قدر أن الأمر سيستغرق نصف ساعة علي الأكثر ، لكنه مع ذلك أعطي لنفسه فسحة من الوقت ، فحضر مبكراً ساعة كاملة ، كان الميكانيكي علي علم بما تحتاجه السيارة ، أخبره بالهاتف و حدد معه الميعاد . سوف نحتاج سيليكون يا باشا و أنبوبة مادة لاصقة ، بعد أذنك أعطي الولد عشرين جنيهاً ليشتريهما. حاضر . بدأ الميكانيكي يفك فانوس الإضاءة المكسور وهو يشتكي من صعوبة العمل في هذا النوع من السيارات ، حيث إن جهاز التكييف يشغل حيزاً كبيراً خلف الفانوس مما يسبب صعوبة في الفك و التركيب . إنت عارف سعادتك ، لو جاءني زبون عادي ، لا يمكن أعمله هذا الشغل ، يروح يشتري فانوس جديد بعلبته ، يركب علي طول ونخلص ، بدل التعب ده ! إنت كلك بركة ، أنا كما تعرف أتعامل مع هذه الورشة منذ أن اشتريت السيارة ، إنها سيارتكم ، أنتم تعرفونها أكثر مني !! هذا شرف لنا يا باشا ، يا ليت كل الزبائن مثل سعادتك . أستغرق فك الفانوس من السيارة و إصلاحه و لصق الجزء المكسور و تركيب الوجه الزجاجي ما يقرب من الساعة و النصف ، بعدها قال الميكانيكي وهو ينهض من أمام المنضدة الحديدية التي يعمل عليها داخل الورشة ، لابد أن ننتظر نصف ساعة حتي تجف المادة اللاصقة و السيليكون ، ثم أزاح الأنبوبتين جانباً مع بقية أدوات الشغل ، ولم يكن قد استعمل إلا نصفهما ، باعتبارهما من الغنائم التي لا يجرؤ الزبون علي المطالبة بها ، لكنه قال مخاطباً صاحب السيارة الذي كاد الزهق أن يخنقه . ما رأي سعادتك في كوب من الشاي ؟ ممكن جداً . رفض الميكانيكي السيجارة التي عزم بها عليه الزبون ، و قال مازحاً وهو يشير بطرف إصبعه إلي العلبة المحلية الصنع ، إنه لا يستطيع أن يدخن هذا القرف ، ثم أضاف ضاحكاً وهو يخرج سيجارة من علبته المستوردة والله سعادتك بطل ؟ جلسا يشربان الشاي و يتحدثان حتي تنقضي نصف الساعة ، حضرت سيارة أخري ، قام الميكانيكي ليرحب بصاحبها و يفحصها ، ثم أرسل أحد صبيان الورشة ليشتري ما يلزم ، و أمر الآخر أن يفك الجزء المعطوب من المحرك ، تلقي صاحب السيارة اتصالاً علي هاتفه المحمول ، ظهر الحرج علي وجهه و هو يعتذر عن التأخر ، و أخبر محدثه إنه تعطل في ورشة إصلاح السيارات ، لكنه سينتهي خلال عشر دقائق علي الأكثر بعد ساعة أخري انتهي الميكانيكي من تركيب الفانوس و ضبط إضاءته ، ثم ابتعد خطوتين للخلف وهو يفحصه بعينيه من جميع الزوايا بإعجاب ظاهر قائلاً . يا سلام يا باشا ، كأنه جديد ، لا يمكن حد يعرف إنه مكسور و متصلح ، سبحان الله ، يحيي العظام وهي رميم ! أثني الزبون علي العمل و أبدي إعجابه الشديد وهو يتأمل الفانوس و مقدمة السيارة بأكملها ، كان هناك اعوجاج بسيط ، يشوه شكل السيارة إلي حد ما ، لكن هذا علي كل حال أوفر من شراء فانوس جديد ، و أفضل ما يمكن الحصول عليه نتيجة التلزيق و جبر الكسور ممتاز أنا أشهد لك بالمهارة . أي خدمة يا سعادة الباشا ، تحت أمرك . قال الميكانيكي وهو يفرك كفيه و يمسحهما بفوطة ، ليتلقي أجره علي نظافة . ما إن جلس خلف مقود السيارة و أدار المحرك ، حتي رن هاتفه المحمول ، قال معتذراً وبضيق شديد ليبرر تأخره - ناس ولاد كلب ، شغلانة تخلص في ربع ساعة ، الواحد منهم يعملها في ثلاث ساعات !