مَدْخَلْ : (تَذْكُرون أنّ الكتاب الحادي عشر من الإلياذة قَارَن أجاكس المُقاتِل بالحيوان الذي تعجز أعنف الضّربات في إبعاده عن حقل الحِنْطة المُستديمة .....أَعْنِي حِمار بُورِيدان الذي ينتمي حقاً إلي حظائر تأريخ الفلسفة ...حيث يقف منذ العصور الوسطي في منتصف الطريق بين كَوْمَينِ دَانِييَن مِنْ التِّبْن الشّذِي ،يتّفِقان في الحجم والنّوع ويَنْفق من الجوع في النهاية) ( غونتر ديبرون) تقود سيارتك الأنيقة في هذا المساء الخريفي الجميل وبجانبك زوجتك الجميلة ...وبالمقعد الخلفي يجلس الصغار ...يشرئبون برؤوسهم إلي الامام ووتتطاول حتي تُلامس كتفيكما ...ثمّ تعود رؤوسهم الصغيرة إلي الخلف ،ويرتمون علي المقعد الخلفي محدثين صخباً مُحبباً إليهم وإليكما....كنت تجهد أن يكون تركيزك علي الطريق المجنون وأن تتحاشي السيارات المنفلتة وحيناً آخر كنت تتفاعل مع الصّخب المُحبّب ،وتُعطي الطريق نصف اهتمام وعين.... وأحيان أخري كنت تختلس النّظر إلي زوجتك الجميلة وهي ساهمة ....كنت تتساءل فيم هي ساهمة؟؟ هل بدأت تشعر بما يحدث؟؟؟خوفك كان عظيماً ....كنت حريصاً أن يكون الأمر طيّ الكتمان ....تنتبه فجأة إلي الطريق الذي ابتعدت عنه اهتماماً وعيوناً حال داهمك خاطر أن تكون الجميلة قد بدأت في الشعور بالأمر ...تعود إلي الطريق مع صوت إطارات سيارة لحظة احتكاكها بالأسفلت نتيجة استخدام المكابح علي نحو مفاجيء...لم تكن بين سيارتك وتلك السيارة إلا أمتاراً معدودة ...انفلتّ هارباً في الوقت الذي كان سائق السيارة يُكيل إليك الشتائم. ترجع إلي محيطك داخل السيارة والجميلة بجانبك ساهمة كما كانت ...والصغار بالمقعد الخلفي يصخبون ...تَذْكر وأنت غض. كنت تمنيت هذه الصورة الجميلة ....أن تكون لك زوجة جميلة وسيارة أنيقة ...تقودها وزوجتك إلي جوارك وصغارك بالمقعد الخلفي ....كنت تضع هذه الصورة في خانة الأمنيات صعبة التحقيق ...مجرد أمنيات ...مُحببة ...مشتهاة ...لم يكن يخطر ببالك أن هذه الأمنية يُمكن أن تتحقق....كثيراً ما كنت تضع هذه الصورة أمامك وتخاطب نفسك :هل هذا أنا بالفعل ؟؟أهذه الجميلة هي زوجتي ؟؟؟وهؤلاء الصِّغار هم أبنائي ؟؟وهذه السيارة الأنيقة ملكي ؟؟؟كنت تعلم أن الكثيرين يحسدونك علي هذا الوضع ، وخاصة أؤلئك الذين يعلمون عن نشأتك وحياتك الماضية. هذه الصورة الجميلة ...التي لازمتك منذ أن كانت أمنية مُحببة مُشْتهاة ،إلي أن صارت حقيقة ماثلة ..ظلت علي ماهي عليه إلي زمان قريب ...قبل أن يتغيّر فيها شيء ويقتحمها آخر ،لم تكنْ الجميلة ساهمة أبداً ....ولم تَكنْ هنالك أُخْري!!كنت تتساءل دوماً لِمَ هي صارت ساهمة ...ولكنك لم تكن تتساءل لِمَ اقتحمت الأخري الصورة ...رغم أنّك لم تتمني أبداً أن تكون هنالك أخري في الصورة ....وحدها هي والصغار والسيارة وانت تقود في هدوء ....تُحدثها همساً وتُحدثك وتشاركان الصغار صخبهم المُحبّب ...هل كنت أنت سبباً في اقتحام الأخري للصورة ؟؟ أم تسببت هي في اقتحام الأخري للصورة. أحياناً تري أن الإجابة علي هذين السؤالين ليست بذات أهمية اقتحام الأخري للصورة أصبح يُبْهج ...تَجُد نفسك مع الأخري في أشياء عديدة ...تُحرّك فيك مشاعر أَصَاب مفاصِلها التَّكلُس فتختفي صورة الجميلة ....وحال عودتك إلي المنزل تَرْكَبُك الهواجس..أولها أنّ الجميلة ربما تكون علي علم بكل ذلك، كنتَ تري في نظراتها شيئاً ما...لا تستطيع سؤالها ولكنك كنت تفسّر مغزي النظرات...إحساسك بالخيانة يكاد يقتلك...وحتي الصغار كنت تري في نظراتهم وفي أسئلتهم المتكررة عن جدوي هذه الوظيفة التي تجعلك بعيداً عن المنزل وعنهم كل تلك الساعات ...كنت تري خيانتك مكتوبة علي جباههم....يَرِّن هاتفك النّقال...تطالع شاشته فتري الإسم فتسارع إلي كتم صوت الرنين، وتتجاهل المكالمة ...تنظر إليك الجميلة ...ولا تتكلم...تجد نفسك تحدثها عن المتصل وعن سبب الإتصال وما دعاك إلي تجاهله...فتبتسم هي ...ولا تزيد...ينغرز في جنبك سهمٌ من نار....يطفيء نار هذا السهم نفيرٌ لسيارة مجنونة فتعود إلي الطريق سريعاً وتمتد قدمك كالبرق إلي المكابح فتمر السيارة من أمامك وهي تُزمْجِر ....تقف هنالك لثوان معدودة وأنت ترتجف...ثم تقود سيارتك إلي جانب الطريق...تَوقّف الصّخب المُحبب...ووجد الخوف طريقاً إليها هي والصغار ...تتمدد علي مقعدك وتغوص في صمتٍ عظيم ...يمرّ أمامك شريط من الأحداث طويل ...كنت تعلم أن حياتك امتلأت بالأكاذيب ..وكنت تعلم أن حبل هذه الأكاذيب قصير ....وكنت تعلم أن هذا الأمر ليس من ورائه جدوي ...وتعلم أيضاً أنّ فكاكك منه ليس بالأمر السهل ..كما كنت تعلم يقيناً أن حبك للجميلة...مقيم، وأنه أمر لا جدال فيه... الأمر الوحيد الذي كنت لا تعلمه...هو أنك تجلس هناك، تجلس بينها هي والصغار، وبين الأخري ....تجلس علي نارٍ هادئة..... ولكنها بالطبع ...ليست هي تلك النار الهادئة التي تُنْضِج الطّعام جيداً.