د. سمير فرج تم إعلان 2019، عام الثقافة المصري-الفرنسي، تحت رعاية السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، والذي سيتم خلاله تنظيم عدد من الفاعليات الثقافية، بهدف تسليط الضوء علي جوانب التراث الفرنسي المصري، المتعددة، وتعزيز الحوار الثقافي بين البلدين، وتبادل الفكر، وعرض الإبداعات الشابة، في شتي مجالات الثقافة والفنون. الواقع أن العلاقات الثقافية المصرية-الفرنسية، بدأت منذ الحملة الفرنسية علي مصر، عندما قاموا بإنشاء أول مطبعة في مصر، وأسسوا أول مدرسة علي الطراز الأوروبي، ثم أقاموا مسرحاً للتمثيل، ومعرضاً للرسم، ومتحفاً للتاريخ والطبيعة، إضافة إلي مجمع علمي مصري، كان صورة مصغرة للمجامع العلمية الأوروبية، وأنشأوا مركزاً للطب والصيدلة، ومستشفي، ومخبراً كيميائياً، ومرصداً فلكياً. وقد أعد المجمع العلمي المصري، حينها، مجلداً ضخماً بالتعاون بين علمائه الأربع والعشرين المصريين، وعلماء الحملة، بعنوان "وصف مصر" أو“Description de L`Egypte” والذي مولته، ونشرته الحكومة الفرنسية. كان أحد هؤلاء العلماء، العالم "بوشار"، مكتشف حجر رشيد، الذي وجد عليه نقوشا بلغتين، وثلاثة خطوط، وفك طلاسمه العالم "شامبليون"، والذي كان نقطة تحول في حياته، إذ قام بوضع أسس منهج ترجمة النصوص الهيروغليفية، وأسس لعلم المصريات، كفرع خاص من علم الآثار، معني، فقط، بدراسة التاريخ المصري، باعتباره أقدم حضارات التاريخ، التي لم يُكتشف من أسرارها إلا أقل القليل. لم يكف العالم عامة، وفرنسا خاصة، عن شغفهم باللهث وراء أسرار حضارتنا، ويكفي أن أقول أن البعثة الأثرية الفرنسية، التي تعمل في معبد الكرنك في الأقصر، منذ قرابة المائة عام، هي أكبر بعثة أثرية فرنسية تعمل خارج فرنسا، ولها يرجع الفضل في أعمال الاستكشافات والترميمات في معبد الكرنك، وذلك بالإضافة إلي أكثر من 40 بعثة أثرية فرنسية أخري، تعمل داخل المواقع الأثرية في مصر، بإشراف مصري. ومن المقرر أن يشهد عام الثقافة المصري-الفرنسي، العديد من الاحتفالات والأنشطة، لعل أهمها، زيارة معرض توت عنخ آمون، حالياً، إلي باريس بعد غياب 52 عاماً، حيث يعرض 150 قطعة أثرية، من كنوز الملك الفرعوني الشاب، من بينهم 50 قطعة أثرية، تعرض لأول مرة، في ذلك المعرض، الذي يقام في قاعة "جراند هول لافيليت"، ويستمر حتي منتصف سبتمبر المقبل. أستقبل المعرض، خلال الساعات الأولي لافتتاحه، ما يزيد علي 15 ألف زائر، خاصة أن افتتاحه يتزامن مع الاحتفالات باقتراب الذكري المئوية، لاكتشاف مقبرة الملك الفرعوني الذهبي توت عنخ آمون، علي يد عالم الآثار البريطاني هيوارد كارتر. وسوف يشهد العام العديد من الاحتفالات، منها افتتاح المتحف الرقمي في القاهرة، وهوأحد المشروعات الفرنسية لعرض أكثر من 500 تحفة فنية لعدد 12 مؤسسة، ويعتبر هذا المتحف هدية ثقافية فريدة، سيتم ضمها إلي مكتبة المعهد الفرنسي في القاهرة، في إطار المشروع الكبير لتطوير هذه المكتبة. كما سيتم تنظيم معرض التصوير المصري الجديد، في باريس، بالاشتراك مع معرض الفنون الدولية هناك، لتقديم صورة للإبداع الفني المصري للشباب، والكشف عن المواهب الجديدة في مصر. وسيتم كذلك، افتتاح معرض كنائس الآثار الأسقفية المصرية في القاهرة، خلال شهر سبتمبر المقبل، في المتحف المصري في ميدان التحرير، حيث يعرض نتائج الحفريات الأثرية الفرنسية في مصر، والتي تم تنفيذها بالتعاون مع علماء الآثار المصريين. وفي مجال الموسيقي، سيقام عيد الموسيقي الفرنسي، في دورته 37 في فرنسا، ودورته 31 في القاهرة والإسكندرية، وسيشارك في هذا الحفل العديد من المواهب الشابة المصرية والفرنسية، بتقديم عدد من الحفلات العامة والمجانية. أما المعهد الفرنسي في مصر فسوف ينظم "مهرجان أم كلثوم"، والذي سيتضمن عرض أفلام وثائقية، وحفلات غنائية، لتكريم اسم كوكب الشرق الراحلة أم كلثوم، ولاكتشاف جوانب جديدة من حياة رمز من رموز الحياة الفنية والموسيقية ليس في مصر وحدها، ولكن في العالم العربي كله. كل هذه التظاهرات الثقافية، سوف يصاحبها، أيضاً، ندوة حول عالم المصريات "أوجوست مارييت"، مؤسس أول إدارة أووزارة للآثار بمصر، ومؤسس المتحف المصري بالقاهرة، والذي قام بإدارته من عام 1858 إلي عام 1878، وستقام هذه الأمسية في المركز الثقافي المصري، في باريس وتدير الحوار العالمة الفرنسية أماندين مارشال، المتخصصة في علم المصريات. ولعل من حسن الطالع، أوحسن التنسيق، أن يتوافق عام الثقافة المصري-الفرنسي، مع ذكري مرور 150 عاماً علي افتتاح قناة السويس، وعليه، فسيشهد العام، افتتاح معرض قناة السويس، في باريس، تحت رعاية مصر، والعالم العربي. وخلال زيارتي، هذا الأسبوع، لمدينتي الجميلة، بورسعيد، وجدت الجميع يتحدث، هناك، عن كيفية احتفالهم بهذه المناسبة المهمة، وعرفت أن لجنة من أبناء مدينة بورسعيد، قد تشكلت لدراسة تنظيم الاحتفال، ودور فرنسا في الاشتراك في الاحتفالات، وسمعت أصواتاً تنادي بضرورة عودة تمثال ديليسبس، الذي تمت إزاحته من مكانه علي مدخل القناة، أيام حرب السويس عام 56، بعد انتفاضة شعبية من أبناء المدينة، وظلت قاعدة التمثال فارغة، منذ ذلك اليوم، وبالرغم من ذلك لازال الجميع يشيرون إليها ويعرفونها باسمه، تري هذه الآراء أن عودة التمثال، هوعودة التاريخ، أكثر من كونه رمزاً. وتري لجنة تنظيم الاحتفال ضرورة حضور الرئيس الفرنسي، في حالة إعادة التمثال، إلي قاعدته مرة أخري، كما يجب أن تقدم فرنسا العديد من المشاركات الإيجابية لصالح مدينة بورسعيد، وأهلها، لتعود بورسعيد المدينة الجميلة كما كانت من قبل.