لكل مدينة شخصيتها المتميزة.. وطابعها بل ولونها ورائحتها.. تلك السمات التي تظل عالقة في وجدان قاطنيها بل والعابرين بها.. وقد اختارت مدينة شفشاون أن تكون مدينة اللون الأزرق لتبدو وكأنها تحولت للوحة فنية ممتدة، بكل ما فيها من أبواب وجدران وحتي النوافذ التي خضعت طواعية لسيطرة للون الأزرق الحالم. شفشاون مدينة صغيرة تقع شمال المغرب.. وأنت تمشي لأول مرة في أحيائها تشعر بهدوء عارم.. تمر وكأنك طيف.. لا ينظر إليك أهل المدينة ولا يسألونك.. يكلمون بعضهم بهدوء بينما تطبع وجوههم ابتسامة. بهذه الكلمات عبر الفنان المغربي سمير الحسيني عن إحساسه بتلك المدينة الرائعة، ولم تكن كلماته وحدها بل رافقها عدد كبير من الصور، تلك التي توقفت كثيرا عند بعض منها بينما أتجول بين أرجاء معرض الصور الفوتوغرافية الذي استضافه مؤخرا المركز المصري للتعاون الثقافي الدولي تحت عنوان "شفشاون .. اللؤلؤة الزرقاء"، وذلك بمشاركة عدد كبير من المصورين الفوتوغرافيين من العديد من الدول . وكانت اليد التي ظهرت في كافة أعمال الفنان سمير الحسيني هي العامل المشترك بين أعماله ، يقول الحسيني: عندما حملت كاميرتي وأنا أتجول بين اللون الأزرق وتدرجاته ... تساءلت..ما الذي سيميزني عن غيري ممن مروا من هنا من المصورين وانطلقت في رحلة البحث .. كانت اليد هي ما أثار انتباهي. أطفالٌ يلعبون يمسك بعضهم الآخر ويبتسمون للمارة .. فتاةٌ تمشي وتنزل الدرج متكئةً علي الحائط .. ناس يطرقون الأبواب ..وشكل اليد " خمسة وخميسة" أينما أدرت وجهك .. ولذا اخترت أن تكون اليد في شفشاون هي رمز الحياة ... رمز النشاط و العطاء ... حنان الأم وهي تمسح علي رأسي ابنها ..رمز المقاومة والنضال ..اليد كانت موضع تصوري للمدينة ذات اللون الأزرق. شفشاون تلك الحكاية المرسومة بالألوان والتي يقول عنها الفنان أحمد شبيطة منسق المعرض: قليل من الأمكنة تتيح للمتلقي خاصة إذا كان فناناً وبالأخص إذا كان مصورا فوتوغرافيا أن يسبر أغوارها، فشخصية المكان دائما ما تفرض علي زائرها مشاعر مختلفة ..وفي مدينة شفشاون بالمغرب بشخصيتها المتفردة وألوانها الزرقاء والتي تتناقض مع طبيعتها الجبلية ذات اللونين الأصفر والبني بتدرجاتهم، ما يجعلها في حد ذاتها لوحة فنية طبيعية من صنع البديع الأعظم. ومن عشق المكان واستلهام روحه.. والتي اتفق عليها العديد من المصورين الفوتوغرافيين من جنسيات مختلفة وثقافات متعددة.. أتت فكرة المعرض "شفشاون.. اللؤلؤة الزرقاء" بعيون العديد من المصورين الفوتوغرافيين ومنهم سعيد الشامسي (الإمارات)، وعمر عباده حرز الله(تونس)، وماجد قريرة (ليبيا)، وسمير الحسيني ( المغرب)، ووحيد تاجاني(المغرب)، وخوان ريباس (أسبانيا)، وروبرت هال (أمريكا)، وندي محروس ،و جورج ماهر ( مصر). يضيف شبيطة : بدأت فكرة المعرض بعد العودة من رحلتي الفنية بالمغرب في يونيو 2013، حيث أقمت المعرض الأول عن تلك الرحلة تحت عنوان "مكناس وجهات نظر" بالمشاركة مع المصور الفرنسي جييم ريبار لتقديم وجهة نظر مصرية وأخري فرنسية عن المغرب بهدف تحقيق تواصل بين مصر والمغرب وفرنسا..بعد ذلك فكرت في اقامة معرض فردي آخر عن المغرب من خلال رؤيتي لمدينة شفشاون ولكنني فكرت في أن يكون المعرض أكبر من خلال مشاركة بعض المصورين الآخرين من أكثر من دولة ممن زاروا تلك المدينة الجميلة ذات بعد تاريخي وإنساني رائع ..وتم التواصل معهم من خلال الفيس بوك وعن الأعمال التي شارك بها في المعرض يقول شبيطة : حاولت أن أقدم شفشاون بطريقة خاصة حيث إنني أعشق التفاصيل والألوان .. كنت أبحث علي اللون بين الأزرق والأبيض الذي يملأ المدينة، ومن بين 200 صورة التقطها هناك قدمت عشرة أعمال تتناول في معظمها روح المدينة من حيث البناء والشكل والطراز المعماري الخاص بها، وكذلك الطابع الإنساني الذي يميز هذه المدينة. وقد شارك من مصر أيضا كل من الفنان جورج ماهر والفنانة ندي محروس - وهي المشاركة النسائية الوحيدة في المعرض- والتي تتحدث عن تجربتها في شفشاون قائلة : إن شفشاون مدينة السحر والجمال .. مدينة الفن بالفطرة .. البساطة في كل شيء .. وفن التعامل بضحكة من القلب تلمس القلب وتضيف لقد قمت بزيارة هذه المدينة عندما كنت مرشحة لجائزة خلال مهرجان شفشاون للتصوير الفوتوغرافي، وكان معي الزميل المصري المصور جورج ماهر، وشغفت بالرموز الثقافية لهذه البلدة وطبيعتها التي تشعرك بحالة روحانية خاصة جدا تأخذك لعالم آخر يملؤه الجمال والهدوء فتعيش في تناغم مع الألوان، كما أن أكثر ما يميز طبيعة سكان هذه البلدة الطيبة هو حسن الضيافة والكرم إن اسم مدينة شفشاون يرجع إلي كلمتين وهما "شوف" و"شاون"، وهو اسم بربري معناه أنظر القمم، حيث تطل عليك مدينة شفشاون التي تعيش آمنة بين جبلين عملاقين، في حالة من الجمال الخلاب الذي يأسر العابرين خاصة إذا كانوا من الفنانين الفوتوغرافيين الذين قدموا معرضا متميزا يسجل لحظات مرورهم بتلك المدينة الحالمة.