رئيس جامعة بنها يتفقد سير العملية التعليمية بكلية علوم الرياضة    قناة «فرانس إنفو» تسلط الضوء على أسباب اعتراف ماكرون المرتقب بفلسطين    عبد العاطي يلتقي كبير مستشاري الرئيس الأمريكي للشئون العربية والشرق الأوسط    خليفة السعيد.. التحقيق مع زيزو.. مصير شحاتة.. اجتماع زملكاوي.. وتوقعات أوروبية| نشرة الرياضة ½ اليوم    ضبط المتهمين في مشاجرة بالأسلحة البيضاء في المنيا    لحظة بلحظة.. تعرف على أسعار الذهب اليوم فى مصر بالتعاملات المسائية    في لقاء حصري... عمرو سليمان يتحدث عن مستقبل الاستثمار العقاري في مصر    يوسف الشريف ونيللي كريم أبرز المنضمين لنجوم دراما رمضان 2026    الصحة تكشف حقيقة وفاة شاب بمستشفى الأحرار التعليمي بالزقازيق بسبب الإهمال الطبي    برشلونة يعلن غياب لاعبه فيرمين لوبيز لمدة 3 أسابيع    أول رد من أرملة إبراهيم شيكا على رغبة وفاء عامر في استرداد شقتها    شرط جديد للحصول على رخصة قيادة أو تجديدها في مصر    أحمد السيد: عماد النحاس الأنسب للأهلي الفترة الحالية.. والقمة لا تخضع لأي حسابات    حفل استقبال الطلاب الجدد بكلية العلوم جامعة الفيوم.. صور    بحضور وكيل الأزهر والمفتي ووزير الأوقاف.. نقابة الأشراف تُحيي ذكرى المولد النبوي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 22سبتمبر2025 في المنيا    السفير سيف قنديل: النسخة الخامسة من منتدى أسوان ستضم دوائر رجال الأعمال والمؤسسات الإنسانية    المدينة التي يجتاحها جيش الاحتلال.. إطلاق صاروخ من غزة صوب مستوطنة ناحل عوز    ضبط 13 مليون جنيه حصيلة الإتجار غير المشروع في النقد الأجنبي    وسط فرحة الطلاب.. محافظ المنوفية يفتتح مدرستين ببروى وبكفر القلشى للتعليم الأساسي    الرئيس السيسي يقرر العفو عن علاء عبد الفتاح و5 آخرين    ب256 مليون جنيه.. بدء التشغيل التجريبي لمحطة معالجة صرف صحي الكمايشة بالمنوفية    أحمد السيد: عماد النحاس الأنسب لقيادة الأهلي الفترة الحالية    البرلمان العربي: الهجوم الإرهابي على مسجد بالفاشر انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني    قبل 24 ساعة من اللقاء... أزمة في بث مباراة أهلي جدة وبيراميدز فضائيا    20.9% تراجعا فى أعداد العاملين الأجانب بالقطاع الحكومي والقطاع العام- الأعمال العام خلال 2024    معهد بحوث الإلكترونيات يشارك في المؤتمر السابع للترابط العالمي للطاقة في بكين    عبد الله السعيد: أتمنى تتويج منتخب مصر بكأس الأمم وجاهز للعودة إذا طُلب مني    طقس الإسكندرية اليوم.. أجواء معتدلة ودرجات الحرارة العظمى تسجل 30 درجة مئوية    عاجل- قراران جمهوريان بإنشاء منطقة جرجوب الاقتصادية وتخصيص أراضٍ للتنمية الصناعية    اللجنة المصرية لإغاثة أهالي غزة تتوصل لطفلي طريق الرشيد بغزة.. ووالدتهما: بشكر الرئيس السيسي    تأييد تغريم غادة والي 10 آلاف جنيه في سرقة رسومات فنان روسي    "البحوث الزراعية" ينظم المنتدى العلمي الأول حول تطبيقات الإدارة المتكاملة    عميد معهد الفراعنة: اكتشفنا واقعة انتحال صفة رمضان صبحى بالامتحانات صدفة    استخدموا فيها أسلحة بيضاء.. «الداخلية»: ضبط أطراف «مشاجرة بورسعيد»    مصرع فتاة وإصابة 6 في تصادم ميكروباصين بطريق العوايد بالإسكندرية    ضبط 6 آلاف علبة جبنة فاسدة داخل مخزن خلال حملة تموينية في الأقصر    إنجاز جديد لجامعة بنها بمؤشر نيتشر للأبحاث العلمية Nature Index    بالصور - محافظ أسوان يتفقد 1540 مدرسة استعدادًا للعام الدراسي    ب "التايجر".. ريم سامي تخطف الأنظار بإطلالة أنيقة    متحدث فتح للقاهرة الإخبارية: الاعتراف بالدولة الفلسطينية لحظة تاريخية فارقة    أمير كرارة: معايا صورة ل هنا الزاهد ممكن تدمرها لو نزلتها    "الغردقة لسينما الشباب" يكشف عن لجان تحكيمه .. وداود رئيسا لمسابقة الأفلام الطويلة    هينسحبوا تمامًا.. 3 أبراج لا تقبل العلاقات السامة «التوكسيك»    رابط التقديم على وظائف بنك مصر 2025 لخدمة العملاء.. متاح الآن بدون خبرة    "طلاب من أجل مصر" ترحب بدفعة طب الجديدة بجامعة بورسعيد الأهلية (صور)    هل يجوز للأخ الزواج من امرأة أخيه بعد الطلاق أو الوفاة؟.. أمين الفتوى يجيب    العوارى: ما يحدث للأبرياء من تدمير منازلهم لا يمت بصلة للأخلاق التي جاء بها الأنبياء جميعا    تعرف علي تفاصيل البرنامج العلاجي ل إمام عاشور لمواجهة فيروس A    رئيس جامعة القاهرة يتلقى تقريرا عن مؤشرات الأداء بمستشفيات قصر العيني    وزارة الصحة: تقديم 17 ألف خدمة طبية في طب نفس المسنين    تحذير من أدوية البرد للأطفال دون وصفة طبية    تطعيم تلاميذ المدارس بالشرقية ضد الالتهاب السحائي    موعد أذان الظهر ليوم الإثنين ودعاء النبي عند ختم الصلاة    بعد الظهور الأول لهما.. ماذا قال ترامب عن لقائه ب ماسك؟    الدوري المصري بشكل حصري على "أبليكشن ON APP".. تعرف على طريقة تحميل التطبيق    خلال لقائه مع نظيره الكويتي .. وزير الخارجية يؤكد رفض مصر القاطع لأي محاولات للمساس بأمن واستقرار الخليج    أحمد العوضي: لو هتجوز مش هقول.. ومشغول بمسلسل «علي كلاي» لرمضان 2026    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المخبول
نشر في أخبار الأدب يوم 29 - 03 - 2014


1
استيقظ من غفوته، يهُز رأساً يميناً ويساراً بينما يضرب بعصاه الأرض صارخاً في همهمة موسيقية واضحة:
سيدنا الوليّ زارني
وقال لي ما تخافش
طبطب علي كتفي
وقال لي ما تخافش
لابس حرير في حرير
زي الملوك في القصر
وقال لي ماتخافش
طار في السما الزرقا
وقال لي ما تخافش
ثم عقب هذه الهمهمة نداء طويل بصوت آخر مختلف، فيه نبرة رخيمة آمِرة ليس بها من الموسيقي نغمة، هات لي ياحماصه شاي علي حساب سيدنا الوليّ ما هو قال لي ما تخافش. وزود السكر حبيتين وخليه خفيف أو تقيل مش مهم. ما هو قال لي ما تخافش.
2
المخبول يري بعين صائبة، يعرف خائنة الأعين وما تخفي بعض الصدور. يري ما لا نراه نحن أصحاب الآفاق الضيقة والخيال الميت. هو الهداية للقرية وعلامات الرضا لأهلها الذين يؤمنون بآلائه ومعجزاته. فأصبح بإيمانهم به من أهل الخطوة وأصحاب الفضيلة والكرامات. لم يكن للمخبول عنوان ثابت، فهو موجود في الحقول يشدّ من أزر الفلاحين وقت الحرث والزرع والقلع. في المساجد يؤمن خلف الشيوخ عند ختام الصلوات وإقامة العقائق، في الوحدة الصحية ينصح الأطباء عند إشتداد المرض، مع الدايّة ليمضي بشهادته علي الميلاد وبدأ الخليقة، وفي تراب المقابر ليخفف من فجيعة الموت.المخبول كائن خيالي ولكنه ملموس كتراب الأرض. واقع حقيقي مثل الفقر والبؤس المرسوم علي وجوه أهل القرية. لا تشعر به ولكنك تستنشق رائحته كعرق الفلاح في مواسم الحصاد. تري تحركاته البطيئة المدروسة كدودة المش علي طبلية كل منزل حينما جاعت البطون.
حماصه يضع الشاي أمام المخبول بأيادي مرتعشة وخشوع: قُل للوليّ حماصه غلبان يا مخبول ولسه ما إتجوزش. يرد المخبول عليه في صوت ممثل مسرحي قدير: الوليّ بيقولك ما تخفش يا حماصه، فأنت من المقربين الأخيّار.
3
تطاير خبر زيارة الوليّ للمخبول في أرجاء القرية. هناك خير قادم بلا شك، هناك خبر سعيد لتعيس من تعساء القرية. هناك ألف طلب ورجاء في إنتظار الإجابة.
يتراقص المخبول في أرجاء القرية في خيلاء وزهوّ. فقد زاره الوليّ بعد إنقطاع وجفاء. آخر زيارة له كانت منذ شهور بعيدة عندما بلغه وبشرّه بأن سميرة بنت حميدة الفرّان حبلي رغم إنكار طبيب الوحدة الصحية لهذا، ولكنها رُزقت بولدها وحيد رغم أنف الطب والأطباء. يمشي في شوارع القرية في عزة المنتصر وخلفه مجموعة من الأطفال يرددون وراءه: سيدنا الوليّ زارني وقال لي ما تخافش. يمر علي جمع من كُبراء القرية يتسامرون، وفي يده عصاه، يُشير بها إليهم، ويضربها في الأرض بعنفوان فينهض الجمع تقديساً وإجلالاً كأنها عصا موسي تفلق البحر! يستمر الهتاف ، يكبر موكب المخبول مع كل خطوة. أصبح كالمغناطيس الذي يجذب الناس إليه، يزداد عدد الأطفال خلفه، يقف الرجال علي جانبي الشارع يرفعون أياديهم بإشارات متنوعة مفادها الفرحة، تبدأ الزغاريد والتهاني الحارة عندما تري النساء بشائر الموكب.
4
نامت القرية وأصبحت علي فرحة نبأ زيارة الوليّ للمخبول. بقايا البهجة الناجمة عن كرنفال الأمس لازال غبارها عالق في الأجواء والنفوس. بالماضي القريب، كانت زيارات الوليّ للمخبول متكررة، وكان الخير كثير والمعجزات آلائها يغطي فضاء القرية. قبل ميلاد وحيد إبن سميرة، كان هناك شفاء ستوتة العمياء بائعة الزبد. التي عاشت حياتها كفيفة لا تري، حتي زارها المخبول وضربها بعصاه علي رأسها فأغشي عليها. وعندما قامت، كان بصرها قد رُد إليها. وزواج نحمده بنت توحة الغجرية التي فاتها قطر الزواج من أعوام ويأست من المحيض. وقبل كل هذا كانت المعجزة الكبري التي قتلت أي شكوك في قدسية المخبول وعظمة الولي.
5
كان المرسي العطار رجل خمسيني غير قادر علي الزواج ليس لقلة مال أو جمال. ولكن لعجزه عن أداء واجبه الشرعي مع زوجته الأولي. ذاعت سيرته في أرجاء القرية الضيقة التي كان لا يجد رجالها أي وسيلة أخري للتفاخر بينهم سوي عدد المرات التي يضاجع فيها الرجل إمرأته. طلق المرسي إمرأته بحكم واجب النفاذ من شيخ المسجد، وعاش أسيراً لهمزات وغمزات أهل القرية. حتي أتاه المخبول يوماً آسفاً لما أصابه وقال له جئت أزُف لك البشري يا المرسي. سيدنا الوليّ يقول لك لا تحزن، فنصره قريب. وأمره بالذهاب إلي قرية مجاورة لا يعرفه فيها أحد وأن يطلب يد شابة إسمها عواطف بنت مأمون العواد. وكانت عواطف آية من آيات الحسن. عاد بها المرسي ودخل عليها، ومنذ هذا اليوم لا ينقطع من دار المرسي صراخ النشوة المصاحب لغنج عواطف في الليل أو النهار.
6
انتصف القمر واستدار مرة أو مرتين، ولم يظهر دليل علي وقوع معجزة جديدة للمخبول. رعشات الأمل تدُك قلوب المنتظرين. تري في العيون التعيسة رجاء أخرس وخوف موغل في الأعماق. تأخر المعجزة كان سبباً في أن يوقظ النميمة ويحرك الدسيسة بين أهالي القرية. بدأ الشك ينحر الصدور التي طالما كانت مسالمة مستكينة. تري هل تمت المعجزة وهبط الخير وإستطاع سعيدٌ ما أن يخفي الخبر خشية أن يوغر قلوب الحُسّاد؟ أين ذهب المخبول؟ منذ كرنفال البهجة ولم يظهر في أي مكان وكأنه فص ملح وذاب وترك غيابه خوفا وعكارة في النفوس.
7
جلس المخبول علي أطلال ما تبقي من الجدار الذي يحيط الساقية المهجورة الواقعة في أطراف مترامية من القرية. أساطير كُتبت عن هذه الساقية. يقال أن من كسر الجدار هو ذيل أفعي عظيمة، غضبت يوماً عندما رأت رجل وإمرأه يمارسان الحب في نهار رمضان أسفل شجرة الجميز العتيقة، فضربت الأفعي الغاضبة بذيلها ضربات سريعة متعدده لتخلع الشجرة من جذورها وتطيرها في الهواء وتهدم سور الساقية الذي لم يبق منه سوي تلك الأنقاض التي يجلس عليها المخبول. لم يري أحد من الأحياء تلك الواقعة، ولا يعرف أحد من قصها في البداية ولكنها حقيقة من حقائق القرية وتاريخها المقدس الذي لا يمكن السؤال عن أصله ومصدره.
ينظر المخبول إلي التراب الكائن تحت قدميه. يرسم بعصاه علي الأرض أشكال غير مفهومة. يمسح ما رسمه بقدميه. يكتب أرقام وحسابات ورموز لا يفهمها غيره، ثم يمسحها مره أخري. حوار صامت بدون حروف بينه وبين التراب والعصا والأشكال التي يخلقها بعصاه.
8
لم يقطع خلوة المخبول عن خيالاته سوي ذلك الشبح الأبيض القادم من هناك. الحقول الخضراء ممتدة علي مرمي البصر وفجأه يظهر من وسطها ذلك الجسد ذو الملابس الفضفاضة البيضاء. ظهور الوليّ في أي مكان كان من معجزاته التي لا يُسئل عنها. يفرح المخبول عندما يستنشق نسمات الحق قادمة تهزم تعاسته الناجمة عن تعاسة أولئك الذين ينتظرون منه الرجاء. ينهض من جلسته في إستقامة خاشعه ناظراً إلي الأرض ضامماً يديه علي عصاه
أين أنت سيدي الوليّ؟ كثر السائلون والرجاء عزيز
كان لابد من الذهاب والغياب
لكن شمس الحق لا تغيب
تقلبت قلوب العباد ومع تقلب القلوب تتقلب الأحوال
من قلة الحيلة
الرزق مكتوب في كتاب معلوم، فلما الحيرة؟
ولكنهم لا يعلمون
ومتي سيعلمون؟
عندما تشبع البطون
المسافر زاده التقوي
عن أي مسافر تتحدث يا مولانا؟
قاصد السعادة الأبدية
الجائع لا يري أبعد من جوع بطنه
ولكن القلوب بصيرة
القلوب بها علّة وأصبحت لا تُبصر
إذن فإسألهم الصبر والدعاء حتي يتم الدواء
لن يستطيعوا معي صبراُ يا مولانا! كيف لطفل صغير لا يري سوي ثدي أمه الجاف أن يصبر، كيف لرجل عاجز أمام بكاء رضيعه أن يصبر، كيف لإمرأة لا تري سوي قهر رجلها وضيق صدره أن تصبر . كيف سبيلهم إلي المنام وفي ضلوعهم كل هذه الحوائج
قُضيّ الأمر ووجب عليّ الذهاب
الذهاب إلي أين يا مولانا
إلي أناس أحبهم ويحبوني
أولا نحبك هنا يا سيدي؟
الحب عند الحاجة ليس بحب يا طيب، بل هو وسيلة ورجاء
لم ينته كلامنا بعد يا مولانا فلا تذهب
- بل إنتهي يوم نفذت التقوي وجف الرضا من الصدور
9
ثم غاب الوليّ .. ذهب من حيث أتي ، كأنه يسابق الشمس في المغيب إلي نفس البقعة المسحورة التي ظهر منها في قلب الحقول الخضراء تاركاً وراءه المخبول مستنداً إلي عصاه كأنه ماض أو ذكري في طريقها إلي النسيان. يري الوليّ يتضائل حجمه في الآفاق وتضيع معه بعض من الأحلام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.