حفلت رواية أسعد رمسيس (حريم فوزي الحلواني) بعدة شخصيات أظهرت فيها بعض شرائح المجتمع المصري مركزاً علي شخصية رجل أعمال يعمل في مجال المقاولات، ورث المهنة عن أبيه البسيط الذي مكنته الظروف كما مكنه سعيه وجهده من أن يفتتح مكتباً بوسط البلد، وسار رجل الأعمال الذي تحمل صفحة الرواية اسمه يعمل بدأب دون أن تشوب حياته شائبة، فظروف العمل المتواصل يقضيها في توقيع العقود والمخالصات ولم تمنحه تلك الظروف لحظة ليعيش كأي مواطن بسيط بعيداًً عن التكالب علي الحياة أو الإبتسامات الصفراء. صحيح أن الكاتب نأي بنا إلي عالم سردي اختلطت فيه أمور بعض أصحاب النفوذ من ناحية، والجانب الإنساني العالي الذي حاول بطل الرواية أن يعيشه ويستغله من خلال تلك السيدة التي كانت تذهب لزيارة زوجها كل يوم جمعة رغم مضي سنتين علي وفاته لأنها امرأة وفية، وقد أراد تغيير اسمها إلي اسم وفاء، ولأننا إزاء شخصية غير سوية فقد استحقت أن يلقي بها أهلها في مقبرة متخيلين أنه مات، فهل عجز الطبيب أن يعرف أن ما أصاب الميت غيبوبة سكر أم شئ آخر أدي للوفاة؟. عالم غريب وبعيد ومدهش، فوجئ فيه رجل يعمل في مجال البناء والمقاولات بنفسه، وقد ألقي به في قبر بعد إصابته بغيبوبة سكر وسقط مغشياًً عليه ليخط بعدها الطبيب الذي تم استدعاؤه شهادة الوفاة. وبين حالة الوفاة التي لم يواكبها تدقيق من طبيب يعرف المتوفي من قبل، لكنه، بغرابة شديدة، سارع بكتابة تقرير الوفاة وبين وضع بطل الرواية في مقبرة وبعد أن أفاق بمرور الوقت راح يسأل نفسه أين هو؟ وما السبب الذي جعله يأتي إلي هذا المكان المقفر؟ فهل تم اختطافه من قبل بعض المتعاملين معه الذين ينتظرون فدية مقابل ذلك من أهله؟ أم من عصابة؟ وسأل هل سيدفع أهله الفدية أم لا؟ أم سيبلغون الشرطة؟. كان ملفوفاً في كفنه وتملكه الرعب وفك الأربطة وصرخ: الحقوني ياعالم .. الحقوني .. الحقوني .. (ص 7) وتردد صدي صوته بعد أن بُح ليصله صوت خطي تقترب منه كانت لصبي صرخ حين رأه: عفريت هنا.. عفريت.. عفريت.. بعدها بقليل جاء رجال يحملون نعشاًً ومن حولهم علا صوت العويل والنواح (تحجرت الكلمات في فمي.. لوحت بيدي من الفتحة يقصد فتحة باب القبر الحديدية كان هناك حوش يفصلني عنهم). وحين بلغ صراخه أذني "التربي متولي" تعجب الأخير وقال: فوزي مين؟ فوزي مات.. وأنا دفنته بإيدي الظهر". وبدأ الرجل العائد من الموت إلي الحياة وبقي لأيام في ضيافة التربي الذي قدم له ملابساًً مستعملة فارتداها علي الرغم من أنها لم تكن مقاسه. ووصف التربي (كان يعشق الصمت، وعيناه الحزينتان تتكلمان أكثر من لسانه) وبعد قليل مارس التربي عمله من جديد بإستقبال ضيف ودع الدنيا ورأي أهله أن إكرام الميت دفنه وجاءوا يودعونه الثري، وبعد تلاوة القرآن، انسحب كل من جاءوا للوداع، إلا نفر قليل، ومرت سيدتان من أمام قبر فوزي قبل خروجه من المقبرة، قالت احداهما للأخري: البقية في حياتك.. اترملتي بدري .. إنت عاملة حسابك بحبيب القلب؟. وكأنما واسي فوزي الحلواني نفسه حين فارق بموته المزعوم زوجته وتذكر هل يمكن أن تقع في نفس الموقف لغيابه بالوفاة لتفوز هي الأخري بحبيب القلب الذي أشار إليه المؤلف أسعد رمسيس في نهاية الرواية من زواج غادة زوجته/ أرملته من غريمه حسام الذي كان مهدداًًً بالسجن بسبب تعثره في سداد ديونه لفوزي الحلواني وكأنه نوع من السادية بالتلذذ والإستلاب والإنتقام. هذه الرواية تحمل نوعاًً من الفانتازيا التي هي أقرب إلي الكوميديا السوداء هذه المرة، وقد فرضت علينا أن نظل في تتبع مسيرة بطلها العائد من الموت ليسرد لنا حكاياته مع الحريم، وقد ظننت من عنوان الرواية أنها ستمتلئ بالأحداث التي من الممكن أن تزيدها صدقاًً فنياًً، ولكنها قطعت الشك باليقين حين أعلنت استمرار الحياة بميلاد طفل لجارة تسكن في الشقة المجاورة لتلك التي اشتراها البطل، وكأن المؤلف يري بالفعل أن حالة المجتمع، وإن ظلت تتناهبها الأوجاع والآلام والقسوة، فسوف يبزغ فجر جديد ليعلن استمرار الحياة رغم الموات الذي أصابها. لكن وجه الغرابة أن نجد بطل الرواية قد نام في غرفة التربي الذي أحسن استقباله، ليستيقظ فجأة في الثانية من بعد منتصف الليل ويذهب إلي مقر شركته يتحسس الخطي نحو مكتبه ويدخله من خلال شرفة مفتوحة وباب مكتب صاحب الشركة غير مغلق بل مضاء وإن كانت الإضاءة بسيطة وفتح بحذر خزينة الشركة وأخذ ما فيها من أموال وأوراق ومستندات وشيكات بل وارتدي حلة جديدة ثم عاد من حيث أتي وكأنه نسمة عبرت لم يشعر بها الحارس الذي لم يتقلب في فراشه وهو نائم بجوار زوجته المستغرقة في النوم هي الأخري وكأنه ألقي عليهما شيئاًً، فلا هما أحسا به ولا بوقع خطاه ومضي يمشي ملكاًً، حتي إذا جاء الصباح لم يكتشف أحد في الشركة أثر لما حدث وكأنه شئ عادي أو وقع في كوكب آخر في مفارقة غير منطقية عن سرقة حدثت بطريقة (طاقية الإخفاء) وعدم إبلاغ الشرطة بما جري، أو بما اكتشفه الابن الذي قام بدور أبيه المتوفي بإختفاء أوراق أو عبث بمحتويات المكتب الذي تُرك بابه مفتوحاًً. فهل هي مصادفة أم مقصودة وكأن لا شئ أثار الانتباه!. وعاد إلي غرفة التربي، وأنقده مبلغاًً من المال، وبدأ البحث عن شقة، واشتراها وكان لا يفصلها عن المقابر سوي شارع، وبعد أن قام بفرشها، جلس علي كرسي قرب النافذة ورأي ابنه علاء وابنته رانيا يزوران قبره، ويضعان زهوراً عليه. وعاش الرجل حياته بالطول والعرض، كل صباح يأتيه التربي بالصحف ويجلس هو ينظر إلي المقبرة التي تضم رفات جده وأعمامه، وهي نفس المقبرة التي كان يشاركهم فيها!. شخصية الزوجة غادة التي كانت تعمل موظفة في شركة أبيه والتي تزوجها، والتي تنتمي إلي أسرة بسيطة، يعولها موظف بشركة الدخان، لا أعرف سبباًً واحداًً لتحديد اسمها، تزوج منها رغم معارضة والده الذي صاح في غضب : غادة متنسبكش (ص14). واستقالت من العمل بالشركة وأسكنها منزلاًً محترماًً. ويعود بنا المؤلف ثانية إلي حياة البطل مع متولي التربي الذي قام بطهي طعام عشاء سعد به كثيراًً، ثم جلس يتناول "فتة لحمة الراس" وهو يستعيد صورة الأرملة الحسناء التي مرت بجوار مقبرته ولم تفارق صورتها خياله. ويذكر بطل الرواية نتفاًً من حياته التي لم تكن تخل من العمل الدائم، وتمني لو أنه عاش حياته كأي رجل ليهنأ ككل البسطاء، حتي وقع اختياره علي صديقه كامل الذي فوجئ به فذكره بنفسه وحكي له عما جري. وسأله صاحبه أن يعود إلي زوجته وعياله، ولكنه عزم علي المضي قدماًً في تنفيذ ما فكر فيه، وأمر التربي أن يشتري له خمسة براويز ليؤطر بها صور ابنته وابنه وزوجته أما الرابع والخامس فأولهما لصديقه كامل والآخر لمدير مكتبه ياسر الذي زوجه لابنته. وعلق الصور جميعاً علي جدار مقابل لسريره، وقد أضفت البراويز بنقوشها نوعاًً من الفخامة علي الصور. وراح يراقب الحياة من خلف الشباك الموارب ورأي من جديد ابنته وقد أصابها هزال شديد ومعها زوجها متجهين لزيارته في القبر. نصحه كامل أن يخرج من عزلته التي فرضها علي نفسه، وأن تُجري له عملية تجميل وراح يزور أحد المسجونين وتعجب من حال الدنيا وبعدها فوجئ بغريمه حسام مع زوجته غادة وقد حضرا لزيارة قبره وكأنهما في نزهة خلوية وتبادلا القبلات وغلت الدماء في عروقه وأخرج مسدسه واعتزم قتلهما ولكن الصداع الذي فاجأه أثناه عن عزمه. وبعد ذلك يأخذنا المؤلف إلي رحلة الصفر التي بدأ منها أبيه ووصوله للقاهرة قادماً من قريته البعيدة لأول مرة واستغرابه من الحياة فيها، وكيف أن الرجل عمل في مهن شتي إلي أن افتتح مكتباً للمقاولات وألحق فوزي للعمل به بعد حصوله علي الشهادة الجامعية وحقق نجاحاً كبيراً في هذا المجال. ويقص علينا سيراً من حياته وهو يعيش وحيداً لا سلوي له سوي الذكريات.. وقدوم متولي التربي إلي القاهرة ليلتحق بالعمل صبياً يتلقي المهنة من حارس المقابر حتي أتقنها وبعد فترة مات الرجل وأصبح متولي هو الكل في الكل وبعدها رحلت أرملة الحارس مع ابنتها تاركة له الحجرة والعمل وتزوج متولي بزوجة غالت أمها في الشبكة والمهر مما دعاه إلي بيع هياكل الموتي ليفي بإحتياجات ومتطلبات حياته وأنجب منها مرسي وعزيزة واهتمت الزوجة كثيراً بزينتها وأناقتها وهو الذي يعمل مع الموتي، وعندما يبلغه نبأ موت أبيه يعود إلي القرية لتلقي العزاء ويغيب شهراً هناك وعندما يعود يفاجأ بزوجته تخونه بين أحضان رجل في أحد أحواش المقابر، وبعد طلاقهما تترك الصغيرين له، ليقوم علي تربيتهما رغم أن الشك يساوره، وذات مرة قال وهو يحادث فوزي: يمكن يكونوا مش ولادي. امرأة جديدة عرفها فوزي عن طريق التربي الذي جاءه يدق الباب وهو يلهث مؤكداً علي أن يلحق بها ويراها وأنه: جوزها مات من سنتين كل يوم جمعة بتيجي تقعد نصف ساعة ويبدأ فوزي في التقرب من المرأة ويقدم لها باقة زهور فتشكره وتجلس بالقرب منه وهو يطالع الأسماء المحفورة علي شواهد القبور قبل أن تغادره إلي سيارتها. ثم يعود ليحكي عن جده الذي كان يصطحبه صغيراً، ويروي قصة امرأة مات