لغتها، صورها ، شخصيتها أكيدة التمرد. هو ليس التمرد السطحي الهادف إلي الصدام. الأحري أن هو نفسه ربما نتاج الصدمة ، صدمة الوجود ، صدمات الحب .. وحين تنتهج القاصة غادة الحلواني لغة وصوراً يميلان علي الغرائبية أو يستعيران أجواءها فهدفها أبعد من تفكيك الألفة مع اللغة. هي لا تتعمد مواجهة المعني باللا معني بل تُغيّب المتوقع فلا تكاد تقرأ جملة لها تتوقع ذ فنيًا - نهايتها الأمر الذي يجعل كتابتها ممتعة وإن كان ذلك وحده لا يكفل تحقق المتعة فكسر التوقع وإزهاق المعاني السريعة وحواف الشهقات والذكريات ليس هو كل ما تفعله القاصة- إن كان لي أن أصنف كتابة الحلواني المنجذبة إلي مناطق البوح غير الرحيم- والتي تنشغل بصدق البحث عن شيء ينكره عليها العالم تعلم أنه موجود وتتعايش مع فكرة العدوان المستمر عليه من قبل العثور عليه، متسلحة بأفكار وكتابة وأسئلة وقدرة علي الحب. لها " وخزة خفيفة " ( 1999) وبعده بأعوام " ولكن كيف ؟ " ( 2004) و" محو مؤقت " (2007 ) عدا ترجماتها مثل " شعر المرأة الإفريقية- نماذج من الشعر النسائي " ( عن المشروع القومي للترجمة عام 2005 ) ثم" فتنة الحكاية " الصادر عن كتاب الدوحة الذي يشتمل علي أفضل المقالات الأمريكية لكل من جون أبدايك وسينثيا أوزيك وجيل ماكوركل وباتريشيا هامبل في عام 2011 وقد سبقته ترجماتها لإدجار آلان بو ( الشعر ) بمراجعة للروائي المصري الكبير المحب لكتابتها إدوار الخراط ( 2010 ) . تقرأ لها فتقول : هذه كتابة تتحرش بالصدق وبالحياة ..هذه كاتبة مثقفة تقرأ بغزارة. ولأنها مميزة إقبالاً وتوارياً، تتعاطي لغة أخري بالإضافة إلي أنها تكتب روايات ترفض تماما وصفها كذلك. بمناسبة وجود " رواية " جديدة لها في الأدراج ترفض الإفصاح عنها كان هذا الحوار . أنتِ أو دار شرقيات التي أصدرت كتابك " محو مؤقت "اتفقتما علي وضع صفة " قصص" عليه لكني لست وحدي من تراه أقرب إلي الشعر الحر ما يثير تساؤلاً تنبع منه أسئلة : أولاً.. لماذا التصنيف أو الإصرار علي وصف " قصص " ؟ ببساطة أنا لا أكتب شعرا. أنا أكتب قصصا. أعشقها وأحكيها وأبحث عنها وأسعي إليها بل تسعي إليّ. إن القصة القصيرة كانت ولاتزال تذهلني. يذهلني زمنها المختصر إنني فقط أسمي الأشياء كما أعرفها. ويجب أن أذكر أن شرقيات كانت تود أن أكتب " شعر" . القصة عندي تمتد من لحظة إلي سنوات أو حتي عقود في جمل قصيرة مكثفة وكل جملة تحمل من أنواع العلاقات ما لا حدود له. القصة عندي تعني أن يكتب معي القارئ قصته،. سؤالي التالي منطقي وليس منبعه " شكل " النصوص داخل " محو مؤقت" . مثلا هل هناك نوع من التعود في التقييم الإبداعي من الكاتبة لنفسها ( منذ مجموعتك القصصية الأولي " وخزة خفيفة " ) أن تصنف ما تقترفه بوصفه شكلاً قصصياً طالما كانت البدايات كذلك أم أن الحلواني لا تجد ما يغريها في تلك القصص ذ شعرياً لتصنيفها ك " شعر " .. إن كان لا بد من تصنيف ؟ سؤالك ليس فقط منطقياً، بل يحفر عميقاً ، فلا تكتفي بالإجابة السابقة. دعيني أقول لك ألا يمكن أن تكون القصص شعرية ؟. بما أنني مؤمنة جدا بالعلاقة الحتمية بين الشكل والمضمون ،فمضمون هذه القصص خلق هذا الشكل الذي يبدو شعريا.ً حقيقي أنا لم أتدخل بعد في أي شكل من أشكال كتاباتي، ربما حتي هي فرضت شكلها وأنا أستجيب.. اشرحي لي قدر المستطاع لماذا تظنين أو لا تظنين أن الرواية كشكل أدبي علي وشك الانقراض في العالم ؟ لأن الحياة قصة وليست رواية. تكنيك القصة يناسب تطور الحياة والوعي والعلم والتكنولوجي. ربما كل شيء قصة بالمعني الذي شرحته في إجابة السؤال الأول. ربما زمن ومكان وفضاء القصة أوسع، في رأيي عن الرواية. ربما القصة تعبير عن حرية يتطلع لها الإنسان منذ أن أصبح إنسانا ،وعن محاولة فك أسرار عديدة لاتزال تحيط الإنسان في الكون، ربما يمكن أن يكون الجميع بلا استثناء موجوداً في القصة- في ايجاز دال. ما الذي تتنبئين بصعوده ليحل محل الرواية مع الوقت ؟ لا أستطيع التنبؤ. لكن القصة والشعر والسينما بالتأكيد لهم البقاء. في البداية كنتُ أتألم لكم لكن جشعكم علمني أن أتفرج عليكم. هل أحبكم هل أكرهكم؟ لم يعد هذا هو السؤال بل،إنني أنتظر ألا يحدث شئ. أن تكفوا عن اللهاث ". تقولين في ختام تلك الفقرة : " وطوبي لمن استطاع أن ينزلق بدون أن يترك وراءه أثراً من حبره ." هل هذا كل ما هنالك .. الزهد ورغبة الانسحاب من العالم والاستعداد للنهايات.. هذه الحالة الصوفية الهرمسية.. تقريباً " البوذية " ؟.. بدليل عنوان كتابك " محو مؤقت " الذي يحيل علي نهايات مستنسخة أو بدايات تتكرر.. فكرة قريبة من فكرة التناسخ ربما هذا كل ما هنالك. هي رحلة، ولها مراحل وما تصفينه هو مرحلة من هذه الرحلة الطويلة الممتدة المتصاعدة في مستويات.. هنا المرحلة من الرحلة تعني إلغاء الثنائية.. والانتظار لانفتاح التعددية، ربما، وربما الصوفية مرحلة من مراحل تطور وعي الفرد...ودعيني أقول لك: يؤلمني كثيرا أن يختفي بشر هباء، وربما قرار الجنون في لحظة من اللحظات تفاديا لألم لا يحتمل.. وهكذا. في كتابك " ولكن كيف ؟" توجد بعض " المحاولات " وهو الاسم الذي اخترته للتقسيمات الداخلية للعمل الذي هربتِ من صفتيه ( قصة / رواية ) وأسميتهِ " حكاية ". هنا نتهيأ لمعانٍ مرتبكة ، صندوقية ، سريالية.. من الصفحة الأولي ندرك أن ثمة لعبة أو أحجية فالشكل مهيمن وهو عنصر ضالع في إبراز أو تأجيل المعني. لدينا نص " يرقد " بحروف داكنة معلنة علي خلفية فقرات تبدو مكتوبة بخط ينحل كما لو كانت بالحبر السري . اشرحي لي . كما ذكرت أؤمن بالعلاقة بين الشكل والمضمون. وهذه الحكاية خلقت شكلها هذا. هذه حكاية والحكاية متعددة الأصوات والأشخاص والأزمان وبالتالي تنطوي علي محاولات لانهائية. هذا النص الذي "يرقد" اعتبريه صوتا واحدا إلي حين) الزمن، وشيش الوجود يبرز تارة ويخفت تارة، وعلي الإنسان الاصغاء إليه وكذلك عليه بذل مجهود في فهم حكايته والتحاور معها والانصات إليها.. وفك لغزها. إجابتي هنا ليست إلا اضافة علي إجاباتي السابقة : كلنا محاولات، وفي الأصل كل واحد منا يحمل حكاية ما، ولكن دعيني أضيف أنه برغم ثبات النص الخلفي فهو متعدد الدلالات مع ارتباطه كل مرة بمحاولة جديدة.. حسب ظني . هل ثمة رغبة في الإيحاء بأن المخبوء وغير المقروء أو غيرالمعلن من تواريخنا الشخصية يظل هو الثابت بينما الواضح المعلن يظل قابلاً للتغيير والمناورة ويحمل من الغرائبية ما يدعو لتكرار المحاولات أو الأخطاء ؟ لا أستطيع أن أقول أن هذا ما أرغب به أو أؤمن به. ربما لهذا حاولت أن أبين فداحة هذا الاعتقاد وعواقبه علي الإنسان وحياته. كل شيء متغير وقابل للتغيير وإعادة التشكيل، علينا فقط أن نحاول مرات عديدة سواء مع المخبوء أو غير المعلن من تواريخنا أم مع الواضح المعلن. لماذا أصدرتِ العمل في لبنان ؟ . هل تثقين أكثر في " ثورية " أو تجريبية القراء والناشرين في لبنان أكثر من أجواء مصر " المتحفظة"؟. لم يتحمس له أحد في مصر، وعرضته علي دار الفارابي وقبلت ولم أعرضه علي دار أخري في الحقيقة لأن الفارابي كانت الدار الأولي العربية التي اتصلت بها. والفضل في هذا للدكتورة يمني العيد. ستجدين كلمة جميلة لها علي الغلاف عن الكتاب. وعلي العموم هذا كان في عام 2003 . وتظل مصر في الحقيقة ساحة تقبل التجريب وتستوعبه، لكنها تحتاج إلي وقت لقبوله واستيعابه. لكن لبنان بحكم اعتبارات كثيرة تقبل التجريب طوال الوقت. يحدث شئ للقارئ مع ثبات النص الخفيف المكرر بامتداد العمل وتكشف السرد في كتابك " ولكن كيف ؟" . مع تواصل " المحاولات " وثبات النص الخفيف الموحي بموقف جوقي ملحمي ، يقل عندنا رصيد صدقية النص الأعلي الداكن الواضح القراءة رغم إعتام معناه وحالاته أيضا- لكنه يظل يحمل لنا أمل المعني، يظل أقل خطورة من النص الثابت المكرر. الأمر الثاني أننا نتوقف عن قراءة النص الذي في الخلفية بأمل التركيز علي النص المعلن . ككتاب أوروبيين كُثر تجعليننا نلهث خلف أمل المعني المؤجل ( أو خلف أمل جمالي آخر) أم هي حيلة للعجائبي والإرعابي من الفلكلور الشعبي ؟ ربما كل هذا، لن أستطيع أن أحدد فعليا، لأن فعل القراءة متعدد، وهنا أعطيتني عدة قراءات منها قراءات أنتبه لها للمرة الأولي. وأنا سعيدة بهذا لأني أرغب دوماً في كتابة نص يشترك معي القارئ في كتابته، وأن أتواري تماما لأترك له كل الساحة، ويعجبني جدا وصفك " أقل خطورة وارتباطه بالأمل".. هذه علاقة من أهم العلاقات التي تشكل وعينا. أتمني عليك أن توضحيها كما اتضحت لكِ. أنا شخصيا أحتاج إلي قراءتك هذه. في بعض الأحيان ، نكتب دون أن ندرك كلية المعاني، ثم تتضح مع الوقت يا شاعرة. قارئك نخبة النخبة إذن ؟ قارئي يبحث عن هذه الكتابة لأنه يؤمن بروعة صعوبة الحياة، وأنه يجب أن يبذل الكثير ليفهمها، ببساطة قارئي يقدر الحياة جدا جدا. أنا لا أكتب للنخبة، لكني لا أكتب للجميع، فأنا لا أملك من الخبرة والإمكانيات التي تجعلني كاتبة للجميع.. ترشين علينا بعض الرعب في محاولة رقم " 3 " ثم تبدأ التواريخ في اكتساب خاصية القفز علي الزمن وهي حيلة للإرعابي وغيره من تقنيات الكتابة. المحاولة التي تاريخها من فبراير 1971 إلي فبراير 2054 تشعرنا أننا مُتنا. ثم تعود لغة النص الواضح ذات تكرار ملحمي جنائزي وبعدها يرتد الزمن للوراء لإيهامنا أن الأمور طبيعية. لكننا في هذه المرحلة لم نعد نثق لا بصوت الكاتب ولا بالرواية المتخابثة/ الحكاءة ولا بما قد تسفر عنه الحكاية بسبب هامش ومتن يتناهشان استقرارنا النفسي. هل يمتعك هذا " التحكم " في قارئك ؟. علي العكس، كما أعتقد، هذا يترك للقارئ فضاءً شاسعاً ليري ويحكي ويكتب ما يريده، ففي النهاية يظل الموت سراً غامضاً. ونتعامل مع الزمن في الحقيقة بمرونة عالية، دائما هناك زمنان: الزمن " الكوني" والزمن " الإنساني" وكل منا يعيش الزمنين بطريقته الخاصة، أي منهما الهامش وأي منهما المتن ؟. هنا تجدين الحكايات أو القصص. ولكن ما الموت فعليا ؟ دعيني أعبر لك عن سعادتي في عدم ثقتك لا بصوت الكاتب ولا الراوي/الحكاء... هكذا يهتز هذا العالم الثابت الراكد الذي نعيش فيه ونعم قد يتزلزل استقرار القارئ النفسي، لكن فقط ليري أفقاً جديدة وهنا أفرح كما لا أفرح أبدا... ما الاستقرار يا غادة.أيتها الشاعرة الرائعة ؟. يعني أن لا تَرَيْ جديداً ينتظرك لأنك اخترتِ الثبات في مكان وزمان واحد. مع أنني أحاول محو ما لم يكتبه الآخرون " .. وقول الذات الساردة أو الحكاءة " وما أنا إلا حروف كُتِبت فوقها حروف علي حروف ". هذا في " ولكن كيف ؟" .كأنها سطور من كتابك " محو مؤقت " . ألا توافقينني؟. أوافقك تماما. قصة من قلب قصة أخري وأفق جديد لأفق قديم.. ونظرة جديدة لقصة قديمة وهكذا. لماذا تحاولين " محو ما لم يكتبه الآخرون " ؟ . ربما لو كانوا كتبوا ما حاول السارد أن يمحوَ ما لم يكتبوه. لماذا يحاول السارد محو ما لم يكتبه الآخرون؟. ما المحو؟ وما تأثير غير المكتوب علي المكتوب؟ أو الشفهي علي الكتابة؟ أو الفعل علي الكتابة؟ وما مدي قوة الكتابة كفعل؟ هذا ما ورد لذهني مع سؤالك. الرغبة في محو ما لم تتم كتابته تبدو اختياراً نهائيا برنين بوذي كما أسلفتْ وعنوانك البارع " محو مؤقت " يُلغّم السؤال ليجعله حكاية شبه شعرية/ أو يُلغّم الحكاية ليردها إلي نقائها الضائع. ما بين تفسير جمالي وآخر وجودي ترتعدين ( بمتعة ؟ ) من فكرة النهاية التي تجعلنا نمشي إلي " قبورنا همسة همسة " . هل تنتظرين تحقق وعدٍ ما بالموت ؟. كما قلت سابقا الموت سر بالتأكيد. فَّكُهُ سوف يصيبنا جميعاً بالسعادة أو الدهشة أو... أو.... لكن ما أوده هنا هو خلخلة تصور الحياة الذي نمتلكه وتغيير المعادلة: الحياة والموت. برأيك: لماذا أحب الموسيقيين والمهندسين والمصورين الفوتوغرافيين وحتي السينمائيين كتابك " ولكن كيف ؟ " أكثر من الأدباء والكُتّاب ؟. ربما لأنه ثنائي الأبعاد. وربما كان نواة لحكايات الجرافيك أيضاً. ربما لأنه يحمل الصوت والصورة مجسمين. وربما لأنه تمهيد لكتاب ثلاثي الأبعاد بل وحتي الكتاب الإلكتروني الآن. ربما لأنه مستفز ومركب والنيجاتيف بجانب الصورة والصوت طاغٍ في الخلفية لا تكمل المحاولات بدونه. ربما ليتني كنتُ طفلة " و " ليت العالم كله يعترف أني طفلة " . هذا التناقض ألا يرد عليه عنوان العمل " ولكن كيف؟" .. ألا يستدعي التناقض الآخرين الذين يلوحون أكثر الوقت كلعنة لا مفر منها ؟ وأيضاً يرجّع صدي التناقض المهموس هنا ثنائية تبدو مميزة ل " حالة " كتابك "و لكن كيف؟" .. قصدي ثنائية تعليق المعني / البحث عنه ؟. السؤال الأول الذي تبدأ به كل قصة من أي نوع هو ولكن كيف؟ هذا في رأيي طبعاً. والتناقض سر الخلق في رأيي أيضاً. وبالتالي هؤلاء الذين يلوحون أكثر الوقت كلعنة هم الطرف الآخر في معادلة التناقض لكي يتم الخلق، وميلاد الجديد جداً.. جديد المعني و المعاني المتعددة التي نبحث عنها، مثل معني الموت من جهة أخري يظل أهم ما نملك داخلنا هو الطفل - علي الأقل في مجتمعنا المصري- والطفل لا يضحك طوال الوقت ولا يبكي طوال الوقت ولا يلعب طوال الوقت. لديك الكثير من الصرخات الملتاعة: " لو صدقتموني جميعكم .. لو صادقتموني .. لو ليس بمقدوري إلا هذا " . الاستغاثة والاستعطاف كما قلت تبدو الوجه الاخر للإدانة المستمرة التي تنفجر ذ شكلياً عبر نصين أحدهما معلن والآخر بالكاد يُري. حالة النص/ الحياة أو الحياة/ النص. تطلبين العون وأنتِ تكتبين : " أود أن أعرف ما هي الكلمات البسيطة ".. كأنك أحد أبطال " الأخوة كارامازوف " . لا يخيفك أن ملحمية الروح والموقف ربما تُعاكس " الشكل " ما بعد الحداثي والتجريبي ؟. إطلاقا. لا أري معاكسة أو تنافراً. إن تطور الوعي أو حتي الأبعاد الجديدة التي تصل إليها ملحمية الروح مع تطور الإنسان والعلم الخ لابد أن تخلق شكلاً جديداً لأنها اكتسبت معانيَ جديدة بل وجوهراً جديداً، لأنها بالتأكيد اكتشفت مناطق جديدة منذ وجود الروح والإنسان أو حتي المعني الملحمي، وهو لا يتناقض مع مابعد الحداثي ، فالتجريبي لا يعني إلا محاولة من المحاولات لتحقيق هذه الملحمية وعظمة الإنسان. " فلمَ حميتني ذائبة وكلما مر من جانبي وجلس فوق صخرتي ولمسني ولم يلمسني... كيف أذوب وأنا ذائبة لمزيد من الحنين إلي حنين الذوبان ". تكاد كلماتك توحي بلغة توراتية ... تهجس بنشيد الإنشاد قليلا. أوافقك تماما، بالتأكيد لهذه الكتب تأثير قوي، وإن كنت مازلت أحاول فكها وفهمها. في كتاب " ولكن كيف ؟" تمدنا " محاولة رقم 13 " لأول مرة بخيط رفيع يصل بين المتن الداكن علي الصفحة وبين سطور الخلفية الخفيفة شبه المشفورة . محاولة استيلاد المعني من نصف أسطورة أو حدوتة شعبية تنعش القارئ المتعطش قرب نهاية " الحكاية " إلي بدء الحكاية، إلي صلة ما بعالم لم تنهر كل علاماته . أنتِ لا تستغنين عن المعني مهما تظاهرتِ بالعكس ؟. جميل هذا الوصف منكِ. لكنني لم أتظاهر أبدا بالاستغناء عن المعني. إنني أبحث عنه طوال الوقت، ابحث عن تعدديته لكي أثبت أن الاحتمالات لا نهاية لها ، إننا نستطيع أن نختار، وكل ما نحاوله في هذا العالم هو إزالة كل العقبات التي تمنعنا عن الاختيار الحر. الحكاية في " ولكن كيف ؟" ضاربة في جذورالتراث الشعبي اللبناني أو الشامي نراها في الخلفية الباهتة للحكايات. لديكِ النهاية .. بلا عنوان.. لا يوجد لها اسم . هل هذه هي الحكاية الوحيدة ؟ هل هي بداية واستئذان لمعاودة الحكاية أو استئنافها بطرق ومحاولات جديدة لاحقة ؟ هل تشركيننا في طرح السؤال بأمل تعدد الإجابات ؟. تماما هذا هو: أشارككم في طرح السؤال عسي أن تتعدد الإجابات والبدايات. أترين لقد كتبتِ معي الحكاية. فطوال الحوار معك، خرجت بحكاية جديدة منك ،ولا أستطيع أن أضيف لروعة وصفك حتي لا أفسده.