تحتاج مصر سنويا إلي13 مليون طن من القمح, ينتج منها محليا6 ملايين طن, بينما يتم استيراد7 ملايين طن من الخارج, ويحتاج إنتاج الخبز المدعم إلي9 ملايين طن قمح لإنتاج220 مليون رغيف يوميا. ونظرا لارتفاع سعر القمح إبان أزمة الغذاء العالمية التي واجهت العالم في عام2008, فلقد زادت ميزانية دعم الخبز من9,7 مليار جنيه في2008/2007 إلي16 مليار جنيه في2009/2008( ملحوظة: ارتفعت ميزانية دعم الأغذية في مصر في الفترة نفسها من10 مليارات إلي21 مليار جنيه مع استحواذ الخبز علي نحو93% من دعم السلع التموينية مجتمعة). ومن نافلة القول, إن هناك فاقدا محسوسا في منظومة تصنيع الخبز في مصر بدءا بالنقل ومرورا بالطحن وانتهاء بالخبز نفسه( تقدر نسبة الفاقد بنحو30%). ويعزي الفقد في الخبز المدعم أساسا إلي استخدامه كعلف للحيوانات لرخص ثمنه, وكذا بسبب تدني جودته. ناهيك عن مافيا الدقيق المدعم التي تهرب كميات كبيرة من هذا الدقيق لتبيعه بالسعر الحر( سعر جوال الدقيق المدعم سعة50 كيلوجراما هو ثمانية جنيهات فقط في حين أنه يباع في السوق السوداء بثمانين جنيها). وهناك ثمة مؤشرات أطلقتها الهيئات المعنية وعلي رأسها منظمة الأغذية والزراعةFAO مفادها أن أسعار السلع الغذائية ستعاود ارتفاعها من جديد, وذلك لأسباب كثيرة من أهمها زيادة الطلب علي الحبوب ومنها القمح, وأيضا توجيه نسبة من محصول القمح إلي إنتاج الوقود الحيوي( البيوإيثانول), ففي عام2009 فقط استخدمت الولاياتالمتحدة الأمريكية110 ملايين طن من الحبوب لانتاج الوقود الحيوي, وهو الأمر الذي سيؤدي بالتبعية إلي زيادة ميزانية دعم الخبز, أي زيادة العبء علي الموازنة العامة للدولة. علي ضوء هذه الحقائق فإنه لا مناص أمامنا سوي وضع استراتيجية لترشيد استهلاك الخبز, مدركين أن الخبز هو موضوع أمن قومي لمصر, ونري أن الاستراتيجية المطلوبة تتمحور حول النقاط التالية: أولا: تقليل الفاقد في القمح خلال عمليات النقل والتخزين في الصوامع, مع ضرورة استيراد أقماح ذات جودة عالية وإنشاء صوامع حديثة. ثانيا: أن يكون هناك سعر موحد للدقيق. بمعني أن يتم دعم الخبز بدلا من الدقيق, وهو ما سيؤدي إلي القضاء علي مافيا الدقيق المدعم, بالإضافة إلي تنافس المخابز لإنتاج خبز عالي الجودة. ثالثا: التوسع في المساحات المزروعة بالقمح وتشجيع زراعته لحسابنا في دول حول النيل وفقا لعقود تضمن حصولنا عليه. وعلينا التعامل مع القمح باعتباره سلعة استراتيجية ترتبط رأسا بالأمن القومي المصري, وهو ما يتطلب تقديم الدعم لمزارعي القمح لكي يكون في مقدورهم شراء التقاوي المنتقاة التي تعطي محصولا أعلي, ويحول ضيق ذات اليد لصغار المزارعين دون شرائها, ومن هنا علينا التفكير في إعادة نظام التعاونيات الزراعية. رابعا: لابد من توعية المستهلك لكي يرشد استهلاكه من الخبز, فهناك أنماط غذائية خاطئة وشائعة كوجود الخبز والأرز والبطاطس علي نفس المائدة, وناهيك عن تناول ساندوتشات البطاطس بل المكرونة في بعض المناطق الريفية والشعبية في مصر( ملحوظة: تشير الاحصاءات إلي أن متوسط استهلاك الخبز في مصر للفرد سنويا يصل إلي185 كيلوجراما في مقابل90 كيلوجراما وهو المتوسط العالمي). أخيرا وليس آخر فإننا في أمس الحاجة للاهتمام بالتنمية الزراعية المستدامة من أجل تحقيق الأمن الغذائي لمصر وهو موضوع جد خطير, ولاسيما أن العالم قد تيقن من أن التنمية الزراعية وانتهاج سياسات زراعية رشيدة أمر مهم للغاية لإنقاذ العالم من ثالوث الجوع والتلوث وتبعات قرب نضوب البترول, وهو ما حدا بكثير من الكتاب والمحللين وعلي رأسهم الكاتب الأمريكي الأشهر توماس فريدمان إلي المناداة بثورة خضراء من أجل إنقاذ العالم. د.محمد محمود يوسف أستاذ بزراعة الإسكندرية