العنوان الأصلي لهذا الكتاب هو " أهرامات وملهاه ليلية" ..ولكن المترجم اختار له عنوانا دالا " سياحة الليل وسياحة النهار" إذ تقوم مؤلفته الأمريكية ليسا ون بتتبع الأسباب التي تدعو السياح الغربيين إلي زيارة مصر، مقارنة بنظرائهم الخليجيين. وهي الرحلة التي كثيرا ما نسج عنها العديد من الأساطير والحكايات، وخاصة عن رحلة ذلك "البدوي" ذي الشعر الكثيف والبشرة السمراء والذي قدم إلي مصر وهو علي ظهر جمله، باحثا عن جوار يشتريها لإشباع رغباته الجنسية التي لا ترتوي، بينما بقي الأوروبي تنسج من حوله الحكايات بوصفه ذاك الرجل الأبيض صاحب العيون الزرقاء، والذي يأتي ليكتشف خبايا الشرق الغامض بنية صادقة بريئة أساسها العلم والمعرفة. تبتعد ون عن التبسيط ، أو النمطية او التفسيرات الجاهزة التي أدت إلي خلق صورة نمطية عن العرب الذين يقضون الليل في البارات يطاردون الراقصات " بسبب حالة من الاستياء الناجمة عن سوء توزيع الثروة النفطية، التي جعلت من ذلك "البدائي" القادم من الجزيرة العربية يصبح "باشا" وفق التعبير المصري علي أبناء وادي النيل أصحاب الحضارة الفرعونية العريقة". أو حتي وفق الخيال الاستشراقي الأوروبي فيما يتصل بجنسانية الشرق الأسطورية . السياحة خلقت من وجهة نظر علماء الاجتماع "قوما زائفين" جنبا إلي جنب مع "ثقافة فولكلورية زائفة" نتيجة للمشكلات الثقافية التي أنتجتها، مثل ارتداء الناس لأزياء تقليدية وإصرارهم علي أن يدفع لهم السياح نقودا مقابل الصور الفوتوغرافية التي يلتقطونها لهم، وبواسطة ذلك تحولت "الصلة الأخلاقية" إلي "صلة نقدية" مقابل تلك الكياسة التي كانت ستمنح طواعية بطريقة أو بأخري. وبالتالي فإن السياحة بنظر هؤلاء العلماء قد حولت التفاعلات الاجتماعية العامة إلي سلع وبضائع تباع وتشتري مما هدد بتدمير الأصالة الثقافية. ولكن الكاتبة تري أن هذا المنظور وهو ثيمة عامة في أدب السياحة، لا يمكن تفسيره إلا لكونه يستمد مرجعيته من نزعة أصولية فيما يتصل بالرأسمالية والتحديث. ففي هذه النظرة، تري الثقافة علي أنها آخر حصن للمعني. وعبر السياحة تمارس الرأسمالية اعتداءاتها الوحشية حتي علي الثقافة التي تنزع إلي تسليع واستهلاك كل شيء تجده في متناولها. ترصد المؤلفة أحد الفروقات الهامة بين السياحة العربية والغربية :" لا يميل السياح القادمين من أوروبا وأمريكا إلي معرفة الكثير عن مصر الحديثة ، فهم ضليعون في سرد الحكايات عن الملك توت عنخ أمون ونفرتيتي بالتفاصيل الدقيقة، لكنهم لا يعرفون اسم رئيس مصر الحالي مثلا، ذلك لأنهم ليسوا معنيين بالسياسات المعاصرة. بينما السائح العربي لا يهتم بالسياحة التاريخية ( الأهرامات مثلا) ليس لأنه يحبذ بدل السير في الصحراء أن يزور أحد الملاهي الليلية في شارع الهرم، لاكتشاف الجغرافية الجسدية لإحدي الراقصات ولكن لأن الصورة التي تستحضرها مصر في الأذهان العربية طالما بقيت أشد جذبا لشخصيات لعبت دورا في الإطار الإقليمي العربي، وخاصة في العقود الأخيرة بدءا بجمال عبد الناصر ، مرورا بنجيب محفوظ الذي اختطف بمخيلته عقول جيل عربي كامل أملا في إيقاظ شخصية "عاشور" المليئة بكل قيم المروءة والشجاعة والتي بات يفتقدها في مدينته، أو مطربين مثل أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وعمرو دياب، وممثلين مثل عادل أمام ونجلاء فتحي وراقصات شهيرات مثل فيفي عبده ودينا. بعد ذلك تحاول ليسا ون تفسير ظاهرة نشوء الأساطير التي تنتشر عن السائح العربي وخاصة عن بعض السعوديين في بلاد النيل، إذ ثمة اعتقاد جلي أن العرب هم غزاة ومفترسون سيما مع النساء الفقيرات المصريات. كما ان هناك _ حسب المؤلفة اعتقاد خاطئ يري أن السعوديين يأتون إلي مصر بحثا عن لقاءات ومواعيد مع النساء، وذلك لأنهم لا يمتلكون أي فرصة تمكنهم من التفاعل اجتماعيا مع النساء في المملكة، وهذا ببساطة شديدة ليس صحيحا ويعبر عن صور اختزالية لصورة السعودية. وتفسر ون هذه الشائعات بأنها تصدر عن جماعات مستضعفة من المجتمع، تعتقد أنها تتعرض للهجوم، والتي تسعي من خلال نسج بعض الأساطير عن العرب وعربداتهم الجنسية مثلا، لتعبر عن حالة من التذمر بسبب عجز حكومتها عن تحسين الحالة المعيشية لها، ولتخفي من وراء هذه الحكايات ألما وحزنا نتيجة حالة التفاوت السياسي والاقتصادي بين الخليج وواقع مصر المتردي. الكتاب: سياحة الليل سياحة النهار: الخليجيون والأوروبيون في مصر ترجمة: صخر الحاج حسين، وصدر عن دار نش قدمس - سوريا .