محافظ القاهرة: بدء تسكين أصحاب السوق القديم لسور الأزبكية للكتب بالمكتبات الجديدة    ترامب يواجه تحديًا جديدًا: إخماد نظريات المؤامرة حول فضيحة إبستين الجنسية    فييرا: شيكابالا جزء من كنوز كرة القدم المصرية    تجديد حبس مديرة الشهر العقاري بدمنهور وعضو فنى 15 يومآ بتهمة تزوير التوكيلات    وكالة الأنباء السورية: طيران الاحتلال الإسرائيلي ينفذ غارة على محيط السويداء    محافظ الإسماعيلية يبحث الاستعدادات لانتخابات مجلس الشيوخ.. 135 مركزًا انتخابيًا لاستقبال مليون ناخب    موهبة المغرب يفضل الانتقال إلى الزمالك رغم العروض الأوروبية    أرسنال الإنجليزي يبرم أغلى صفقة في تاريخ الكرة النسائية    الإسماعيلي يعلن تجدد عقد محمد حسن حتى 2027    الصحة تنفي وفاة 5 أطفال بالمنيا بسبب الالتهاب السحائي وتؤكد: التحقيقات جارية    "الكتاب الرقمي.. فرص وتحديات النشر" في ندوة بمكتبة الإسكندرية    ناهد السباعي عن شائعة وفاة زيزي مصطفى: «عيب وحرام تخضّوا منة»    التحقيقات جارية.. «متحدث الصحة»: وفاة الأشقاء الخمسة بالمنيا ليست الالتهاب السحائي    وزير البترول يستعرض خطط «دانا غاز» التنموية بمناطق امتيازها    «الوطنية للتدريب» تحتفل بتخريج أول دفعة من قيادات وزارة العدل الصومالية    ب«أخويا» و«اتحسدنا».. إسماعيل نصرت يتعاون مجددًا مع أحمد سعد في ألبوم «بيستهبل»    ما حكم التحايل على شركات الإنترنت للحصول على خدمة مجانية؟.. أمين الفتوى يجيب    جهات التحقيق تستدعي طفل العسلية ووالده لمناقشتهما في ملابسات واقعة ضربه بالمحلة    ننشر تفاصيل الجلسة الطارئة لمجلس جامعة دمياط    جاري البحث عن أثنين ...العثور على جثة إحدى الأطفال الغارقات بأحد الترع بأسيوط    النيابة تستدعي والدي الأطفال الخمسة المتوفيين بالمنيا    تكريم وزيرة البيئة من مبادرة "أنتي الأهم" تقديرًا لاختيارها أمينًا تنفيذيًا لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر    المؤتمر: وضعنا اللمسات الأخيرة للدعاية لانتخابات مجلس الشيوخ    الرابط المباشر والمستندات المطلوبة لتنسيق أولى ثانوي 2025    نيوكاسل يناور ليفربول ويقترب من تشكيل ثنائي ناري بين إيساك وإيكيتيكي    ما حكم استخدام إنترنت العمل في أمور شخصية؟.. أمين الفتوى يجيب    ما حكم إظهار جزء من الشعر من الحجاب؟ أمين الفتوى يجيب    رسميًا.. ريال مدريد يحقق إيرادات قياسية تتجاوز 1.1 مليار يورو في موسم 2024/2025    فوائد شرب الزنجبيل والقرفة قبل النوم لصحة الجسم.. شاهد    "الصحة": تكريم وزير الصحة والسكان بجائزة القيادة من المجلس الأوروبي    وزارة الصحة تكشف نتائج التحاليل فى واقعة وفاة 5 أطفال أشقاء بمحافظة المنيا .. اعرف التفاصيل    خالد الجندي: تقديم العقل على النص الشرعي يؤدي للهلاك    حالة الطقس اليوم في السعودية.. الأجواء مشمسة جزئيًا في ساعات النهار    استعدادات مكثفة بفايد بالإسماعيلية لاستقبال مبادرة "أسماك البلد لأهل البلد"    أشرف صبحي يلتقي بوزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية    محافظ سوهاج: يتفقد مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين والوضع العام بقرية " المدمر "    ضبط 3 أشخاص لاتهامهم بغسل أموال ب90 مليون جنيه من تجارة المخدرات    تفعيل منظومة انتظار المركبات داخل مدن الأقصر وإسنا والقرنة    «التعليم» تعلن الخريطة الزمنية للعام الدراسي الجديد 2025-2026    كشف ملابسات فيديو جلوس أطفال على السيارة خلال سيرها بالتجمع - شاهد    دبلوماسي إثيوبي يفضح أكاذيب آبي أحمد، ومقطع زائف عن سد النهضة يكشف الحقائق (فيديو)    بين التحديات الإنتاجية والقدرة على الإبداع.. المهرجان القومي للمسرح يناقش أساليب الإخراج وآليات الإنتاج غير الحكومي بمشاركة أساتذة مسرح ونقاد وفنانين    في 6 خطوات.. قدم تظلمك على فاتورة الكهرباء إلكترونيًا    ليفربول يقدم عرضا ضخما إلى آينتراخت لحسم صفقة إيكيتيتي    هل الخوف فطرة أم قلة إيمان وعدم ويقين بالله؟.. محمود الهواري يجيب    ارتفاع حصيلة ضحايا حريق مول «هايبر ماركت» في العراق ل63 حالة وفاة و40 إصابة (فيديو)    وفاة والدة النجمة هند صبري    احتفالاً بالعيد القومي لمحافظة الإسكندرية.. فتح المواقع الأثرية كافة مجانا للجمهور    نائب وزير الصحة يعقد الاجتماع الثالث للمجلس الأعلى لشباب مقدمى خدمات الرعاية الصحية    اليوم.. بيراميدز يواجه الرجاء المطروحي وديًا قبل السفر إلى تركيا    أوكرانيا: الجيش الروسي فقد أكثر من مليون جندي منذ الحرب    الاحتلال يفرض حظر تجول ويدمر منازل جنوبي جنين في الضفة الغربية    ذات يوم 17 يوليو 1926 ..طه حسين يدخل معركة «العلم والدين» ويعلن: «ليس إلى التقاهما سبيل والمنفعة أن يتحقق انفصالهما.. والمخدوعون هم الذين يحاولون التوفيق بينهما»    مصرع شخص وإجلاء أكثر من 100 جراء أمطار غزيرة فى كوريا الجنوبية    «الصناعة» تدعو المستثمرين للتسجيل بمنصة المنتجات الصناعية والتعدينية العربية    كلية تربية حلوان تحصد المركز الأول في المشروع القومي لمحو الأمية للعام الثالث    زلزال يضرب اليونان الآن    ترغب في تواجدها بجانبك.. 3 أبراج هي الأشجع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سور ثلجي في الصحراء:غنائية السرد وكثافة التفاصيل
نشر في أخبار الأدب يوم 01 - 09 - 2018

تقدِّم رواية »سور ثلجي في الصحراء»‬لمحمد سليم شوشة رحلة ممتدة لساردها في المكان والزمن، لتتدفق في غنائية واضحة لصوتها السارد الذي يجتر ذكرياته وخواطره، وفي أثناء قيامه بذلك نجد ما يسرده من أحداث شخصية تتقاطع تاريخيًّا مع أحداث مفصلية كبري تمثل نقاط تحولات فارقة في تاريخ مصر. في »‬سور ثلجي في الصحراء»، الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، مراوحة بين المكان الحضري والمكان البدوي، حضور متعدد لتشكيلات سيسوثقافية متنوعة، وهو ما يضفي علي الرواية إيقاعًا دراميًّا يعتمد علي تلك المراوحات في الأحداث والفضاءات والأحوال منوعة للوعي بين اليقظة والحلم.
في رواية »‬سور ثلجي في الصحراء» كما في كتابة محمد سليم شوشة عناية متبدية بسرد التفاصيل الدقيقة وأشياء المكان التي تمثل خلفيات للمشاهد، وكذلك ثمة عناية أخري بسرد ما يعتمل في دواخل الشخصية من انفعالات وخواطر نفسية.
ثمة قدرة بادية من الكاتب علي حشد وفرة من التفاصيل الخاصة بالسياقات الاجتماعية والثقافية لفضائه السردي، فضلاً عن التوازن الواضح في حضور الشخوص مع وفرة الشخصيات الثانوية التي تمثل مع الأشياء التي ترصدها الكاميرا السردية خلفيات للمشهد السردي، تعمل علي تقوية البناء السردي وإثرائه.
الغرائبية والحضور الشبحي
رغم ما تبثه الحكاية في رواية »‬سور ثلجي في الصحراء» من أحداث ومواقف يعاينها صوتها السارد تبدو واقعية، إلا أنّ ثمة حضورًا غرائبيًّا يخامر ما بالحكاية من أحداث واقعية:
»‬الشارع هو هو بمبانيه لكنه أحيانا يبدو فارغا تماما من المارة وفجأة دون ضجيج أو ضوضاء يظهر به أناس بهيئات مختلفة وأعمار متفاوتة، والعربي يسير إلي جواره قابضا علي يده، وهو يتابع الناس الذين يظهرون فجأة.. أفريقي طويل بملابس غير مألوفة وشعر رأس طويل خشن، وأوربي ذو ملامح وديعة ونظارة طبية شفافة لا تخفي عينين زرقاوين جميلتين وحاجبين أصفرين كالذهب، يبدو قفاه أجمل مما يجب. طفل في حوالي الثالثة عشرة من عمره يلعب علي جانب الطريق بانهماك ولذة ولا يظهر عليه القلق أو بوادر الملل من الانتظار كبقية الناس.. امرأة شرقية جميلة سافرة الوجه لا ينظر إليها أحد وكأنها أحد مباني المكان أو أشجاره، أحيانا تظهر سيدة أو سيدات أخريات وتختفي بأسرع من قدرته علي الملاحظة».
وكأن الصياغة السردية، لدي محمد سليم شوشة، حين تقدم الواقع بمكوناته كمفردات المكان بوصفها عناصر مادية للحكاية ومدخلات في الصناعة المشهدية، تعمل، هذه الصياغة السردية، علي نزع ما يكمل هذا المشهد ويخالف أفق التوقع بشأنه، كما في نفي المارة وتفريغ الشارع منهم. ثمة نزوع إلي »‬التغريب» في مشهدة شوشة يضفيه علي الواقعي، فيختلط ما هو واقعي بما هو وهمي، فأحيانًا ما يبدو المكان وكذلك الشخوص أقرب إلي التمظهر التهويمي، المترجرج، في منطقة برزخية ما بينية، بين الحقيقي والشبحي، عوالم اليقظة مع الارتداد لعوالم الحلم.
أما حضور شخصية هذا الرجل »‬العربي» الغريب، فيبدو حضورًا مموهًا، مراوغًا ومراوحًا بين وسم الرجل الأفريقي والأوربي في آنٍ، في تناقض متبد في مظهره، يبدو هذا الرجل العربي أقرب ما يكون إلي الذات الشبحية للذات الساردة، أو »‬الذات الضد» التي تصارع الذات الموضوعية وتلاحقها وتطاردها.
الإخفاق قدر الشخوص
في رواية »‬سور ثلجي في الصحراء» ثمة حالة من الإخفاق تبدو قدرًا يلازم الشخوص، يكدر عليها عيشها، فالشخوص في حال حيرة من مآلهم ومصيرهم:
»‬محمود خليفة لا يمر من الصالة إلي باب البيت دون أن يري صورة عصام ابنه، الصورة مكتوب أسفلها بدون كتابة حقيقية أو خط (عصام لم يكن معصوما)، كتابة لا يراها غيره، يقرؤها كل يوم حين يري الصورة، ويستولي عليه الندم، لماذا اسماه عصاما، يتصور أن السبب الوحيد في أن يكون قدره الموت في الشباب هو تسميته بهذا الاسم، منذ مات عصام من أكثر من عامين وهو يسأل نفسه كل يوم: هل كانت التسمية بهذا الاسم تحديا ومعاندة للقدر.. لا يتوقف طويلا أمام الصورة وأحيانا لا يتوقف أصلا، وربما لا ينظر إليها في بعض المرات، لكنه يراها دائما، ويقرأ هذه العبارة في كل مرة (عصام لم يكن معصوما). هو السبب في هذا الاسم المشؤوم. عناصر الشؤم كثيرة حوله، أحيانا يتصورها في التشكيلات الحديدية في الباب الحديدي للفيلا أو للبيت. هي فيلا في نظر الجميع، أما هو فلا يقول إلا البيت، كلمة البيت تشعره بالارتياح والسكينة».
تبدو أغلب الشخصيات في رواية شوشة في مواجهة لامواتاة أقدارها، وفي مجابهة رياح عاتية في مصير »‬دون كيخوتي» معاند لإرادتهم، كما تبدو الأسماء التي تمثل علامة تأشيرية تسعي لأن تمثل هوية الشخوص مجافية لأحوال هذه الشخصيات في مفارقة ضدية، فالأقدار تأتي ضد تسميات الشخوص وعكس إرادة من يختارون هذه التسميات، ف”عصام لم يكن معصومًا» إذ مات قتيلاً، إذ إنّ الفقد يقنص الآخر الذي تأنس الذات به سواء الآخر المرأة أو الولد.
الوعي بالمكان
علاقة الذات بالمكان، لاسيما الشخصية الرئيسية في الرواية، محمود خليفة، علاقة مشوبة أبدًا بالقلق والتوتر، فالذات تشعر بحصار المكان لها وتضايقه عليها، حتي لو اتسع هذا المكان (فيلا) أو البيت كما تسميه الذات نشدانًا للألفة التي ينطوي مفهوم البيتية عليها، فثمة شعور دائم يحاصر الذات بتسوير حياتها سواء أكان السور ماديًّا في معناه المباشر أو سورياً معنوياً نفسياً فيما اسماه الصوت السارد ب”أسوار الأب”. ولكنّ الذات ما تلبث أن تضيق بالمكان، فترحل من مكان لآخر، إلي المزرعة وإلي فضاء البادية، أو إلي البحر وفضاء الحلم.
نجد وعي الذات بالمكان غالبًا ما يميل إلي الإفلات من التمثُّل المباشر للمكان في صورته الأولي، أي المكان كما هو عليه، بل تميل الذات إلي تجاوز التعيين المحدد للمكان:
»‬في الظلام يشعر بالمزرعة مثل الجزيرة التي عاش عليها بطل فيلم cast away 2000 وحيدا لأعوام بعد أن نجا من طيارة سقطت في المحيط، وحصل علي النار بعد صبر ومعجزة، هل قد تحدث المعجزة ويحصل علي النار أو يحصل علي حب زينب الشابة الصغيرة ذات ال18 عاما؟ هل هناك فرصة قبل الموت للحصول علي حبها ودفء جسدها المنطلق؟»
تعمل الذات التي ترحل عن مكانها بالفعل أو بقوة التخييل علي إعادة تشكيل المكان وأحيانا استبدال مكانها نفسه بآخر تستدعيه من جيوب اللاوعي، فالسرد عند محمد سليم شوشة يعمل علي تشعير الخطاب الحكائي بما يقيمه من متوازيات استعارية، فضلاً عن تدفق الأسئلة التي يفيض بها الخطاب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.