نظرة وابتسامة.. فلمسة نعم لمستها من بعيد- وعندما كتبت هذه العبارة نظر إلي صديقي مندهشا ومتعجبا وتساءل: »ايه اللي جري لدماغك ولاجمالها لحس عقلك؟؟«. كانت بالفعل جميلة ومثيرة للخيال لذلك عندما رأيتها ولمحتها من بعيد لم أتردد للحظة في أن أقول وأردد وأكتب بالخط العريض: »لمستها من بعيد«.. نعم، لمستها بعيني وخيالي وحلمي ووهمي ووحدتي وتوحدي معها وكان ما كان.. و»بالذمة هي دي محتاجة عقل؟؟« ونعم، في البداية لمستها بنظراتي ثم لمستها بكلماتي واستجابت هي للمساتي باقترابها وقعدتها وحديثها وصمتها وابتسامتها وفرحتها وانزعاجها وانصرافها »خلاص.. مشيت« بعد أن اكتشفنا معا اللمسة ومعناها وحلاوتها وغلاوتها وبصمتها وبلمسها- »ياااه كل ده حصل و.. عند أطراف أصابعنا«. وتذكرتها »ايوه افتكرتها« منذ أيام وأنا أقرأ سطورا للدكتور أحمد مستجير عن سر اللمسة يشير فيها إلي أن اللمسة اطمئنان وانها أكبر بكثير من جلد يلامس جلدا وأن اللمسة تحمل التسليم بانسانيتنا وتعكس رغبتنا في الاتصال.. »حاجتنا إلي اللمسة حقيقية ومتأصلة« هكذا نبهنا د. مستجير مضيفا »هي اللمسة التي تثري وجودنا، هي التي تجعلنا بشرا، وتحمل البشر كلا، وتضفي علي الكل المعني«. وأكيد كدت لا أعرف كل هذا ولا عن »الاطمئنان« وأنا أطاردها وألاعبها وأحضنها بنظراتي ولمساتي.. وكانت تبدو سعيدة!!.. وبالطبع كنت سعيدا.. قدامك.. سكة سفر! وهي تتأمل فنجاني المقلوب لم تقل أبدا »لاتحزن«.. وقالت الكثير وكانت سرحتي مع كلامها.. »نبتدي منين الحكاية؟؟« قلتها في بالي وقتها وأقولها الآن علنا الحكاية رغم أنها معقدة فهي ببساطة أنني وقعت في حب قارئة فنجان أو هكذا توهمت وأقنعت نفسي وحاولت اقناعهاو.. وانطلقت سرحتي وهي تقول: »القطار يمضي والمحطات لاتتكرر«. وأنا أتأمل عيونها وأبحلق في شفايفها وأطيل النظر في عنقها.. والقطار يمضي ويقف في محطات أخري. ومن يومها - يجب أن أعترف- أن القطارات وقضبان الحديد والمحطات صارت لهم معاني مختلفة وذكريات عديدة.. وطبعا كلما دخلت محطة وركبت قطارا أتامل من حولي وأنا واثق بأنني سألتقي بها وربما بغيرها ممن وقعت عيني عليهن وتحادثنا وفضفضنا وضحكنا معا وأيضا بكينا معا »نعم بكينا.. ايه غريبة« - حتي وصلنا إلي »محطة مصر« وقلنا »باي« وافترقنا. وبينما اسمع من الميكروفون »قطار توربيني فاخر للقاهرة.. لايقف بالمحطات المتوسطة« يتردد في أذني صوتها - صوت مني »وليه القسوة دي وكأنك مش عايز تفتكر الا المحطات الكبيرة وبس »تقولها مني هامسة ثم تبدأ في تذكيري بلحظات بسيطة وسعيدة قضيناها معا ونسيناها معا والآن أتذكرها معها. وأكيد لا أفكر غالبا في سكة سفر - وأنا مرهق من كتمة الطائرات وزحمة المطارات و»قرف الجيت لاج«. واراها تقرأ فنجاني المقلوب وأيضا تقرأ كفي الممدود- وأراها لاتقرأ شيئا علي الاطلاق واحلم أن نبقي معا.. بدون سكة سفر. أنا في فيلم ولا في علم »عييينك!!!« أسمع كثيرا هذا التحذير والتنبيه. كما أن نبرة الصوت قد ترتفع عندما لا ألتفت وأواصل التأمل والبحلقة.. »ايه!! حتاكلها بعينيك!!«.. تلك الجميلة الجذابة التي هبت كالعاصفة ومرت بجانبي كالنسيم.. »ياعيني عليها -شايف اللي أنا شايف؟؟«. وكانت لها الطلة ولها الحضور الأخاذ.. »ايه هتنهب» نبهني صديقي عمر عندما لاحظ ارتباكي وترددي وتخوفي وتهربي من تجسيد اللحظة الحلوة والطعمة. كانت تعرف.. كنت أعترفت لها بأن علاقتي بالسفر والمدن هي مثل ولهي بنجمات الشاشة والأفلام. »هو معقول بعد أن عشقت سعاد حسني واتطلشت بمارلين مونرو وسرحت مع بينيلوب كروز.. أرمرم؟؟!!« عندما قلت هذا ابتسمت وقالت: »يعني عايز تقوللي انك بتختار المدن اللي بتعيش فيها والنساء اللي بتعيش بيهم؟؟!« نصيحة أخوية عابرة: الفيلم لايكشف دائما عن نفسه من عنوانه ولاتنتظر دائما النهاية السعيدة.. بالقبلة الممدودة. وتذكرني نها بالقبلات الخاطفة والطويلة والممنوحة والممنوعة والممتدة وأكيد الساخنة في فيلم »سينما باراديزو«. الفيلم الممتع عن مكان - دار للسينما قام بتشكيل وتكوين وتلوين وتلحين وزلزلة حياة بشر في مدينة صغيرة ايطالية. واذا كانت اللمسة اطمئنان فالسينما احتواء واحتماء وقلق وانطلاق وانبهار وخيال.. و»ليه لا.. مناظر كمان«. وكانت كلما صمتت غادة أواصل الكلام معا وأقول في بالي »أين أنت يا ألمودوفار وأين أنت ياشاهين؟«.. »اتكلم معاها« و»أكيد حتسمعك وأكيد حتعرف نفسك أكتر وأكتر«.. »هي دي الحدوتة الانسانية«. ومنذ شهور يطاردني أحد أبطال الفيلم الأسباني الجميل »السر في عيونهم« بقوله »عندما تواصل دائما الرجوع إلي الماضي فانك ستنتهي بالف ماض ولا مستقبل«. »طيب ليه الفلاش باك ده كله.. الحياة أبسط من كده بكتير.. ولو كانت نسيت؟ أفكرك »قالتها حبيبتي واقتربت مني وتلاشت المسافات بيننا وسقطت »كل العقد« وامتدت القبلة اياها..