قصة قصيرة

سوق السحرة

عاد بعد لحظات وفي يده مجمرة يتصاعد منها دخان أزرق كثيف
اجتزنا ممرا ضيقا كالنفق تضيئه شظايا صغيرة من أشعة الشمس الساقطة عبر سقف من الخيش
أخذنا ندور حول أنفسنا ونتلفت في كل اتجاه
كل حواسي وأعصابي متأهبة كأني أمشي علي الصراط
استحضرت أقصي درجات يقظتي وانتباهي
الشارع ممتلئ بالعابرين والجالسين..
تشكيلة خرافية من البشر والحيوانات والروائح والسوائل والألوان والأصوات والنباتات والصور المدهشة.
معظم النسوة نصف عاريات ، أما الرجال فقد اكتفوا بقطعة واحدة لا تكاد تواري شيئا
فضفاضة وبعضها ممزق وعليها وعول و نسور مرسومة بحرفية.
ملامحهم مميزة للغاية كأنها تماثيل حية من صنع فنان مجنون
زادت عليها الألوان الساخنة والأظافر الطويلة ، وتشكيلات الشعر
كثرة من الرجال تتعلق برقابهم ثعابين رفيعة وصغيرة بعضها أحمر
أمام الباعة بضائعهم الغريبة
وصلنا أخيرا إلي مخزن كبير مدجج بكل مشاهد الرعب
رجعت بسرعة إلي الخلف .. قلبي خفيف
من بين خيوط العنكبوت والجماجم المتدلية من السقف المتعرج
حدّقت فيّ عيون تمساح كبير
فاتحا خطمه ذا الأسنان الكثيرة المصطفة
كان التمساح حيا مع أن الحاضر منه رأس فقط . لسانه الطويل يخرج من حلقه
يتمشي قليلا ثم يعود لموضعه . ربما خدعة
خطمه الطويل مفتوح إلي أقصي اتساعه . بدت أشداقه الحمراء النظيفة كفوهة بركان
حول رأس التمساح وفوقها رءوس القردة والذئاب والبوم والقطط
تجمعوا في كومة مرعبة
لمحت بعض النسوة الشقراوات المنتشيات بالبهجة يصورن باهتمام كل نملة
ولما فوجئن بالأسد الضخم وقعن علي الأرض ثم تماسكن ومضين يتأملنه لحظات .
أصرت كل منهن علي ركوبه وغمره بالقبلات والتقاط الصور معه
إبان مرافقتي للمنتخب المصري لكرة القدم إلي بوركينا فاسو
استقبلني صديقي وزميل الطفولة والدراسة .. يعمل في السفارة المصرية
دعاني لمصاحبته في زيارة سريعة إلي توجو المجاورة
في مخزن آخر كانت هناك أيدي الشامبانزي والغوريلا وعظام كثيرة طويلة وقصيرة
أخوه محروم من الإنجاب منذ سبع عشرة سنة
قرر خيري من أجله أن يزور سوق السحرة
طلب من السحرة دواء لأخيه
الساحر طويل أسود ذو سن واحدة . يحمل فوق رأسه قفة كبيرة من شعر أحمر سلكي هائش
يسحب الدخان من جمجمة صغيرة
علي جبهته وجانبي أنفه خرز يلمع
كان يتحدث الهوسا مطعمة ببعض الفرنسية
قدّم لخيري وعاء من الفخار به مسحوق للإنجاب
قال الساحر إنه ومعاونوه قاموا بطحن رأسي قط بري ونسناس مع بعض الأعشاب
الخلطة مسحوق أسود
قال الساحر: يبلل المسحوق بزيت الزيتون ويدلك به جسم الرجل والمرأة لمدة سبع ليال
قبل ساعتين من المضاجعة
لما تشكك خيري فيما قال الساحر، حدّق فينا بازدراء ، ثم بصق علي الأرض وغادرنا
عاد بعد لحظات وفي يده مجمرة يتصاعد منها دخان أزرق كثيف .
خيّمت علي المخزن روائح غامضة . حاولنا سد أنوفنا هربا منها .كدنا نختنق
جلس علي مقعد خشبي كان جزءا من جذع شجرة
تدريجيا تسللت الرائحة البشعة .. أظن أنه حاول بها معاقبتنا
أعلنت عن رغبتي في مسحوق لرُكب والدي وظهره
طلبت أن يُصنع أمامي
أحضر الساحر جمجمة قرد وسحقها في هاون وسحق معها عظام يد غوريللا وبيضة نسر
وهشّم علي المسحوق عظام حرباية مع بعض الأعشاب ذات الرائحة الحادة
عطسنا كثيرا
قال الساحر : تُعبأ في كيس علي شكل وسادة وتُسخن علي نار خشب شجر الكافور أو الدوم
ثم يوضع الكيس علي الظهر والركب لمدة ساعة مرتين يوميا في الصباح وفي المساء
، يتكرر طوال عشرة أيام
سلم خيري كيسا به بعض العظام كي تحمي المنازل من الحشرات واللصوص
ثم ضحك وقال : ورجال الشرطة
سألته : ألا تثق بعلاج الأطباء ؟
قال : الإنسان من الطبيعة ويجب علاجه بعناصر الطبيعة وأصلها الماء والهواء والتراب والنار
لما وصلت مطار القاهرة اتصل بي خيري وقال إن زوجة أخيه حامل
كان الدواء القادم من سوق السحرة لا يزال في الحقيبة التي لم تهبط بعد إلي الأرض
تمنيت الشفاء لأبي
لم يتحكم أخي في دمعه ونشيجه عندما قابلني
استبعدت أن يكون ذلك اشتياقا
رحل أبي فجأة بعد أزمة قلبية زارته كثيرا
أخذت أحدق في جماجم الحيوانات المرعبة وهي تتحرك أمامي
أجلت تعليق صوري التي التقطت لي في سوق السحرة إلي ما بعد الأربعين.
بعد الأربعين لم أجد في آلة التصوير أية صورة.
قفزت إلي الذاكرة الحزينة مشاهد الشقراوات اللائي حرصن علي تصوير كل شيء خاصة
لحظات ركوب وتقبيل الأسد .