مطالبها المشروعة: الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية. ولاتدرك الشعوب, وربما بعض القوي في النخب الحاكمة أن الخوف قد تبدد وأن الطغاة قد جري اسقاطهم وأن الاخرين ينتظرون في قلق ماذا سوف تفعل بهم أيامهم وشعوبهم إلا أن الخوف ليس حكرا علي البعض بل بات متاحا للجميع الآن لأن الربيع العربي دخل المرحلة الأصعب إنها مرحلة البناء وفي هذه اللحظة تتفرق السبل وتتعدد الرؤي بشأن البناء النهائي والأمثل للدولة الديمقراطية الجديدة. ولأن غالبية الشعوب تخشي الفوضي وانعدام الأمن وتدهور احوالها الاقتصادية فإنها غالبا ما تخيم عليها الهواجس المفزعة بشأن المستقبل ولذا لم يكن غريبا أن تجئ نتائج استطلاع مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ليست بعيدة عما هو متعارف عليه فقد احتلت القضية الاقتصادية والوضع الأمني أولوية اهتمامات المصريين الذين شاركوا في الاستطلاع وشكل عامل استعادة الاستقرار 59.1% وتحسين الاقتصاد 22.6% ومازال الجزء الأكبر من المصريين يؤمن بأن مصر جاهزة للديمقراطية 59% إلا أن مشاعر القلق من الاوضاع الراهنة زادت حيث ارتفعت المجموعة الأكثر قلقا من 38.9% وفقا لاستطلاع سابق في اغسطس إلي 51.9% في اكتوبر. وأغلب الظن أن هذه المخاوف مشروعة وتعكس زيادة الوعي بأهمية الثورة ومطالبها المشروعة والأهم أن الاساليب القديمة لإدارة البلاد مرفوضة بشدة وأن النخب الحاكمة الجديدة عليها أن تهدي المخاوف وتعزز الثقة والأهم أن تحقق مطالب الشعوب التي انتظرت طويلا نسائم الحرية ولن ترضي عنها بديلا.